كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 28 من يناير 2020 عن خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي حملت اسم «خطة ترامب للسلام»، أو ما يعرف بـ«صفقة القرن»، في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الاقتراح الذي أعده دونالد ترامب، والذي كان من المتوقع أن يتطرق إليه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر البحرين في يونيو 2019، وقد قدمت هذه الخطة طرحًا واقعيًّا لتحقيق السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط، حسب الإدارة الأمريكية.
تضمنت وثيقة مشروع السلام الأمريكي في الشرق الأوسط حوالي 200 صفحة، وتطرقت إلى العديد من القضايا الجوهرية في الخلاف الفلسطيني – الإسرائيلي، أبرزها الشق السياسي والاقتصادي، وقضية حدود الدولتين وكذا قضية اللاجئين والقدس.
عند قراءة هذه الخطة الأمريكية يظهر علنًا الاستجابة الكاملة لمطالب الإسرائيليين، وبسط سيطرتهم على فلسطين، والتعدي الصارخ على حقوق الفلسطينيين والقوانين الدولية التي تكفل حل هذه القضية، وفق اللوائح الأممية، وأبرز هذه النقاط التي جاءت في هذه الصفقة ما يلي:
خيار حل الدولتين، الاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديةً، حل قضية اللاجئين خارج دولة إسرائيل، سيادة إسرائيل على غور الأردن والجولان السوري، اعتراف العالم الاسلامي بإسرائيل، التمسك بأمن إسرائيل، إقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي عاصمتها القدس الشرقية، وفتح سفارة أمريكية فيها، تقديم مساعدات مالية مقدرة بـ50 مليار دولار للدولة الفلسطينية المستقبلية، مع وضع حد لأنشطة حركة حماس وحركة الجهاد، الاعتراف بالقدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، وتجميد العمليات الاستيطانية لمدة أربع سنوات، وقد منحت الإدارة الأمريكية مدة أربع سنوات للفلسطينيين لدراسة هذه الخطة والموافقة عليها.
كما أكد ترامب بأن عواصم عربية باركت هذه الخطة وتساند هذه الصفقة، كالبحرين والإمارات، ومن جهتها عبرت السلطة الفلسطينية ومنظمة حماس عن رفضهما الكامل لهذه الصفقة، وما ورد فيها من بنود، وخرج الشعب الفلسطيني في احتجاجات معبرًا عن رفضه القاطع لمثل هذه المساومات، وضرورة العودة إلى منظمة الأمم المتحدة لحل القضية.
إن الولايات المتحدة ترفض عقد مؤتمر دولي بخصوص القضية الفلسطينية، وتبرر ذلك بأن العالم يعيش مرحلة مضطربة، ودخول أي طرف أجنبي في المعادلة يشكل ضغطًا على التسوية السياسية، لكن الشيء الأكيد وراء هذا الرفض هو أن الولايات المتحدة ترفض أي صوت ضد عميلتها إسرائيل، حتى ولو كان من حلفائها من الغرب، وكون هذه الاقتراحات التي تأتي من أطراف أخرى ما هي إلا إنقاص من الهيمنة الأمريكية على المنطقة وعلى العالم ككل، فالولايات المتحدة ترى إسرائيل أداة للحفاظ والسيطرة على الوضع الإقليمي، والإدارة الأمريكية تعد دولة إسرائيل جزءًا لا يتجزأ من قوتها وهيمنتها على العالم، فهي الدولة الوظيفية التي تعتمد عليها واشنطن.
غالبًا ما راحت محادثات السلام بين إسرائيل من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى أدراج الرياح، وكانت بمثابة ذر الغبار على الأعين، والغريب في الأمر أن القادة السياسيين لواشنطن يلقون باللوم على الراحل ياسر عرفات والرئيس محمود عباس من جراء تواصل المقاومة الفلسطينية، والأعمال الاستشهادية، وصعوبة إحياء السلام بين الطرفين، وهي في المقابل ترعى إسرائيل اقتصاديًّا وعسكريًّا، وترحب ببناء المستوطنات اليهودية فوق الأراضي الفلسطينية المغتصبة، فقد عد جورج بوش في 2004 أن عودة إسرائيل إلى حدود 1967 أمر غير واقعي، فالولايات المتحدة تساند إسرائيل في رفض قيام أي دولة فلسطينية في المنطقة، والهدف من هذه المناورات ليس فقط تقسيم الفلسطينيين والتعدي على أرضهم، بل تقسيم كل العرب ومواقفهم المخزية، فواشنطن استخدمت حق النقض في مجلس الأمن منذ 1967 أكثر من 30 مرة ضد مشروعات تدين إسرائيل، فكيف لها أن ترعى خطط السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
نقلت الولايات المتحدة هذا النوع من الأزمات من أروقة منظمة الأمم المتحدة إلى اتفاقات ومعاهدات ومؤتمرات تحت رعاية أمريكية، بعيدًا عن الأمم المتحدة كمؤتمر مدريد، واتفاقية «واي ريفر» الإسرائيلية الفلسطينية، وفيها تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل باستغلال السلطة الفلسطينية والضغط عليها، مستغلة موازين القوة التي تميل إلى إسرائيل.
ومن خلال رعايتها لهذه الاتفاقيات التي لا تبحث فيها واشنطن وتل أبيب عن السلام بقدر ما تبحث عن الاستسلام، وإرهاب السلطة الفلسطينية وإرغامها على التطبيع مع إسرائيل، وتدعم الولايات المتحدة الإرهاب الصهيوني الممارس في فلسطين من خلال قتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وإقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، واغتيال عناصر المقاومة، رغم أن مجلس الأمن قد أصدر أكثر من 200 قرار في القضية الفلسطينية، وهي قرارات متعلقة باللاجئين، وانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، ووقف المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إلا أن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الذي استعملته أكثر من خمسين مرة أعاق أي قرار يصدر ضد إسرائيل وتنفيذه.
تعد خطة السلام المزعومة في فلسطين النموذج الأكثر تعبيرًا عن المناورات الأمريكية، فلا يمكن الوصول إلى عملية السلام وإسرائيل تقوم بانتهاك واضح للقرارات الأممية، فالسلام الوحيد الممكن في الشرق الأوسط هو القائم على قرارات الشرعية الدولية، أي الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.
عبرت الصحف الأوروبية في تحليلها لصفقة القرن بأنها فضيحة ومهزلة وإهانة للعقل والمنطق، بينما رحبت بها دول عربية لا تعترف بالفضائح ولا تملك عقلًا ومنطقًا ليهان، وهيأت وجهها لأكبر صفعة في التاريخ.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست