كنتُ في المرحلة الإعدادية ـ عندما بدأتُ المرور بمرحلة المراهقة المبكرة ـ أعاند، أتمرد، أرفض الأوامر، أحاول الخروج عن عباءة الأب والأم، أقاتل لأثبت شخصيتي بشكل أو بآخر، كان حالي كحال أغلب الشباب في ذلك الوقت، كنا تائهين حقا وفعلا، نحاول أن نفرض أنفسنا حتى وإن أخطأنا السبيل.
بدأ تعرضنا لـ “عمرو خالد” خلال قناة “اقرأ” في برنامجه “ونلقى الأحبة”، طريقته الخلابة في سرد سِيَر الصحابة رضوان الله عليهم، وأسلوبه في ربط حياتهم بحياتنا، وتمرير الموعظة بطريقة شديدة الدهاء؛ تتوافق معنا كشباب متمرد عنيد، لا يقبل النصح والوعظ.
ولأكون صادقة في قولي، فقد باءت جميع محاولات والديّ في أن ألتزم بالصلاة بالفشل، ولكن عند أول رمضان يطل علينا فيه “عمرو خالد” في خيمة “إقرأ” الرمضانية، التي كانت تقدمها المذيعة الجميلة المحتجبة: “دعاء فاروق”، ذات الأزياء المبهرة والأنيقة، والمحتشمة في ذات الوقت.
جاء العرّاب، وقال: “صلّوا”! فصلّيت! لا أدري كيف فعلها، ولكنني وجدت نفسي فجأة أصلي، وأقرأ المطويات الكثيرة عن فضل الصلاة والأدعية المستحبة في السجود والركوع، وأذكار الصباح والمساء! أجل كنتُ أقرأ أذكار الصباح، بعد صلاة الفجر وأذكار المساء بعد صلاة المغرب.
بدأتُ بالمواظبة بصلاة التراويح، كنتُ أبكي! أجل كنتُ أبكي في الدعاء! لا أدري لمِ بكيت وأنا لم أزل ابنة الرابعة عشرة!
بسبب العرّاب المسلم قررتُ أن “أقطّع” كتاب المدرسة مذاكرة، كتبتُ في ورقة كبيرة علقتها أعلى مكتبي: “ذاكري .. عشان الأمة”، كنتُ أجدد النية في كل لحظة أجلس فيها على المكتب للمذاكرة : “أنا بذاكر عشان ربنا “، كنتً أستحضر الأجر والثواب في المذاكرة، وأبتغيها من أجل وجه الله؛ حتى أنال الجنة، وأحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة”.
لأن العرّاب المسلم علّمنا ذلك وأخبرنا ذلك، غرس فينا أن الأمة تنهض بنا، والأقصى سيتحرر بنا، كان يقول: “اتحجبي عشان الأقصى يتحرر”، “غض بصرك عشان الأقصى يتحرر”، تابعنا حلم تحرير الأقصى في كل كبيرة وصغيرة نفعلها، راودنا طموح عصر جديد من الاختراعات، وإيقاظ حركة الترجمة التي كانت في العصر الإسلامي الفائت، أشبع غرورنا الشبابي بأننا أهم من في المجتمع، وقوامه، وأساسه، بدوننا لن يكون للمجتمع قيمة، كان يُبهرني شكل الفتيات المحتجبات الأنيقات والمحتشمات اللواتي كن يغطين العدد الأكبر من جمهوره، كان يسحرني الشاب الوسيم ذو البنطال الجينز والـ “تي شيرت” ذو الماركة الغالية والذقن المهذبة والشعر المملوء “جلّا”، ثم ينهض ليحيي أمة بطريقة ألهمه بها العرّاب المسلم، ثم أغوص في أحلامي بعيدا : “أريد أن أتزوج مثله”!
كانت الثمرة الأولى لمجهودات عمرو خالد متمثلة في برنامج: “يللا شباب” على قناة إم بي سي، قدمه مجموعة من الشباب، من ضمنهم الممثل “أحمد الفيشاوي”، و”عمرو القاضي”، يتوسطهم “أحمد الشقيري”، حيث كانت بدايته من هنا، من البرنامج الشبابي “الكوول” الذي يناقش قضايا، وهموم الشباب من نظرة دينية مع لمسة “روشنة”، كنا جميعا ننظر إلى الفيشاوي داعين له بالثبات، خاصة حينما نرى دموعه المنهمرة أثناء حديث أحد الشيوخ عن الجنة، متوقعين له مستقبلا باهرا في الالتزام والتدين والدعوة، حتى ظهرت قضيته الشائكة مع الابنة غير الشرعية، واختفى الفيشاوي، وظهر الشقيري ببرنامجه “خواطر شاب” الذي أظهر طفرة في برامج التنمية والدين، حتى شاهدنا الشاب الأبيض ذا اللغة الإنجليزية المتقنة، الذي يترجم القرآن ويترجم تفاسيره؛ ليدعو الغير إلى الإسلام، فكان “معز مسعود” المثل المثالي للشاب المتدين المثقف ذي اللغة الأجنبية والملابس “المودرن”.
في مرحلة الجامعة والتي بدأتُها في عام 2008 بعد 8 سنوات من ظهور العرّاب المسلم، وجدتُ الكثير من النماذج المماثلة لأحمد الشقيري ومعز مسعود ومصطفى حسني، كان الشباب الملتزمون الذين لا يرفضون الاختلاط، والفتيات اللواتي يرتدين التنانير و”التونيك” الطويل على البنطلون، لا بأس بأن يتحدث شاب إلى فتاة، ولكن في حدود النشاط الطلابي أو العمل الخيري، المتمثل مثلا في “صناع الحياة” الذي دعى إليه عمرو خالد، هؤلاء الشباب جميعا كانوا يملأون قاعات المحاضرات والأنشطة الطلابية والاتحادات والأُسر، موجودين في كل مكان، ولا يرفضون الاختلاط بالأقل التزاما، كانوا شبابا جذّابين للغاية، ولم يكونوا منفرّين .
جميعنا حلم بما فعله عمرو خالد أثناء حج 2006، حيث الحج يرتبط بالتنمية والمشاريع والإبداع وإحياء الأمة، اجتمع الشباب الذين لديهم مشاريع وطموح ويمتلكون عقلا مبدعا، وبعضا من رجال الأعمال المصلح، هل تتخيل مثلا “عائض القرني” الشيخ والعالم والشاعر السعودي الذي يُحسب على السلفية الوهّابية، ينضم إليهم في عرفات ويلقي عليهم خطبة في مجمع به اختلاط بين الرجال والنساء! هكذا فعلها عمرو خالد، هكذا فعلها العرّاب! من هنا قررتُ أن أقرأ كتابا مثل: “لا تحزن”، من هنا أصبحت أتصيد “عائض القرني” على الشاشات!
كنا في مرحلة، نريد أن نُحاكي ما فعله ونطبقه وندعو إليه، كنا نستمع إلى “سامي يوسف” المنشد الإسلامي شديد الوسامة والأناقة بانجليزيته الجذّابة، “سامي يوسف” نتاج العرّاب المسلم كان بطل أحلام الفتيات الملتزمات، بديلا عن عمرو دياب وراغب علامة، وتوالت الظواهر حتى ظهر “حمزة نمرة” و”ماهر زين” وغيرهم.
ولكي تجد الطبقة السلفية المتشددة خطا دفاعيا ضد “عمرو خالد” وأفكاره التي لا تتوافق معهم مظهر “محمود المصري” و”محمد حسان” وغيرهم من الذين لولا وجود العرّاب ما ظهروا وما فرضوا أنفسهم على الساحة، بل كان البعض يتصيّد الحديث عنه وانتقاده ومهاجمته، وقد تصل أحيانا لشتمه وسبه في الفضائيات لكسب مساحة أكبر من الجمهور.
أخبِرني عن ثائر واحد من ثوّار 25 يناير لم يُساهم العرّاب المسلم في تكوين شخصيته!
إذا لم يكن هو السبب الرئيس وغير المباشر في جعلنا نصل إلى التحرير والحلم بالتغيير فلا بد أنه السبب وراء شيء ما “جيد” داخل نفس كل منا .
ربما ليس من الإنصاف بعد كل هذا أن أختم مقالي بمهاجمته والتشكيك في ضميره والتساؤل عن حقيقة إخلاصه في كل ما فعله، ولكن حقيقة ما علّمنا إيّاه العرّاب المسلم هو ما جعلنا اليوم نقف ضده ونملأ مواقع التواصل الاجتماعي برثائه وبجلده ورجمه، العرّاب هو من رسخ داخلنا مفاهيم الحق ومناصرته، لنجده اليوم يخذلنا ويخذل الحق! منطويا ومنزويا بعيدا، رافعا التحية العسكرية إلى من قتلونا واعتقلونا واغتصبونا، مصوتا بنعم .. نعم للفساد والقتل والتعذيب والفقر وتدهور التعليم والخدمات العامة، وقت أن قرر التحدث إلينا حدثنا عن الطائرة الروسية قائلا: ألا تهنوا ولا تحزنوا واعملوا .. اعملوا .. اعملوا!
نعمل ماذا سيدي الـ “عمرو”!
حقيقة لقد عَمِلنا بعد أن عَلِمنا، أصبحتَ “كرت” محروق، نثرنا رماده كأضحية على دماء الحق المهدرة. عزيزي العرّاب المسلم، لقد أعلنّا وفاتك في قلوبنا منذ زمن، محتفظين بفضلك علينا. سائرين بتعاليمك التي كنتَ أول من خالفها!
دُمتَ مُجددا وصانعا للحياة !
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست