في مدينة كندية ساحرة كنت أقيم فيها، هناك مكتبة فاخرة أخاذة لبيع الكتب، فيها مئات الآلاف من العناوين في مختلف الحقول، لطالما تمنيت في أحلام يقظتي أن أخنق مالكها وأحل محله! وفي مدخل المكتبة، هناك مقهى صغير يعبق برائحة القهوة والقرفة، كنت أجلس فيه أحيانًا، لأحتسي كوبًا من الشوكولاتة الساخنة، أو الحليب الممزوج بالزنجبيل.

في تلك المكتبة، كان هناك موظف لعين يفسد رونقها، إذ يبدو على ملامحه بوضوح شديد أنه من أحفاد قوم لوط، فهو أقرب إلى المرأة في تخنثه ومظهره وتمثيله للرقة. وكم أتذكر الممثل العاطفي الذي سطى على مصر إذا ما حضرت صورته في ذاكرتي!

ولأنني شاب ووسيم، إذ كثيرا ما يعجز الناس عن التمييز بيني وبين حسين فهمي في شبابه. نعم شاب ووسيم، رغم أنف الحاقدين، ورغم الكاميرات والصور اللعينة التي تظهرني شخصًا آخر يشبه الدبدوب، ورغم شهادة ميلادي الشريرة التي تورد رقمًا مرعبًا لسني!

أقول وأكرر: لأنني شاب ووسيم؛ فمن المتوقع طبعًا أن تهفوا إليّ أنظار الحسان وقلوبهن. مع أنني أستغرب تمامًا لماذا لا تنظر إلى خلقتي إلا العجائز الخارجات من القبر بكفالة، أو النسوة الكئيبات اللاتي تشبه واحدتهن ماري منيب أو إنعام سالوسة!

وبالرغم من جمالي المقطوع الوصف، إلا أنني لم أتوقع يومًا إذا شئتم الحق أن ألفت نظر شاب شاذ ولكن هذا ما حدث، إذ يبدو أن موظف المكتبة الوضيع لم يستطع أن يقاوم سحري الفتان، فأخذ ينصب شباكه حولي في محاولة لإغوائي وسلبي أغلى ما أملك، بعد أن يسقيني “مية أصفرة”!

فكلما كان يلمحني في المكتبة، كان يقبل مهرولًا نحوي، على اعتبار أنه يود خدمتي، كما على موظفي المكتبة أن يفعلوا مع الزبائن. ومع أن في المكتبة موظفات صبوحات تبعث رؤيتهن على الانشراح والانشكاح، إلا أن حظي العاثر ودعوات حاسديّ عليّ لم تقد إليّ إلا ذلك الخليع المنحرف!

للحق وللتاريخ، لم يكن يصدر عن ذلك الشاب ما يتعارض مع الذوق واللباقة، فقد كان يتحدث دائمًا، ولنتذكر توجهاته الأنثوية، بمنتهى الوداعة واللطف، متسائلًا فيما إذا كنت أحتاج إلى مساعدته لإيجاد كتاب ما. دون أن ينسى الخبيث مباغتتي أحيانا والتنويه إلى إعجابه بشيء يتعلق بي، مثل وشاحي أو حقيبتي الجلدية أو العطر الذي أضعه.

ومع أنه لم يتجرأ على فعل أي شيء مشين، إلا أنني لا أخفيكم أنني كنت أرتبك وأتوتر بعض الشيء كلما رأيته أمامي، لأجدني أعامله بطريقة فظة وجافة كي ينقشع ويقلب وجهه. فمجرد وجود كائن مثله حول المرء كفيل بأن يشعره بالقرف والاشمئزاز والغضب. لكن المؤسف أنني لم أكن أستطيع، بالرغم من حملي للحزام البمبي في التايكوندو، أن أشبعه لطمًا وركلًا، وأن أقطّع شبشبي فوق رأسه، كما كنت أتمنى.

فقد كنت في كندا، وإذا ما تورطت ولو بصفعه، فإن القوم هناك كانوا سيقومون على الأقل بتعليق مشنقتي في ميدان عام، بتهم الإرهاب والهمجية والتمييز والعنصرية والإساءة إلى قيم الحرية التي يزعمون أنهم يقدسونها. أو ربما كانوا سيقدمون على ما هو أسوأ من شنقي، وهو طردي من البلد وإجباري على العودة إلى الزرائب العربية، المحسوبة على العالم زورًا وبهتانًا بأنها دول.

أما أنت عزيزي القارئ، فإذا كنت ممن ابتلاهم الله بالبقاء في ديار العرب، فخذ راحتك على الآخر ولا تقصّر بتاتًا إذا ما وجدت نفسك في موقف مثل الموقف الذي وجدت نفسي فيه. وانتقم لي ولك واشف غليلي وغليلك. أي اخلع نعليك وانزل بهما على رأس أي منحرف ميال للتحرش، حتى تجعله يفقد الرغبة ليس فقط في ممارسة الرذيلة، بل وفي الخروج من بيته أيضًا!

عندما كنت أرى وجه ذلك البغيض، كنت أحمد الله ألف مرة على أن خلقني رجلًا. فقد كنت حينها أفكر كم هي مسكينة المرأة وكم تعاني، عندما تجد نفسها معظم الوقت عرضة لذلك الإحساس الفظيع البشع بأنها مطارَدة، وبأن أحدهم ينظر إليها كما لو كانت فريسة يرغب في اصطيادها.

كنت أفكر، لو كنت قد خُلقت امرأة، فماذا كنت لأفعل كي أتجنب عيون المتحرشين وكلماتهم وسفالاتهم، وبخاصة إذا ما كنت أعيش في بلد عربي، لا قانون ولا أخلاق ولا دين عند كثير من أهله، كما هي الحال في كل بلاد العرب اليوم!

هداني تفكيري بعد جهد جهيد إلى بعض النصائح، التي قد تسهم في مكافحة الآفات المتمثلة في أصحاب العيون الجريئة التي تحتاج إلى مخرز والأيدي القميئة التي تحتاج إلى جز:

أول تلك النصائح: توجهي عزيزتي فورًا إلى أقرب مركز لتعلم فنون القتال وحرب الشوارع لتلقي دورات مكثفة لا هوادة فيها. ولكن احذري أن يكون المدرب رجلًا، فالعنتيل مدرب الكاراتيه الشهير الذي ضبط قبل أشهر ملتبسًا بإغواء العشرات من النسوة، شخصية متناسخة على ما يبدو. فإذا ما التحقت بمركز يديره الرجال كوسيلة لمقاومة تحرش الرجال، فإنك ستكونين في أغلب الحالات كمن يهرب من الدلف إلى تحت المزراب!

وإذا استطعت، فإن من الأفضل أن تسافري فورًا إلى الصين، حتى تتدربي عند رهبان الشاولين الصلعان الذين يعيشون منذ أيام سيدنا نوح، فتصبحي مثل بروسلي أو جاكي شان أو جيت لي. وحاولي بالمرة أن تجدي ساسوكي، وأن تتمرني على يديه على فنون النينجا والكوجا والأُن بزرُن!

تلك الفنون القتالية ضرورية جدًا فيما أزعم، لكي تدافعي عن نفسك، ولكي تتسببي بشلل أطفال أو خلع ورك في أضعف الإيمان لمن يحاول معاكستك. وقد تكون نافعة لك أيضًا للتعاطي مع بعلك ذات يوم، إذا ما قلل أدبه أو مد يده عليك واقتضت الضرورة ردًّا مفحمًا منك يتجاوز الكلام، وكثيرًا ما تقتضي!

النصيحة الثانية هي أن تضعي حصوة ملح في عينيك إذا كنت من المغرمات باللبس على هواك، فترتدي ما استطعت من الثياب التي تسترك بشكل كامل، وتجعل منك كالمدرّعة. فالرجل ينظر إلى المرأة التي تكشف عن فتنتها كما لو كانت طبقًا شهيًا يفتح النفس على الطعام، ولا تصدقي أي أفاق كذاب يدعي البراءة ويقول لك غير ذلك. فعندما يرى الرجل جزءًا مثيرًا من جسدك، وكل أجزاء جسدك قد تكون مثيرة له لو تعلمين، فإن شوشو الرجيم يُسيل لعابه ويجعله يتمنى افتراسك. لذلك غطي نفسك تمامًا، ولا تكوني حمقاء وتأخذك العزة بالإثم، فالمال السائب يعلم الناس السرقة!

ثالث النصائح، وإلى أن تتمكني من فنون القتال، الأهم بكثير من دروس التنمية البشرية البائسة التي تضيعين وقتك فيها، أو دروس اللغات التي لن تنفعك البرطمة بها عندما تقع الفأس بالرأس وتتعرضين للتحرش، وربما الاختطاف والاغتصاب، ضعي في حقيبتك عندما تخرجين من البيت ما تيسر من عدة المقاومة. من قبيل سكين صغير، أو بلطة إن أمكن، وبعض الشفرات، وزجاجة من ماء النار، وقطرات من السم الزعاف، وعلبة كبريت وقداحة، ووصيتك. وإذا استطعت ضعي “طبنجة” صغيرة وقنبلة يدوية. فلا تدرين أبدًا ما الذي يمكن أن تواجهيه في شوارع مدن اليوم التي تعج بالكلاب الضالة، وقد تضطرك المفاجآت إلى أن تقولي: عليّ وعلى أعدائي يا رب!

كنصيحة رابعة، لا تخرجي من بيتك إلا للضرورة. فكما أن من كثر لغطه كثر غلطه، فإن من كثر دورانها وتقافزها من شارع لشارع، كثرت إمكانات تعرضها للتحرش. فالذكور يأخذون انطباعًا سلبيًا يعزز من قناعاتهم المريضة عمن يرونها تقضي معظم وقتها خارج البيت، حتى وإن كانت في الجامع، ويرون فيها هدفًا يظنونه أسهل للاصطياد! لذلك احتمي ببيتك قدر المستطاع، إلى أن يشاء الله وتحدث معجزة ما، لا أظنها ستحدث، فينقرض المتحرشون من بلدك، أو يأخذك الله فيريحك!

درّبي صوتك على الصراخ والزعيق بحيث يصل إلى أبعد نقطة ممكنة، كما لو كنت ستشاركين في ستار أكاديمي، وهذه هي النصيحة الخامسة. وإذا ما حدست أن أحدهم يخطط من حركاته أو نظراته للتمادي في التحرش بك، فلا تترددي في أن ترقعي بالصوت! لا تقولي شيئًا، فقط اصرخي كالمجنونة وأنت تشيرين إليه بنظرات فزعة وكأنك تعجزين عن الكلام، لإعطاء انطباع بأنه قام بفعلة منكرة شنيعة عقدت لسانك، وهذا يتطلب بعض التمثيل كما في أفلام الرعب. الأرجح أنه سيصاب بحالة من الهلع ويفر هاربًا بجلده، هذا إن لم يتطوع بعض الأكارم من أصحاب الحمية والنخوة، على ندرتهم الشديدة في زماننا، ويقوموا بعمل الواجب معه!

أخيرًا، إذا ما بلغ بك اليأس كل مبلغ، ولم تفلح كل الوسائل السالف ذكرها في وقايتك من التحرش، فليس أمامك إلا أن تقومي بعملية تغيير للجنس. ولكن لا تنسي أن تطلبي من الأطباء أن يجعلوا نسختك الذكرية شبيهة بعبد الفتاح القصري أو عبد الفتاح السيسي، فهذا قد يحميك تمامًا من التحرش!

وإذا لم يُجد ذلك، وبقيت هدفًا للمتحرشين المثابرين الذين لا يهمهم شكل الضحية أو جنسها، حتى وإن كانت شبه القرد، لأنهم يعملون وفق قاعدة: الطايح رايح، وعصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة، فقومي بعملية انتحارية، وفجري نفسك بأكبر عدد ممكن الرجال الذين تشتبهين بوجود ميول تحرشية لديهم، ولك الجنة على ما أظن. فالله أرحم وأعدل وأكرم من أن يجمعك بالمتحرشين الأوغاد في الدنيا والآخرة، حتى وإن ارتكبت خطيئة قتل نفسك هربًا من قرفهم!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

التحرش
عرض التعليقات
تحميل المزيد