(1)
(طبق كشري بلبيس)
كنت على أعتاب إتمام 24 ساعة كاملة بدون نوم, أنتظر بشغف وحماس الساعات القليلة المتبقية على العوده للمدرج, بدأ الكرنفال الاحتفالي منذ وصولنا لتجمع السكشن ((ميدان الشقلبة بالزقازيق)), صوت الغناء وكل مظاهر الاحتفال حينها كان يمتلك حيزًا من الغرابة التي لم أعهدها من قبل .
المشهد كان أقرب لمساجين حُكم عليهم بالمؤبد وفي لحظة ما أطلقوا سراحهم فوجدوا أنفسهم يحتفلون معًا, بنفس الحماس والبهجة, بل وتردد ألسنتهم نفس الأحرف بنفس الترتيب مكونة كلمات الضجيج المحبوب لديهم .
اتجهنا في طريقنا نحو إستاد الدفاع الجوي مبكرًا جدًا على عكس ما عهدناه من تأخير في المرات السابقة, ولكن لشيء ما تحركت غريزة الجوع داخل الجميع فجأة، وقررنا التوقف أمام أحد محلات الكشري ببلبيس ولكن في تلك اللحظات
لم نكن ندرك بأن هذه الدقائق القليلة في تناول ذاك الطعام البسيط أنقذت أجسادنا من تلك المجزرة ولكن حينما وصلنا ورأينا ما حدث..
قد تغير كل شيء للأبد؛ انقسمت أروحنا تحت سماء إستاد الدفاع الجوي.
وجذبت أرواح الشهداء معها ذلك الجزء الشاب النقي المبهج من أرواحنا، وتركت لنا الشق الآخر الذي يناقضه والذي لم ندركه بداخلنا من قبل .
في الثامن من فبراير الماضي تزينت سماء القاهرة بأرواح 20 شهيدًا ذهبوا لمشاهدة مباراة كرة قدم، صعدت الأرواح لخالقها لتخبره بما هو عليم به.
ولكن ستظلون أنتم الجاهلون .
(2)
(للكورة حياتي)
حتى هذه اللحظة أحاول جديًا حل ذلك اللغز اللغوي المعقد الذي تحتويه تلك الجملة البسيطة جدا, ما اللغز الذي يجعل أفراد الأمن المركزي ومن يعلونهم رتبًا وصولًا إليك أيها الرئيس أنت ومن يحيطون بك وإعلامك وقطاع الشعب العريض المؤمن بك عاجزين عن فهمها؟!
هذه الجملة البسيطة التي تجسد معنى الأولتراس .
مجموعة من الشباب الحالم صغير السن الشغوف بكرة القدم لدرجة الجنون, لا يريد منكم وسط تلك المشاكل والاضطرابات سوى أن تتركوه يغني, فما الذي أصابكم من غنائه دفعكم لمعاداته وقتله؟!
ستخبركم بالإجابة الفقرة المقبلة .
(3)
لبلادي أموت
أما إذا انتقلنا إلى الشق الثاني من الكوبيله وهو لبلادي أموت .
فوجب التنبيه هنا بأنك الآن لست أمام فرد الأولتراس الحالم المغني، إنما أنت الآن أمام أحد أبناء ذلك الجيل الثائر, الذي كتب بدمائه ملامح أعظم الثورات المصرية في التاريخ الحديث، وقد خطف الموت الكثير من أبنائه في مختلف الميادين المصرية .
فمن العجيب أن يتم اتهام الأولتراس بأنهم قد أقحموا أنفسهم بالسياسة وذلك لمشاركتهم في الثورة! وكـأن مشاركة شاب في العشرينات من عمره في ثورة شعبية تدعو للحرية عمل سياسي مغرض!
(4)
وساد قانون البتاع
في الآونة الأخيرة, قد تبدو الأشياء غامضة كثيرًا من الوقت, ويبقى الاختلاف السائد كامنًا في تفسير ذلك الغموض، فلكل نظريته وتصوره الخاص الذي يحول ذلك الغموض إلى شيء واضح .
ولكن من المضحك جدًا, أن يكون الشيء واضحًا أمامك وضوح الشمس, وتسعى أنت لتفسيره تفسيرًا غامضًا, لقد أصبحنا بالفعل وسط شلالات غزيرة الاندفاع من نظريات المؤامرة التي تسيطر على عقولنا.
ترى الآن من يقسم لك بأن المتظاهرين هم من قتلوا أنفسهم.
وعلى الشاطئ الآخر ترى أيضا من يجزم بأن مجندي الجيش هم من يقتلون أنفسهم.
فلا عجب هنا, حينما تعلم يا عزيزي بأن أفراد الأولتراس اليوم هم من يُحاكمون على قتل إخوتهم.
ولكي لا نسترسل كثيرا, لذلك دعنا الآن نتذكر أحد
أبيات عم نجم
وساد قانون البتاع
ولا علة ولا معلول
فالقاضي تبع البتاع
فالحق ع المقتول .
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست