يجري الحديث مؤخرًا على أن إسرائيل تسير بخطوات متسارعة نحو الإعلان عن ضم الضفة الغربية، وتستخدم ذلك بصفته جزءًا من سياسة الوعيد والضغط على السلطة الفلسطينية! لكن قد يتساءل البعض ما هو مغزى هذا الضغط؟ ماذا تريد الحكومة الإسرائيلية من وراء هذا الحديث؟ وهي التي على مدار 25 عامًا، وهي تتبع سياسة فرض الوقائع على الأرض، من خلال إقامة البؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، ومصادرة أراض أخرى، وإخفاء ومسح ممنهج لكل المعالم العربية والإسلامية التي خلفها التاريخ الحديث في المدن الفلسطينية للضفة الغربية، والسؤال الأهم: ماذا يعني ضم الضفة الغربية؟ وما هو مستقبل الفلسطينيين وقضيتهم في حال حدث ذلك؟
الواقع أن إسرائيل وبحكم موازين القوى، كان بإمكانها قبل 10 سنوات من الآن إعلان ضم الضفة الغربية، لكن عوامل عديدة أجلت هذا الإعلان وهي:
- أولًا: جانب يتعلق بالمناخ الدولي؛ إسرائيل لا تريد أن تسير عكس التيار الدولي المنادي بحل الدولتين لشعبين، والسبب أنها لا تريد أن تخسر أي علاقات مع الدول، خاصة العربية منها، فهي معنية بإقامة علاقات فوق الجيدة مع دول المحيط العربي، وهو ما سارت فيه بوتيرة مكثفة في السنوات الخمس الأخيرة، فمن حسن حظ إسرائيل، وسوء حظ القضية الفلسطينية، أن النظام العربي شهد تقلبات وانقلابات منذ بدء تيار الربيع العربي اجتاح الدول العربية تباعًا، وما أتبعه من تغيير في السياسات والتوجهات والمصالح العربية.
- ثانيًا: فيما يتعلق بالإدارات الأمريكية قبل إدارة الرئيس الحالي «ترامب»، فكلها أجمعت ووجهت جهودها ومساعيها نحو حل الدولتين، وفقط حل الدولتين، وإن كان هنالك اختلاف حول تصور هذا الحل من قبل جميع الأطراف؛ بالتالي ستكون إسرائيل على أقل تقدير في موقف محرج مع الإدارات الأمريكية السابقة، في حال أعلنت ضم الضفة الغربية، وضربة لواشنطن قد لا تستطيع إسرائيل احتمال تبعاتها إن أقدمت على ذلك، خاصةً في عهد الرئيس السابق «أوباما»، حيث لم تكن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب في أفضل حالاتها، أو بمعنى آخر، ليس كما تريد أو تعودت عليه إسرائيل.
- ثالثًا: جانب يتعلق بالسياسة الداخلية في إسرائيل، وتشكيل التحالفات الحكومية، مؤخرًا وتحديدًا في فترات حكم «نتنياهو» المستمرة إلى الآن، أصبحت الأرضية المشتركة لإقامة التحالف الحكومي بين الأحزاب هي الوعودات بالسماح بإقامة مستوطنات جديدة على أراضي الضفة الغربية، والمزيد من السيطرة على الأرض، والتطرف تجاه العرب والفلسطينيين، والتأكيد على يهودية وتهويد الدولة، وهو ما لم يكن موجودًا بنفس الوتيرة أو الصيغة سابقًا، حتى أنه باتت تعرف حكومات إسرائيل مؤخرًا بحكومة المستوطنين.
- رابعًا: لم تكن الظروف في الضفة الغربية مهيأة لهذا الإعلان، فبالنظر لعدد المستوطنين والمستوطنات منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى الآن، نلاحظ أنه قد تضاعف أربع مرات، جلها في السنوات العشر الأخيرة، وفقًا للعديد من التقارير والإحصائيات ذات العلاقة؛ بالتالي أصبح الآن هناك دافع جيوسياسي وديمغرافي لدى الإسرائيليين بضم الضفة الغربية، بالإضافة إلى الدافع الاحتلالي، والاحتلال التوسعي.
ماذا يعني ضم الضفة الغربية؟
وفقًا للمعنى السياسي والقانوني؛ فذلك يعني أن المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من أراضي دولة إسرائيل، وبالتالي سريان القوانين الإسرائيلية عليها، وذلك يعني ضم 43% من إجمالي مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل، أما فيما يخص الأراضي الفلسطينية المتبقية من الضفة، فهناك سيناريوهان في الرواية والمخيلة الإسرائيلية.
- الأول: ضم كامل أراضي الضفة الغربية، واعتبار المواطنين العرب مواطنين من الدرجة الثانية؛ أي لا يتمتعون بكامل الحقوق المدنية والسياسية في إسرائيل، وحل السلطة الفلسطينية.
- الثاني: منح الفلسطينيين فيما تبقى من أراضي الضفة الغربية حكم مدني ذاتي، إما بالإبقاء على السلطة الفلسطينية هناك كما هي، أو بوضع تلك الأراضي تحت وصاية أو حكم المملكة الأردنية.
لماذا تهدد إسرائيل السلطة الفلسطينية بضم الضفة الغربية ما دام بإمكانها فعل ذلك؟
في حقيقة الأمر إن إسرائيل تريد أن يخرج هذا الأمر بصورة اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل؛ لتجنب أي ردة فعل محتملة، سواء من الفلسطينيين، أو تدهور علاقاتها بالدول الأوروبية والعربية، بالتالي تحاول جاهدة وبكافة السبل، سواء بالإغراء أو المضايقة على السلطة الفلسطينية للقبول بما يعرف بـ«صفقة العصر»، فإسرائيل تعلم تمامًا محتويات صفقة العصر، وضم الضفة الغربية جزء أساسي منها.
لماذا الآن؟ وأين قطاع غزة؟
الواقع أن القضية الفلسطينية تمر بحالة من التعقيد والغموص الشديد، فسياسة الرئيس الأمريكي «ترامب» قدمت لإسرائيل دفعة قوية تجاه ضم الضفة الغربية، بعدما أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، ومؤخرًا توقيعه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ناهيك عن الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي اعتبره نواة ووقودًا لصفقة العصر وضم الضفة الغربية، وبما أن الصفقة لم تعلن بشكل رسمي، إلا أن الوقائع على الأرض هي ما تعطي الدلائل والمؤشرات حول مستقبل القضية الفلسطينية.
أما فيما يخص قطاع غزة، فالتنبؤات كثيرة، خاصة فيما يتعلق بعودة القطاع تحت الإدارة المصرية بأي شكل من الأشكال، لكن الأقرب إلى الواقع هو خلق صيغة توافق بين حماس، وإسرائيل، ومصر حول قطاع غزة، من خلال السماح باستمرار حكم حركة حماس بنوع من الحرية للقطاع، ومقابل شروط معينة، تضمن فيها إسرائيل أمنها بشكل كامل ونهائي، ومصر تضمن فيها أمنها على الحدود مع قطاع غزة وسيناء.
خلاصة القول؛ في كل الأحوال لن يكون الوضع مريحًا، سواء للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أو لحركة حماس في قطاع غزة، التي من الممكن أن تقدم تنازلات مؤلمة أمام جمهورها في الداخل والخارج في حال قبولها ذلك، ومؤلمة أكثر في حال رفضها، وإن كان لصوت العقل مكان، فالأولى للسلطة الفلسطينية وحركة حماس مواجهة صفقة العصر بشكل موحد، لا لهزيمة أو إفشال الصفقة، بل لتحقيق مكاسب أكبر على الأرض والمستقبل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست