أتضرع إليك يا مولاي وخالقي أن تمنحني فرصة ثانية لأبدأ هذه الحياة من جديد، امنحني الفرصة ليتلاشى ذلك الجرح بداخلي ويلتئم، أنعم علي بحياة جديدة أبدؤها من جديد لأتفادى فيها كل الأثقال التي تجرني للأسفل، أعدك أن أحسن العمل، لن أصادق أصدقاء السوء، لن أحبها أو تحبني وتهجرني وأهجرها، لن أرتكب الفواحش، لن أسب الحياة وألعن الدهر كلما مسني سوء، لن أغضب أمي قبل النوم، سأتعلق بك يا ربي وليس بأحد سواك، أعدك أن لن أكسر قلوب عبيدك وأن أنصر الحق وألا أرد السائل، أعطني فرصة أخرى يا مولاي لأحسن صنعًا وجل ما أريد فرصة صغيرة بحياة جديدة.
(مرارة بالحلق وانكسار بالنفس وألم لا تدرك موضعه لكن تشعر به، فوضى تجتاحك وتشتعل تحت جلدك، تذوق طعم الفشل).
كلنا فشلنا، لا أستثني أحدًا، فلا نجاح إلا بفشل، ولا نهوض إلا بسقوط، كلنا جربنا مرارته وعرفنا كيف يكون، فما أن يفشل مشروعك أو تفشل علاقتك بمن تحب أو حتى أن تفشل دراسيًا حتى تتذوق الفشل في طعمه الأبشع المشوب بالعجز والضعف وكره الذات، كل أخطائك في الحياة تتجلى أمامك، كافة سيئاتك تقتص منك عند فشلك، أخطاؤك المعتادة غير المبررة تتكالب عليك كأسباب وهمية عند الفشل، وبعد الصدمة تلملم ذاتك وتجمع شتات نفسك وتحاول العودة، تبذل عدة محاولات منك في علاج الجرح وفترة في التعافي والعودة كما كنت أو أقوى، في البداية تستهلك الوقت في محاولات هاوية في تحديد الأسباب التي أدت بك إلى تلك الهاوية، البعض منا يستغرق الوقت ويغرق فيه ويفقد زمام نفسه ويضيع في كبوة فشله الأول ويحكم على نفسه بالموت المؤقت مع إيقاف التنفيذ ليحيا بلا هدف ولا أدنى طعم للحياة، والبعض الآخر ينجح حتى بعد المحاولة الألف، وهم قلة يحاربون ويحاربون وينهضون من جديد، يتحملون مرارة الفشل بصدر رحب ولا يخافون المحاولة ويلقون بأنفسهم في الحياة، يصارعونها حتى ينهضوا من جديد، بإشراقة قوية ونجاح لا يقبل الفشل من جديد.
وبعيدًا عن القلة التي لا تفقد الأمل وتعود دائمًا هناك نحن السواد الأعظم الذين يرفضون العودة، يخافون منها، فأن تغامر بالعودة فاحتمالات فشلك أكبر من احتمالات نجاحك، وتأقلمك على وضعك الحالي الخالي من المغامرة والخالي من الحياة أيضًا، جعلك تدمن الراحة والسكون، وضعك الهادئ هذا الذي يشبه وضع الباندا فأنت لا تحفل بشيء ولا تلقي بالًا لشيء، تأكل وتشرب وتزاحم الحائط في مكانه على جانب الحياة، تتهرب من كافة الالتزامات، تضع نفسك في قالب السكون وترفض كل القوالب والأشكال التي تخالف قالبك، ترفض الانصياع والتأقلم حتى لا تغامر بخسارة أخرى وفشل آخر يدمي قلبك ويصيبك بانتكاسة، ما لبثت أن تعافيت من سابقتها.
وعلى الجانب الآخر من راحتك في وضعك الآمن، وعدم رغبتك في الخروج من «comfort zone» الخاصة بك، إلا أن روحك لم تخلق لهذا، تختنق، تغرق، تصارع الحياة والأحداث وتحاول أن ترفع رأسك فوق حد الحياة لتتنفس، أشعة الشمس تغريك وتستفزك بالخروج على السطح فتستمر في المحاولة والآن أمامك خياران؛ إما تستمر في موتك الاختياري، أو تعود من جديد وتنهض وتكون من القلة المنتصرة. لكن العودة لها شروط عزيزي، أهمها الصبر واستمرار السعي، فإذا وقع اختيارك على العودة، فتجلد واصبر واستعد لها حق استعداد واطلب من الله أن يهبك الفرصة الثانية في هذه الحياة ولا تطلب منه الموت لتبدأ من جديد، فلا توقف حياتك على فشلك الأول، فاللهم عودة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست