لا شك أن من أهم نتائج الثورة الإيرانية هي إنهاء حالة التبعية للغرب «لأمريكا وإسرائيل» والتي كان يقودها شاه إيران، وأصبحت إيران ممتلكة لقراراتها السياسية واستطاعت الثورة تغيير بنية الدولة وسياساتها الخارجية وبدأت في توضيح معالم هذه السياسة الخارجية كما ذكرها الدكتور عزمي بشارة والمتمثلة في:
«أولاً: المصلحة القومية الإيرانية وتعزيز قوة إيران وتأثيرها الإقليمي عن طريق استثمار الموقع الاستراتيجي لإيران والاقتصاد كأدوات في الحفاظ على مصالحها.
ثانيًا: السيطرة والتأثير في المعابر المائية في الخليج.
ثالثًا: تقود الشيعية السياسية كإيديولوجيا دولة وكأداة في الحالتين إلى أنواع من العلاقات مع الطوائف الشيعية المحيطة بإيران، وتشمل هذه العلاقات توقعًا إيرانيًا لعلاقة خاصة منها تجاه إيران وهي تستثمر أيضًا في الروابط الطائفية والإثنية في الجوار، أو حيثما وجدت ما يتلاءم مع مصالحها، كما استثمرت وما تزال في الإسلام بشكل عام حين تسنح الفرصة.
رابعًا: العداء للسياسة الأمريكية، والذي كان يستند إلى موقف مجاهد ضد سياسات الولايات المتحدة «كقوة استكبار عالمية» وصار يستند مؤخرًا إلى رغبة إيرانية في أن تحترم سيادتها ونظامها وفي أن يحترم قرارها السياسي وموقعها الإقليمي».
أيضًا ما أعلنته إيران من الوقوف أمام إسرائيل ومساندة المقاومة الفلسطينية – سواء أكان ذلك نابعًا من إيديولوجية الثورة أم نتيجة رد فعل لسياسات الشاة الموالية لأمريكا وإسرائيل– ليس ذلك هو المهم لكن الأهم أن إيران التقطت أفكارها مع أفكار الشعوب العربية والتي كانت في أعقاب حرب 73 إلى أن حدث الاتفاق المصري الإسرائيلي «كامب ديفيد» والذي على أثرة تفرقت الحكومات العربية ما بين مؤيد ومعارض، وبلغ حدة الخلاف ذروته حين تم قطع العلاقات ما بين بعض بلدان العرب والذي كان لإسرائيل دور كبير في تأجيج ذلك الخلاف ما كان من توابعه ذلك الفراغ الاستراتيجي في المنطقة العربية، والذي أعطى لإيران نوعًا من بسط النفوذ في المنطقة العربية عملت من خلاله على ترسيخ دعائم دولة ما بعد الثورة ومحاولة استعادة أمجاد الأجداد في بناء إمبراطورية فارس مرة أخرى.
ما جعل المنطقة العربية ساحة صراع بين مشروعين كبيرين «الأمريكي – الإيراني» في ظل عداء ما بين الحكومات العربية والتبعية الكاملة للغرب والانخراط في حروب كثيرة «حرب الخليج – الحرب العراقية الإيرانية – الصراعات الطائفية».
والمشكلة الحقيقية ليس فيما يمثله المشروع الإيراني من خطر على الدول العربية، ولكن فيما يفتقده العرب من وجود مشروع واحد وهوية واحدة واضحة يستطيعون من خلاله مواجهة ذلك الخطر الإيراني، والأهم من ذلك التخلص من التبعية للغرب، ولعل ما أوجدته ثورات الربيع العربي من بوادر هذا المشروع الواحد ومعالمه والتجمع حوله وإيجاد الهوية المشتركة عملت الحكومات العربية التي تتظاهر بالخطر الإيراني في دحض فكرة الثورة، بل إن بعض البلدان العربية كانت حاملة للواء الثورة المضادة ومحاربة ثورات الربيع العربي بكل قوة بحجة عدم تصدير الثورة، والحقيقة في دفاعهم المستميت عن كراسيهم وأحيلكم هنا إلى ما قاله الدكتور المنصف المرزوقي عن التدخل الإماراتي في بلدان الربيع العربي:
إن الحقيقة الواضحة الآن أنه على الشعوب العربية أن تدرك أن أولى خطواتها في مواجهة المد الإيراني هو التخلص من كل من تآمر على بوادر ذلك المشروع الجامع للعرب، والذي تمثل في ثورات الربيع العربي، وأنه بات من الواجب أن يعلموا أن الثورة على هذه الأنظمة هو صمام الأمان والدفع الحقيقي نحو استقلالية تامة ومواجهة المشاريع الكبرى التي تعبث الآن بالمنطقة العربية.
إن نموذج الثورة الإيرانية رغم اختلافنا مع سياسته إلا أنه ملهم لنا في أن نيل الاستقلال وإيجاد مشروع للأمة العربية هو إقامة نموذج لدولة قادرة على حمل لواء هذا المشروع، وأن أول خطوة لإقامة هذه الدولة هو نجاح ثورات الربيع العربي في دحض هذه الانظمة التي تعد العائق الأول في «معركة العرب مع إيران» إذ أن المعركة ليست كما يحاول بعضهم تصويرها في صورة سطحية، بل إنها أعمق من ذلك وتحمل في جعبتها ما هو ضارب بجذورة في عمق التاريخ وتشابكات العلاقات الدولية.
وللحديث بقية..
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست