فلسطين هي معركة كل عربي، فقد نشأ على أنها أرضه وأرض أجداده، وأين تقع ثالث الحرمين، كان يحلم بزيارة نابلس والقدس وقضاء إجازة في حيفا، وغنَّت لذلك فيروز، نشأ العربي على فكرة الهزيمة بأن فلسطين مثل يوسف والحكام العرب إخوته. لم يكن يعلم أنه لم يكن أكثر عروبة وإسلامًا من الآخرين، تلك النقاشات الشعبوية المبنية على فرضيات لا تتوافق مع مراجعة المخاطر في الهيئة الائتمانية التي تبنى عليها خيارات المستثمرين، ولا تتوافق مع المعلومات الاستثمارية العامة من البورصة جعلت منه لعبة بيد بيادق إقليمية مثل إيران، تركيا وفرنسا.
كانت رغبة العرب في الديمقراطية وعدًا بفجر جديد، ولكنها أصبحت ليلًا دام سنوات، فدول مثل تونس والجزائر كان الانتقال السِّلمي للسلطة دافعًا لرغبة المواطنين في بعد إقليمي بنزعة عربية رغم الصراعات الإيديولوجية الداخلية. أما دول مثل ليبيا، سوريا واليمن فقد أنهكتها الصراعات الداخلية مع كون العربي ضحية بيادق إقليمية. حيث بمحاكات كارل ماركس وفكره المثالي، الذي يفرض أنَّ الثورة الصناعية حتمية بشرية ووجب الآن تقاسم الثروة بين الجميع، افترض العربي أنَّ القومية الإسلامية هي واجب إنساني مستدلًا من مثالية الإسلام، متجاهلًا الطبيعة البشرية المليئة بالمنافسة والإبداع.
لطالما كانت وسائل الإعلام لعبة العصر، حيث أُرسلت لغسل أذهان الجمهور وفقًا لتوجهات الدول المالكة، وكانت لكل دولة حصادها من التوجيهات ليسطِّر لهم دربًا لا يتوافق مع الواقعية، كذلك كان لوسائل التواصل دور كبير في الظن أنَّ الغرب مرجعية إنسانية وابتليَ العربي بمؤثرين على تلك المواقع، يظنون أن الله لم يهدِ سواهم، لم يفهم العربي أن الإنسان يتغنى بأشياء لا يطبقها، فراح ضحية حكايات تجول في درب المؤامرة الإنسانية. لبنان والعراق البلدان اللذان اختارا أسهل الحلول يومًا بطائفية، فأضحتا اليوم دولًا في وسط دولة تعاني المرجعية الخارجية. أما ليبيا، اليمن وسوريا فهم ضحية سذاجة بعض أهلها، ظنوا أن الأجنبي سوف يحميهم من إخوانهم المفسدين.
المثالية وثقافة الانتقاص من النفس جعلت من العربي باحثًا غير مدرك فظاعة ما اقترف، جعلت منه سامعًا غير منصت لما قد أتى به قومه وأهله، فقد ضلَّلت بيادق إعلامية الشباب العربي ووعدته إذ قطع دابر القديم بجنات تجري من تحتها الأنهار، صفقت لأفعال همجية كرست التفرقة بين أفراد الشعب الواحد، حرضت على نزع الفساد من عروقه فظن العربي أنه من السهل التخلص من جميع إطاراته الفاسدين، لم يعِ أنه كان جزءًا من الفساد بسكوته، وعليه أن يحاسب المفسدين لا الفاسدين فهو أحدهم. كان للإعلام العربي والنخبة العربية دور كبير في هذه النكبة التي لم تشرح للعربي أن النصر الحقيقي لا يأتي من ضربة واحدة، بل راحت تحيك له المثالية وتدفعه للارتماء في حضن الملاك التركي، المرجع الإيراني، أو الغرب الإنساني.
اليوم بعد سنين نرى دول تنتهج التطبيع مع إسرائيل من أجل أهداف استراتيجية، فهل ما زلت أيها العربي تريد أن ترى النصر المثالي بضربة واحدة؟ أم تريد أن تسرق أنصاص النصر، حيث تقيم الدولة الفلسطينية على حدود 1967؟ هل تريد أن تنتهج نهج الملاك الذي يطبع ويصف من يطبع بالخائن؟ أم تريد أن تنتهج نهج المرجع الذي لديه خيارات طائفية؟ هل تريد أن تنتظر من الغرب الإنساني الذي كان مسؤولًا عن دمار كل ما وقف عكس مصالحه أن يدافع عنك؟ أوَ تظن أنه يكترث لك! أو هل تظن أن القنوات الإعلامية التي يقودها نرجسيون لا يحسون بآلام الآخرين ستقودك لنصرك؟ وآخرون ما يهمهم فقط هو موقفهم الارتجالي من فوق أريكة مريحة. أيها العربي تعلم أن تربح أنصاف الفوز فحتى صلاح الدين وقَّع تتفاقية ترسيم الحدود مع بولدوين، فهل خان القضيه؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست