بين «ما هو فيروس كورونا، وما أعراضه، وكيف يمكنني حماية نفسي من الإصابة به؟» إلى خبر «كورونا يتجاوز 1.5 مليون مصاب وتحذيرات من إفقار نصف مليار شخص إضافي حول العالم»، إلى طريقة عمل كفتة كورونا باللحمة المفرومة، ودا إحنا نجيب كورونا للكورونا»، مرورًا بالرأي القائل: «كورونا، عقاب من الله للصين، بل ومن علامات يوم القيامة»، إلى تبادل الاتهامات بين دولتي أمريكا والصين حول منشأ الفيروس، وليس انتهاءً بالتوصل إلى دليل كورونا لتمييز الإشاعات الزائفة عن الحقائق، جملٌ متفرقة، وعباراتٌ متعددة، وفيروس كورونا هو العامل المشترك فيما بينهم.
هكذا تناولت وسائل الإعلام العربية ما يتعلق بما أعلنته منظمة الصحة العالمية وباءً عالميًا، إذ تنوعت زوايا النظر في التفاعل مع جائحة كورونا، ليشتمل التعاطي الإعلامي العربي معه على صورٍ عدة، سنتناولها في هذا المقال:
1. التغطية الرسمية
وهي ما تقوم به وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها، التقليدية أو الحديثة، من نشرٍ للأخبار المتعلقة بالوباء، والتطورات المواكبة له، فالأخبار مثل: الإعلان عن أعداد الإصابات والوفيات وحالات الشفاء، نقلاً عن الجهات الصحية المختصة في كل دولة.
أما التطورات، فهي: إجراءات الدول وآليات تعاملها مع الوباء، والتحذيرات التي توجهها لشعوبها لتجنب الإصابة بالمرض، وكذلك ما يصل له العلم من اكتشاف جديد لطبيعة الفيروس أو إيجاد مضادات أو لقاحاتٍ للشفاء أو الوقاية منه.
وضمن التغطية الرسمية، أضافت بعض القنوات التلفزيونية شريطًا خاصًا على شاشاتها لنقل أخبار المرض، وأفردت له المواقع الإلكترونية عناوين عريضة تنشر من خلالها آخر التطورات، ومثال ذلك: عنوان «كل ما تود معرفته عن تطورات وباء كورونا -تحديث مستمر» على موقع قناة الجزيرة.
2. التوعية الصحية
لم يغفل الإعلام عن واحدةٍ من أهم الوظائف المنوطة به، والتي تتمثل في توعية الجمهور المستهدف، فعمدت كثير من منصاته إلى تضمين أساليب الوقاية في رسائلها الإعلامية، توجيهًا للناس ونصحًا لهم بأشكالٍ متعددة، نصًا أو صورةً أو فيديو أو إنفوجرافا أو مزيجًا منهم، وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية لمكافحة الفيروس، فكثرت الهاشتاجات التي تناولت النصيحة الأهم #خليك_بالبيت، ولم يقتصر النشر على هذا الوسم وغيره من طرق الوقاية على القائمين بالإعلام فحسب، بل وجد قبولاً شديدًا بين الجمهور، ليتفاعل معه هو أيضًا، مما يدل على إدراك العمل الإعلامي لدوره التثقيفي تجاه ما يصيب الجمهور، وهذا مما يشاد به في العمل الإعلامي، مع مراعاة أنه يتوجب عليه تكثيف الجهد المبذول في النصح والإرشاد مع التركيز على تعزيز مكانة الصحافة العلمية المتخصصة في الوسط الإعلامي العربي، الذي يعاني من شحٍ بل ندرةٍ في هذا النوع، لتكون الرسالة الإعلامية التوعوية صحيحة صحيًا ومتوازنة، دون تهوينٍ من المرض أو تهويلٍ له.
3. السخرية والنكات
استحوذ الأسلوب الساخر على مساحةٍ واسعة من الساحة الإعلامية في تفاعلها مع الجائحة، لا سيما (صحافة المواطن) منها، إذ حفلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ ظهور الفيروس ولا تزال، بتبادل النكات والصور الضاحكة ورسوم الكاريكاتير ومقاطع الفيديو، كما توسع التفاعل ليشمل كتابة الأغاني والأشعار من الهواة والفنانين فيما يتعلق بكورونا، من سبل وقاية ووصفات علاج إضافة لسياسات الدول، فهل يمكن اعتبار السخرية أسلوبًا عاديًا طبيعيًا لا يستحق الوقوف عليه.
أم أنه أسلوب ذو مغزى لا يمكن تجاهله، فهو يعكس لا مبالاة الناس وعدم اكتراثهم في الوقت الذي يشيع الخوف والذعر أرجاء الأرض، فإن كان أسلوب الاستهزاء لا يقتصر على الشعوب العربية، بل يتواجد في الدول الغربية أيضًا، لكنه يتزايد عربيًا يومًا بعد يوم، ليتمثل هنا قول ابن خلدون: «إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد كمن يساق للموت وهو مخمور» ولا يستطيع أحد منا إنكار وضع الشعوب العربية التي ترزح تحت الظلم والاستعباد والفقر والبطالة والجهل والجوع، فكيف سيواجهون العدو الجديد؟ وهم أصلاً في غيضٍ من فيض المآسي!
أم يمكن النظر للأمر على أنه وسط بين الأول والثاني، فالنكتة من طبع الشعوب، والضحك أحد وسائل العلاج، وبهذا الأسلوب فإنهم يتخذون من النكتة وسيلة للتفريغ النفسي عن همومهم، والتخفيف من التوتر والقلق الذي يعيشونه، وهنا، نستعرض على سبيل المثال، عددًا مما انتشر بين رواد مواقع التواصل، وتداولته وسائل الإعلام:
فلسطين: «تم إعفاء الشعب الفلسطيني من كورونا، لأنه عنده فيروس خوزقونا وضيعونا وشردونا وباعونا».
مصر: «كورونا مين يا أبو كورونا، دا إحنا نجيب كورونا للكورونا».
سوريا: «يعني يوم ما نموت، نموت بفيروس صيني مش أصلي».
الأردن: « إذا أحسست بأعراض الكورونا، وقبل أن تذهب إلى المستشفى، اذهب إلى من ظلموك وخذهم بالأحضان وسامحهم وقبلهم، فالمسامح كريم».
اليمن: «نأمل في استضافة الصين لأطراف النزاع اليمني للتفاوض، والوصول لحل نهائي يرضي جميع الأطراف».
لبنان: «يقول الشاعر أبو كمامة الكوروني: وكنت أعشق قبلاً لحن عطستها، فصرت إن عطست ينتابني الهلع».
4. التأويل الديني
لم يكن حضور نصوص الدين ورجالاته حضورًا هامشيًا أو ثانويًا في جائحة كورونا، كيف وقد أغلقت الأخيرة أماكن التعبد، وأوقفت الشعائر الدينية الجماعية، وذلك في إطار إجراءات الدول لمكافحة الفيروس، فظهر هنا من اعتبر قرار إغلاق دور العبادة قرارًا غير شرعي، فتوجهت التهم للفيروس على أنه سلاح في حربٍ بيولوجية تأتي ضمن مؤامرة كونية تقودها قوى الشر لضرب الدين، والعجيب أن الكل يعتبر دينه هو المستهدف!
سبق هذا الرأي، وتحديدًا في بداية ظهور المرض داخل ووهان الصينية، الرأي القائل: أن فيروس كورونا عقابٌ من الله للصين، وانتقام منها لما فعلته بالمسلمين، إلى أن عمّ الوباء العالم وانتشر انتشار النار في الهشيم، فتحول وبشكلٍ غريب لكونه ابتلاء من الله للمؤمنين، اختبارًا لمدى إيمانهم وقوة صبرهم.
كما شرع كثيرٌ ممن يعتلون المنابر الدينية، بتحوير الوباء وتأويله كلٌ وفق دينه أو أيدلوجيته، فهذا يستدل على إعجاز القرآن باستدلاله على كوفيد المستجد 19، بالآية في سورة المدثر «عليها تسعة عشر»، وآخر يؤكد أسبقية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في إقراره ضرورة الحجر الصحي بالحديث النبوي: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه».
لقد فعل كورونا عجبًا حين وحّد المسلمين سنة وشيعة على أمرٍ ما، فها هم يرون في الجائحة، مقدمة ليوم القيامة، حيث ربط الشيخ صالح المغامسي انتشار الفيروس بحديثٍ يتضمن واحدة من علامات الساعة «خروج ريح باردة من اليمن تقبض أرواح المؤمنين»، أما رجل الدين علي رضا بناهيان أشار إلى أن الفيروس يعتبر «مقدمة لظهور إمام آخر الزمان» يقصد «المهدي المنتظر» وهي من علامات الساعة أيضًا.
5. ترويج الإشاعات والسعي للشهرة
في خضم تزايد فتك الوباء المستجد كوفيد-19 بالدول والمؤسسات والأشخاص، يتسارع انتشار الإشاعات وذيوع الأخبار المغلوطة في المعلومات المتعلقة بالوباء، كالحديث عن مصدره، فما يدور حول (الخفافيش) من كونها المسبب الأول للمرض، لم تثبته بعد منظمة الصحة العالمية، أما عن شكله الكبير ووزنه الثقيل وفعاليته في البرد وموته في الحر، أكدت المنظمة خطأ هذه المعلومات، وفي التسابق على ابتكار وصفات سحرية للعلاج (شرب الماء باستمرار، تناول المشروبات الساخنة كالزنجبيل والكركم، الإكثار من مأكولات فيتامين سي) أوضح المختصون أن ما سبق لا يعد علاجًا مباشرًا وفعالًا ضد الفيروس، لكنها قد تلعب دورًا في تقوية مناعة الجسم.
أما السؤال الذي يطرح نفسه، هل كانت الشائعات إبان ظهور الإيدز أو السارس أو الحصبة بذات حجم ونوعية الشائعات حول كورونا؟! بالطبع لا، وهذا يوضح كيف ساهم الإعلام الجديد في ازدياد حالة الفوضى واللايقين الذي نعيشه اليوم وما يترتب عليه من نشرٍ للهلع والذعر بين صفوف الناس، لقد ولدت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: فيسبوك وإنستغرام رغبةً عارمةً عند كثيرٍ من الأفراد للبحث المحموم وراء الشهرة، بهدف نيل الإعجابات وجذب الأنظار إليهم، وفي وضعٍ مضطرب أصلاً يعانيه العالم نظرًا لجهله بطبيعة الفيروس وعدم اكتشاف لقاحٍ مضادٍ بعد، شكَّل هذا الوضع بيئةً خصبة لاستغلال بعض مستخدمي مواقع التواصل، إذ اتجهوا لاختلاق الشائعات وإذاعتها، فكيف إذا كانت بعض المواقع الإلكترونية تقتات على أرباح الإعلانات التي تجنيها جراء زيادة عدد النقرات على أخبار مواقعها، لتتبوأ العناوين المثيرة والجمل الجذابة مكانها على الصفحات، بغض النظر عن كونها حقائق علمية أم أخبارًا مزيفة، في إشارةٍ لغياب الموضوعية وعدم توافر المصداقية في بيئة العمل الإعلامي لدى الكثيرين.
6. السياسة والاقتصاد
كما دومًا، يمثل الإعلام المرآة العاكسة لميداني السياسة والاقتصاد، وكما لكل الأحداث من أثر على الميدانين أو تأثير متبادلين، حضرت الجائحة العالمية وألقت بظلالها الثقيلة مخلفةً تداعياتٍ غير مسبوقة في النظام العالمي، وخاصةً على الساحتين السياسية والاقتصادية.
لم تكن العلاقات بين واشنطن وبكين على خير ما يرام، لتجيء كورونا وتزيد الطين بلة، حيث تصاعدت لهجة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين مع تمدد الفيروس، الصين حمّلت أمريكا مسؤولية تصنيع الفيروس في مختبراتها بغية ضرب قوتها الاقتصادية، وأمريكا وصفت الفيروس بأنه فيروس صيني على لسان رئيسها ترامب، ولم تكتف بهذا، بل لا تنفك من اتهام الصين على تكتمها حول المرض ونشرها للمعلومات المضللة منذ بدء اكتشافه.
أما الاتحاد الأوروبي: مضرب الأمثال في قوته ووحدته، ومهوى الدول والأشخاص، فقد عجز عن اتخاذ سياسات وإجراءات تدعم دوله أو تنقذها جراء تدهور أنظمتها الصحية والاقتصادية بفعل الجائحة، إذ ارتفعت أصوات إيطاليا وإسبانيا وصربيا استنجادًا به وإنقاذًا لهم.
لكن ما كان من فرنسا وألمانيا إلا منع تصدير المعدات الطبية لهذه الدول، وانكفأت على نفسها تحمي شعبها فقط، لتندثر بفعل فيروسٍ لا يُرى بالعين المجردة، شعارات اللاحدود بين الدول، ومعاني التضامن في وجه الأزمات، وهبّت الصين الشيوعية لتحلَّ محل المنقذ المساعد، فهل تنذر كورونا بتفكك الاتحاد، أم سيتغلب على هذه الأزمة ويتجاوزها، وما دور العملاق الصيني، وما قوة أمريكا في عالم ما بعد كورونا؟!
وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: اجتمع على الفلسطيني احتلالٌ ووباء، إذ اتهمت السلطة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي تعمده نشر الفيروس في صفوف الفلسطينيين، وفي المقابل، ثمة حديثٍ عن مفاوضاتٍ بين حركة حماس ودولة الاحتلال عن صفقة تبادل أسرى كانت تنتظر وقتًا مناسبًا لكي تحدث، والسيناريو المرجح حدوثه وفق مختصين، أن تكون المرحلة الأولى من الصفقة: إفصاح حماس عن معلوماتٍ بشأن جنود الاحتلال المأسورين لديها، على أن تقوم إسرائيل بإدخال أجهزة التنفس وعينات فحص كورونا للقطاع المحاصر.
اقتصاديًا: في إطار سعي الدول للحد من انتشار العدوى، أعلنت الحكومات فرض حالات الطوارئ، فألزمت مواطنيها الحجر المنزلي، وفرضت عليهم التباعد الاجتماعي، كما أغلقت المطارات والمصانع والشركات والأسواق، مما تسبب باختلال في سلاسل التوريد والإنتاج، ليتراجع النشاط الاقتصادي تراجعًا غير مسبوق، وهذا ما دفع البنك المركزي الأمريكي للتحذير بأن هذا الوضع قد يؤدي لإحداث أزمة مالية عالمية كأزمة 2008، والحل الوحيد لإنعاش الاقتصاد كما كان، هو اكتشاف علاجٍ يقضي على الفيروس لتعود الحياة إلى طبيعتها، وتعود الروح إلى جسد الاقتصاد، وحتى يحدث هذا، إلى أين تسير اقتصاديات العالم، وإلى أين تتجه العلاقات بين الدول؟!
إن ما سبق، يعد نماذج من أشكال تفاعل وسائل الإعلام العربية مع جائحة كورونا، علمًا بأن هذه الأشكال تتحدث وتتغير باستمرار، وفقًا لما يطرأ على الساحة من تغيرات وما تعكسه من آثار، بالإضافة إلى كيفية تعامل الحكومات والشعوب معها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست