بعد مد وجزر كبيرين، تلاعبت فيه القارة السمراء بكأسها الذهبية، فرمتها مرة غربًا ثم شرقًا، فجنوبًا ثم شمالًا، قبل أن تختار سيدتها الأبدية دولة مصر، وأكثر من تزينت بوشاحها تاريخيًّا، لتستقر بين جنباتها، وتأبى إلا أن تمنحها شرف الاستضافة للمرة الخامسة في تاريخها، بعد دورات 1959، و1974، و1986، و2006. دورة ستكون الثانية والثلاثين في تاريخ المسابقة منذ انطلاقتها سنة 1957، إذ ستلعب وللمرة الأولى بـ24 منتخبًا، وهي سابقة بمشاركة مثل هذا العدد من الفرق الوطنية، بعدما أجريت في آخر دوراتها بـ16 فريقًا فقط، كانت هي الحد الأقصى، تغييرات تعودت عليها المسابقة، إذ سبقتها أخرى عديدة منذ انطلاقتها قبل عشرات السنوات، في محاولة دائمة لتطوير نظام المسابقة.
وستشهد هذه الدورة مشاركة ثلاث فرق جديدة على المنافسة، تدون اسمها للمرة الأولى في سجل المشاركين، وهي موريتانيا، ومدغشقر، وبوروندي، في حين ستكون تقنية الفار ضيفًا على المسابقة أيضًا، و مطبقة انطلاقًا من دور ربع النهائي للدورة.
أعطى كل ناخب وطني قائمته، استدعي اللاعبون، وبدأت التحضيرات الجدية التي تسبق المحفل القاري، قبل أن يحزم الكل حقائبهم متجهين لإحدى المدن التي اختيرت لاستضافة الحدث الكبير، وهي: القاهرة، والإسكندرية، والإسماعيلية، والسويس. توزعت فيها الفرق على ست مجموعات حسب ما جاءت به القرعة التي كانت قبل شهرين، حفل قرعة استثنائي جمع بين الحضارة والتطور، امتزجت فيه الألوان، وشكلت فسيفساء جميلة أسعدت كل الحاضرين والناظرين عبر الشاشات، وأكدت استعداد مصر الحقيقي لتنظيم كأس قارية في المستوى.
وستكون هذه النسخة من الكأس الأفريقية ممثلة بخمسة منتخبات عربية تحاول تحقيق اللقب القاري، أربعة منها حققت اللقب سابقًا، هي مصر، الجزائر، المغرب، وتونس، في حين تشارك موريتانيا للمرة الأولى فقط في تجربة جديدة تحاول من خلالها تحصيل خبرة كافية.
منتخب الفراعنة لاستعادة أمجاده الغائبة
تستضيف مصر النسخة الخامسة في تاريخها بعد أربع سابقة، حققت فيها اللقب في ثلاث نسخ كانت سنوات 1959، 1986، و2006 في حين فقدت واحدة فقط سنة 1974. ألقاب ثلاثة أضافت لها أربعة خارج القاهرة، مع خسارة نهائيين فقط، لتكون الأكثر تتويجًا باللقب، ويكون منتخبها السيد الأول للمسابقة، وهو ما يجعل الفراعنة مرشحين بقوة لتحقيق اللقب باجتماع كل العوامل المختلفة، والتي سيحاول المدرب المكسيكي خافيير أغيري استغلالها لتقديم نسخة استثنائية لاستعادة اللقب الغائب منذ تسع سنوات عن خزائن المنتخب، ويجعل الفريق يحقق لقبه الثامن، ويبتعد بثلاثة ألقاب عن الكاميرون الثانية. وأيضًا مسح الصورة السيئة التي قدمها المنتخب في كأس العالم الأخيرة مع هيكتور كوبر.
أفناك الجزائر وحلم تتويج ثان طال انتظاره
سيكون المنتخب الجزائري في مصر باحثًا عن لقبه الثاني في تاريخ مشاركاته بالمسابقة، بعد الأول المحقق سنة 1990، والذي اختتم حقبة لجيل ذهبي كان الأفضل في ثمانينيات القرن الماضي، عشرية كانت هي الأقوى في تاريخ المنتخب بدأها بخسارة النهائي ضد نيجيريا بثلاثية سنة 1980، لتتخللها مشاركتان عالميتان في المونديال، وكانتا مشرفتين لأفريقيا والعرب ككل.
أبناء المدرب الجزائري جمال بلماضي على أتم الاستعداد لتقديم دورة قوية، خاصة مع تألقهم الواضح طيلة الموسم رفقة أنديتهم، وأيضًا استعادة الفريق لروح المجموعة مع مدربه الجديد، والتي افتقدها بشكل جلي وواضح جدًّا مع الناخبين السابقين.
أسود المغرب بروح مونديالية يستهدفون اللقب لا غيره
يعد المنتخب المغربي أحد أقوى المنتخبات العربية والأفريقية حاليًا، ومرشح بكل قوة للتتويج بكأس أمم أفريقيا، وهو الذي يملك ترسانة لاعبين ومدربًا فرنسيًّا خبيرًا بهذه الكأس، وحاصل على لقبها مرتين مع زامبيا وكوديفوار سابقًا. هيرفي رونار قدم رفقة منتخبه كأس عالم أخيرة قوية جدًّا، وكان قاب قوسين أو أدنى من المرور للدور الثاني، على حساب الكبيرين إسبانيا والبرتغال.
المغرب وعبر تاريخ مشاركاتها حققت لقبًا واحدًا فقط سنة 1976، في حين فقدت الكأس سنة 2004، حين واجهت المستضيفة تونس، ستبحث الآن عن لقبها الثاني، وهو الذي لا يبدو صعبًا جدًّا على فريق قوي متمرس بخبرة قارية كبيرة للاعبيه أولًا، ومدربه ثانيًا.
النسور التونسية تحلق إلى مصر لاقتناص الكأس الثانية
كجارتيها على اليسار الجزائر والمغرب، تمتلك تونس لقبًا وحيدًا فقط، طيلة مشاركاتها القارية العديدة، رغم امتلاكها لمنتخب قوي، غالبًا ما كان يقدم نسخًا جيدة، لكنه يضيع الألقاب بسوء الحظ حينًا، والرعونة أحيانًا أخرى، خاصة وأنه فقد نهائيين قبل تتويجه، وكانا في دورة سنة 1965، ودورة 1996. يبحث هذه المرة عن اللقب الثاني في تاريخه، بعد الذي حققه سنة 2004 في مهمة صعبة نوعًا ما؛ لوجود منتخبات قوية مرشحة بقوة للقب. مدرب المنتخب التونسي الفرنسي ألان جيراس سيحاول استعادة الأمجاد التونسية ومحو الإخفاقات السابقة القارية منها والعالمية، بعد مشاركة مونديالية ضعيفة، وخروج من الدور الأول في المونديال الروسي الأخير.
موريتانيا حققت الأهم بالتأهل ولا ضير بمشاركة مشرفة
يشارك المنتخب الموريتاني في كأس أمم أفريقيا لأول مرة في تاريخه، بعد التأهل من تصفيات هذه الدورة، وهو إنجاز تاريخي مشرف للمنتخب، ويكفيه فخرًا وجوده بين أقوياء القارة، وهو ما يعني أن المشاركة الحالية ستكون لاكتساب الخبرة فقط، والاحتكاك أكثر مع منتخبات القارة، لكن أبناء المدرب الفرنسي كورنتين مارتينيز، الذي يدرب المنتخب منذ خمس سنوات، قد يحققون المفاجأة، وهم الموجودون في مجموعة متوسطة تضم تونس، مالي، وأنغولا، وهو ما قد يجعل المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست