مذ أن أضرم البوعزيزي النار في جسده، ومذ أن خرجت أول مظاهرة في سيدي بوزيد التونسية، وآلام الأمة تزداد يوما بعد يوم،لست أُحمّل ذاك الشاب الفقير رحمه الله مسؤولية ما حصل في عالمنا العربي، فإني أدرك يقينا أنه لو عاش ليومنا هذا ورأى ما حل ببلداننا لن يقدم على إشعال النار في نفسه،لسبب بسيط وهو أنه حتى وهو في أقصى حالات التعرض للظلم وقتها، لم يختر أن يؤذي أحدًا بل كان تمرده بتلك الطريقة ليقول للحكام حتى وإن متنا جوعا، فلن نؤذي أوطاننا ولو بوخزة إبرة، لأنكم زائلون إما مع الزمن أو بفعل فاعل.

 مخطئ من يعتقد أن من سقط من الحكام كان بفعل التمرد الشعبي الذي شهدته أوطاننا، بل إن زوالهم لم يكن لسبب إلا أن مهمتهم عند أسيادهم قد انتهت وآن أوان إيجاد بدائل لهم، فاللعبة القذرة التي يلعبها عالم الشمال معنا اليوم، هي أقرب للشطرنج، اللاعبان هم روسيا بحلفائها وأمريكا وحاشيتها، أما الأحجار فهي عالمنا العربي للأسف بين معارض وموال، فها نحن نشهد حصوننا تنهار، وها نحن بعد أن كنا نأمل أن تكون لنا مشاريع تنمية اقتصادية وعليمة وثقافية، أصبحنا نمني النفس بأن يكون لنا مشروع واحد فقط هو إعادة إعمار مدننا التي أصبحت كالصريم، يقول البعض أن زوال رؤوس الطغيان في بلداننا سيؤول لخرابها، يقول آخر إن زوال حكامنا سيعيد لأوطاننا عزتها، فزال القذافي فانهارت ليبيا وبقي بشار وانهارت سوريا، فما فائدة أن نسمي ما يحصل معنا فتنا أو ثورات، ما فائدة أن نسميه إرهابا أو جهادا،إذا كانت الضحية الأولى والأخيرة ليست سوى الشعوب المستضعفة، وإذا كان الخراب لا يطال إلا بلاد العرب.

نعرف نقاط ضعفنا لكن كبرياءنا و سذاجتنا تمنعنا من تجاوزها، ومنع أعدائنا من استغلالها، فبين طغيان وظلم الحكام، وبين سذاجة المعارضة وتفاهتها، لا نزال ليومنا هذا لا تطور عندنا سوى في عدد القتلى ومئات اللاجئين والهاربين من القصف بحر أو برا، لأن ثوراتنا سرقت، وحادت عن مسارها، لأننا تناسينا لغبائنا أن الغرب من المستحيل أن يسمح لنا ببناء أوطان ديمقراطية وحضارية، وهو الذي قضى قرونا في دراسة المجتمعات العربية ويعلم جيدا أن أي توحد بين الأقطار العربية يهدد وجوده على سطح الأرض.

 الغربي ليس غبيا حتى يسمح لبلدان لها هذا الكم من الثروات والمواد الأولية، بتكوين عقول تستغل هذه الخيرات،لهذا يسلط عليها حكاما، لا يمكن وسمهم إلا بالعمالة، ليعيثوا في أراضينا فسادا، وليجعلوا تعليمنا وتربيتنا وثقافتنا مداسا تحت الأقدام، حتى لا تنفتح جفوننا ولو للحظة، لنبقى تبعا لهم حتى يرث الله الأرض وما عليها، جل حكامنا طواغيت وبارونات فساد وعملاء لكن صدقوني تمنيت أن نبقى على تخلفنا ولا نجعل من أوطاننا جبالا من الركام والرماد، ونضيع ما تبقى من تراثنا وحضارتنا.

 فقد مات علي عبد الله صالح لكن بعد ماذا بعد أن أصبح تاريخ اليمن وتلك المباني التي تؤرخ لشموخ حضرموت كأنها لم تك قط، ذهب صدام لكن بعد ماذا بعد أن سرقت آثار بابل ومخطوطاتها وبعد أن ضاع إرث، كان بإمكاننا أن نجعل منه أرضية، لنتزحزح بها من القاع ولو بضع أمتار، سيقول كثر أنت من بلد ذكر اسمه لوحده يغنينا عن تعداد المآسي، سأقول بملء فمي نعم، لأني أشاهد أوطاننا تعيش التجربة نفسها، في الحقيقة لم أعشها، لكن من حكى لي عنها وكأنه يصف لي ليبيا أو اليمن أو سوريا اليوم، فكما سرقت إرادة شعب في التسعينيات.

 ها نحن اليوم نشهد سرقة تضحيات الشعوب من جهة والمتاجرة بأرواح الشهداء والموتى من جهة أخرى فلا يغرنكم ما تبديه هذه المعارضات التي تسكن القصور وتستحم بأبهى العطور لتحضر مفاوضات برعاية الأسياد، فكلهم سواء السلطة والأنظمة أو معارضات البذلات الأنيقة وربطات العنق الجميلة، التي تدعو لطاولة مستديرة في أحد فنادق جنيف الفخمة، هناك حيث ستباع مصائر الشعوب ومستقبلها، فلا تثقوا بأحد لأنها سياسة والسياسة مهما سمت لن تظل إلا نجاسة، كيف لا وهي اليوم أصبحت تُدعم بختم علماء ومصلحين كانوا بالأمس القريب، قدوة وملجأ لنا من ضعف نفوسنا، أصبحوا اليوم يبررون القتل والخيانة والتطبيع مع بني صهيون، فقط ليضفوا طابع الشرعية على ما يفعله حكامهم.

ولسان حال أمتنا اليوم يقول انثروا القنابل في سماء مدننا حتى لا يقال عاش إنسان في بلاد الإسلام.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد