«طفح الكيل»، جملة قالها وزير الخارجية السعودي قبل بضعة أسابيع، فظننا أن أملنا قد تحقق، وأن النخوة العربية رجعت، وفرحنا حتى غمرت السعادة قلوبنا، وما هي إلا لحظات معدود حتى رجعت الكآبة مجتاحة نفوسنا؛ بعدما قرأنا الجملة التي تليها، حيث إنها كانت طفح الكيل من «حماس وقطر»!
إن سألنا أنفسنا بصدق عن الأحداث التي طفح الكيل منها لوجدنا أنه في كل مرة يطفح الكيل من حدث تأتي حماس وتخمده قبل أن يصبح الكيل كيلين، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو موقف حماس وموقف كل الدول العربية من أي ذل يتعرض له كلا الفريقين، فنجد أنه ما من قرار وجِه نحو الدول العربية من قبل الاحتلال، إلا وقد نُفذ كما ينبغي خاضعين له، وما من قرار أيضًا وجِه نحو حماس إلا وقد زادت حمية المقاومة في نفوسهم صدًا وإعراضًا له. فأي الفريقين يا ترى أجدر بالعز والشرف، وكلاء الغرب في البلاد العربية أم بقعة السمو والمقاومة في غزة؟
نعم طفح الكيل من مقاتلة العرب لبعضهم البعض، أظنها جملة أجمل لوضع طفح الكيل بها. إن قتال العرب لبعضهم البعض بدعم الولايات المتحدة ليس إلا كمن يلعب لعبة فيديو مع نفسه، فتأتي دولة عربية لتحارب جارتها الأخرى وتطلب دعم من الغرب مقابل مال وفير لو وزع على أهل الأرض لأكفاهم، لترد الدولة المتصدية لها بأموال تدفعهم للغرب أيضًا كي تحميها، ليفوز من ينفق أكثر، وما النتيجة إلا ضياع الأموال وفقد الجنود أرواحهم لننال بعد ذلك غضب الله علينا وسخطه، فتنكسر شوكتنا من جديد ويزدهر اقتصاد الغرب بمالنا ليعيدو بناء قواهم. كل هذا يحصل وما تزال الشعوب العربية في سبات ورضى عن حكامهم آملين إجابة مولاهم بالرضا والتوفيق في حياتهم.
إن الأمة العربية اليوم هي أغرب أمة مرت على وجه التاريخ، فإن نظرنا لوضعنا الحالي لوجدنا حربًا في اليمن، وحربًا في ليبيا، ومشردين في سوريا، وخيانة في مصر، وخرابًا في العراق، ونفاقًا في باقي الدول العربية، ولكن في المقابل لو نظرنا إلى ما يميزهم عن غيرهم لوجدنا أنهم من شرقهم إلى غربهم كلهم يشتركون في نفس الدين والتاريخ واللغة والعرق، وحتى أنهم كانوا تحت حكم واحد طيلة القرون السالفة، فما سبب هذا التناقض الفظيع يا ترى؟
أن سر هذا التناقض، وتلك الأزمات هو قبول مسؤولون بلادنا رشوات مقابل الخضوع للغرب وتنفيذ أوامرهم المخربة لشتى الجوانب في البلاد، ففي الجانب الإجتماعي كتبوا لنا دستورًا ودرسونا قوانينه في كتب الوطنية، فعبر بعض العامة عن رأيهم ومارسو حقوقهم وما كان مصيرهم إلى الزج في السجون. وفي الجانب الاقتصادي، أخبرونا أن للدولة أملاكًا، وأنها تبذل قصارى جهدها لتوفير فرص العمل للأفراد، وما رأينا إلى خصخصة معظم أملاك الدولة ناهيك عن البطالة التي تجوب في معظم منازل العرب. وفي الجانب السياسي رأينا مؤتمرات تنعقد بين الدول العربية لحماية البلاد وتصحيح الأمور، وكانت آخر قمة عربية حصلت في البحر الميت الملازمة لفلسطين المحتلة منذ 69 سنة!
عندما سكتت الشعوب العربية عن الظلم و فشلت في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب حق عليها الوصول إلى هذه الحالة المضطهدة، وقد يكون استغلال الديمقراطية البسيطة في بلادنا هو أكثر ما سيساعدنا على التغير وتطوير الحال إلى لأفضل، لهذا يجب علينا أن نربي أولادنا وأن ننشئهم على أن التصويت في الانتخابات البرلمانية هي صلاة نؤديها في كل أربعة أعوام، وأنه يجب علينا تطهير نفوسنا من الطمع الحيواني المتمثل بقبول الرشاوي واتباع السواد الأعظم قبل أن نقوم لتلك الصلاة. لعلنا نرى بزوغ الفجر الجديد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست