من طرق كسب الحرب إيهام العدو بعدم وجودها فلا يقاومها. إن اقتنع العدو بأنه غير مهدد ومستهدف، فلن يستنفر ولن يقوم بمقاومة من يحاربه. فيقع فريسة سهلة لعدوان من يحاربه. هذا هو بالظبط الوضع الحالي للعرب مع الغرب. هي حالة حرب من طرف واحد.
يتم إيهام المواطن العربي من خلال تدجينه منذ الطفولة من قبل الإعلام والتعليم بأن الحقبة الاستعمارية الأوروبية انتهت. وأن الصراع انتهي وحاليًا كل كيان، أي العرب والغرب، منفصل ومستقل بشئون نفسه. ولكن لماذا وكيف ينتهي الاستعمار؟ هل أصبح الغرب ضعيفًا؟ هل انتهت مصالحه في المنطقة؟ هل امتلك العرب أسباب القوة لطرد الاستعمار؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هي لا.
في الحقيقة حقبة الهيمنة الغربية لم تنته على الإطلاق، والهجوم الغربي على العرب مستمر على قدم وساق، ولكنه الان في مرحلة السيطرة بعد نجاح وانتهاء مرحلة تكسير العظام. يوجد قوى منظمة تحارب العرب بدون وجود قوة مقاومة منظمة لديهم، فيقع العرب فردًا وجماعة فريسة لهذا العدوان. أيعلم المواطن العربي أن الغرب يدعم الحكم العربي السيئ بالمال والسلاح والتدخل العسكري المباشر إن احتاج الأمر؟ وأن هذا الحكم السيئ هو سبب استمرار كارثة التخلف في المنطقة؟ أيعلم أن هناك إستراتيجية غربية نشطة جدًّا للإبقاء على هذه المنظومة ومنع تطور أي حركة سياسية قد تحدث التغيير؟ ألا يشكل ذلك حربًا منظمة ومستمرة ضد العرب؟ المنطومة السياسية الحاكمة في المنطقة العربي برمتها بما يشمل الحدود والمعاملة المميزة للمواطن الأوروبي الأبيض وإعطاء امتيازات لرأس المال الغربي المستثمر في المنطقة والتقليد الثقافي للغرب، إعطاء مكانة أكبر للغات الغربية على العربية وغيرها من هذه الممارسات والمؤسسات المتخلفة والمهينة للعرب، كلها موروثة من حقبة الاستعمار العسكري المباشر، والمستمرة إلى الآن بفعل الضغط الغربي المنظم والمستمر بأدوات الحكم المحلية. دعنا لا نوهم أنفسنا بأن الاستعمار انتهي. الاستعمار ما زال موجودًا والعلاقات بين العربي المتوسط والغربي المتوسط ما زالت تماثل شاكلتها منذ قرن، علاقة احتقار وازدراء بسبب هيكل سياسي هرمي فيه الغربي يحظي بامتيازات على حساب العربي.
تمنيت أن يكون ادعائي هنا مجرد نظرية مؤامرة وهمية ومحاولة لإيجاد شماعة لأعلق عليها الفشل الجماعي للعرب، ولكن مع الأسف هذا الادعاء الكابوسي بوجود حرب غربية منظمة ومستمرة ضد العرب بدعم أنظمة حكم التي تضمن عدم تحقيق تنمية وبوأد أي حركة عربية تقاوم السلوك السياسي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة كما أنه مثبت بشكل قاطع في وثائق المخابرات الغربية وكتابات وتصريحات مفكريهم كهنري كسنجر (الذي كان أيضًا وزير خارجية للولايات المتحدة)، وفي كتاب «رقعة الشطرنج الكبرى» لبرزنسكي وكتاب «اعترافات قاتل اقتصادي» لجون بيكرنز، وكتابات صامويل هانتينتجون ، وأهما «صًراع الحضارات». وبإمكان القارئ الرجوع لهذه المصادر لتحدي ادعاءاتي في هذا المقال.
الغرب لا يعادي العرب من أجل الترفيه، يوجد مصالح استعمارية كبرى تتطلب هذا العدوان وتشترط استمرار الحكم العربي السيئ الذي يبقي المنطقة مفككة ضعيفة منزوعة السيادة خاضعه لسيطرة الغرب. أهم هذه المصالح هي 1: السيطرة علي موارد النفط والغاز في الخليج؛ مما يخدم مصالح عدة كالإبقاء على منظومة البترودولار التي تحفظ القوة الشرائية للدولار الأمريكي وللسيطرة علي سوق النفط مما يعزز القدرة على لي ذراع القوى المنافسة للغرب كروسيا وإيران، وأيضًا للقدرة على قطع إمداد الصين بالنفط والغاز الخليجي في حالة تطور الصراع بينها وبين الغرب. 2: استخدام الأرض العربية للتموضع العسكري للصراع مع قوى إقليمية ودولية، إيران وروسيا والصين، والتحكم في المعابر المائية المهمة للعالم مثل مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب. التحكم في خطوط الملاحة العالمية هو أحد أهم زكائز القوة للإمبراطوريات على مر العصور. ونحن حاليًا في عصر الإمبراطورية الغربية. التي تتحكم في خطوط الملاحة العالمية ومن أهمهم الممرات في المنطقة العربية. 3: الاستغلال الاقتصادي المباشر للشركات الغربية الكبري في المنطقة العربية والذي يتطلب طبقة عمل ضعيفة غير منظمة، وهو ما يتحقق في ظل تخلف سياسي مستمر.
إذًا الغرب عنده الحوافز والقدرة المادية والتنظيمية والتبريرات العقائدية (سواء دينية أو عنصرية) للاستمرار في هذا العدوان ضد العرب، وهذا تحديد ما يحدث وعلى كل عربي أن يعي ذلك. أن يعي أنه أعزل في مواجهة حرب فرضت عليه في ظروف هو سيئ الحظ فيها، وأن كثيرًا من مشكلات حياته ينبع من استمرار هذه المنظومة المعادية له والتي صممت خصيصًا لإقصائه وتهميشه من السياسية والثقافة ولاستغلاله وإفقاره في الاقتصاد.
للأسف هي حرب من طرف واحد، من قبل الغرب ضد العرب، وقد نجحوا حتي الآن في تحييد كل قوى المقاومة الرامية لتغيير منظومة الحكم من خادمة للغرب إلى خادمة للعرب منذ حركة عرابي مرورًا بالحركات التحررية التي تبعت الحروب العالمية الأولى والثانية إلى هبة 2011.
الوضع لن يتغير من تلقاء نفسه بمرور الزمن، يجب القيام بحركة تغيير جذرية لتغيير بوصلة الحكم من خدمة الإمبراطورية الغربية إلى خدمة وتنمية الداخل العربي. ما ينقص العرب هو العمل السياسي المنظم، وعدم وقدرة المنظومة الحالية على إجهاضه عند المنشأ يرجع في رأيي إلى نقص حاد في المعلومات عن طبيعة الصراع مما نتج منه حالة عامة من غياب الوعي. أصل أي تنظيم سياسي وتعبئة جماهيريه لخدمة مشروع سياسي ما هو الوصول لكتلة حرجة من الوعي العام وهذا ما يستوجب العمل عليه. نشر المعلومات ونشر الوعي من خلال المواد المقروءة والمسموعة بهدف الوصول لهذه الكتلة الحرجة، لأن الوضع لم يعد محتملًا. فهل من عربي عاقل يقبل الهزيمة في حرب من طرف واحد نتيجتها السطوة والمكانة والكبرياء لأجنبي في الأرض العربية؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست