** تعريف الهوية كمفهوم

بداية – وقبل الحديث – لابد أن نعرف الهوية كمفهوم ومعنى وفقًا لرؤيتي الخاصة، وما استقرت عليه قناعاتي، والتفريق بين عدد من المصطلحات منعًا للخلط بينها، وهي: الهوية، والانتماء والمواطنة

· الانتمــــــــــــــــــاء

هو المكان الذي يولد فيه الشخص، فبحكم الطبيعة يكون انتماؤه له، فيه ينشأ ويترعرع مكتسبًا عادات وتقاليد ولغة وثقافات المكان الذي ينشأ فيه، ويبني ثوابته وعقائده وثقافاته المختلفة.

· المواطنـــــــــــــــة

هو المكان الذي يعيش فيه الشخص منتقلًا إليه من مكان نشأته وتكوينه، وفيه يخضع الفرد لقانون هذا المكان، ويكون عليه أن يتعايش مع عاداته وتقاليده، بشرط ألا تصطدم هذه العادات والتقاليد مع ثوابته ومكوناته.

· الهويـــــــــــــــة

وهي تلك العادات والتقاليد والصفات والثقافات واللغات والمكونات الفكرية التي يبني بها الشخص شخصيته لتكون حزمة من القيم والمباديء المعبرة عن توجهه الذي يقتنع به ويراه مناسبًا لقناعاته.

** هل يمكن أن تتغير الهوية؟

وبالطبع ما دامت تلك الهوية بتعريفها – الذي أشرت إليه – عبارة عن حزمة من المكونات الثقافية والفكرية والعادات والتقاليد وغيرها، فمن الطبيعي أن تكون مهيئة ومستعدة للتطويع والتطوير والتغيير وفقًا للمتغيرات والقناعات، فقد يغير الشخص قناعاته وثقافاته برفع حالته الثقافية، أو رغبته في مواكبة الحداثة التي تغير المفاهيم كل يوم، وفقًا لتلك المتغيرات، والتغيير ليس بالضرورة أن يكون للأفضل، بل قد يكون تغييرًا سلبيًا، وللأسوأ، المهم أن الشخص يكون مهيأ لاستقبال هذا التغيير، ومستعدًا للتعامل معه، ويحسن فهمه وتوظيفه واستثماره.

** الإسلام متهم بأنه جمودي ومتخلف وغير قابل للتطوير؟

الحقيقة أن الحديث هنا فيه خلط كبير، وظلم أكبر للإسلام، أرفضه – شكلًا وموضوعًا – فيجب أن نفرق بوعي تام بين المسلمين كمجموعة بشرية مختلفة الجنس والعرق واللغة والمكان والعادات والتقاليد والثقافات، وبين الإسلام كدين وتشريع وتعاليم وعقيدة ربانية أنزلها الله سبحانه وتعالى على خلقه أجمعين، دون تمييز أو تفريق، ونفرد الحديث لفهم تلك القضية الشائكة المخلوطة بقصد!

فقد بدأ الله سبحانه وتعالى الخلق بآدم عليه الصلاة والسلام وأمر الملائكة بالسجود له إعلاء لقدره وقيمته، وأنزل التشريع في محكم آياته مخاطبًا به الناس، والآيات العامة في التشريع يتحدث فيها الله – عز وجل – دائمًا مخاطبًا الإنسان، وهنا ترسيخ لقيمة المساواة بين الخلق، دون تمييز، على عكس ما يدعي العلمانيون، أو أعداء الإسلام – بصفة عامة – وهناك آيات يخاطب فيها الله الناس أجمعين، وغيرها يخاطب بها المسلمين، وغيرها يخاطب بها المؤمنين، وغيرها يخاطب بها الأشداء من المؤمنين، فنجد بوعي عقلي كبير أن الله – سبحانه وتعالى – صنف الخلق في التكليف، وساوى بينهم جميعًا في الحقوق والواجبات والعدل والعدالة، وهو ما لا يمكن التعدي عليه بالإدعاء بعدم صحته.

وهناك تغييب كبير لتلك المسألة، وللأسف لا يقف عندها الكثير من المسلمين، خاصة الدعاة، إذ كان ولم يزل يتحتم عليهم وعلى كل مسلم واع أن يدافع عن الإسلام ويرفض تقزيمه وتحقيره وعزله عن أمور الخلق أجمعين، فجميع القضايا التي يدعي فيها العلمانيون أن الإسلام رجعي وغير قادر على التطوير ومواكبة الحداثة لذلك تخلف عن الركب العالمي والتكنولوجي، إنما هي من قبيل الكذب البين، وندلل بأمثلة لا تدع مجالًا للشك على عظمة الإسلام وتطوره؛ لنذكر المفتونين بالغرب وحضارتهم وثقافتهم وعلمهم وأدواتهم المخترعة بالحداثة العلمية، تذكروا يا مسلمون أن أول من وضع أسس العلم والمعرفة في كافة مجالات العلم هم أجدادنا العظماء المسلمين الخوارزمي والرازي وابن الهيثم وابن سينا أصحاب التفوق في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب. الإسلام جاء بالقرآن الذي يكتشف منه العلماء حتى قيام الساعة أسرار الكون، بشكل الأرض وطبقاتها، والبحار، والجبال، والسماوات، والنجوم، والكواكب، وأسراره ما زالت دفينة، بالرغم من الاكتشافات التي حدثت منذ آلاف السنوات، وستحدث بعد سنوات يعلمها الله وحده، ولن يؤتى العلم مهما حصد البشر، إلا قليلًا كما علمنا قائد ومعلم الأمة صلى الله عليه وسلم.

ونذكر بالقضايا الظالمة بتهم غير حقيقية لتشويه واتهام الإسلام ظلمًا كالإرهاب، وقد رفض الإسلام قتل النفس وإراقة الدماء وعظم فعلها وعقوبتها فقد حمى الله النفس فأكد في كتابه وقرن القتل بالشرك فقال الله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقال الله تعالى: من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعًا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا، وقال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه و أعد له عذابًا عظيمًا. وقال النبي – عليه الصلاة والسلام – لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا، وقال النبي – عليه الصلاة والسلام – لزوال الدنيا – يعني كلها – أهون عند الله من قتل رجل مسلم.

وفي قضية المرأة وحقوقها لن نجد في أي دين حقوق كما للمرأة من حقوق تتمتع بها في الإسلام، والتشريع الإسلامي، وتعظيم وتكريم لها، وندلل فقط أن الله – سبحانه وتعالى – جعل الجنة تحت أقدامها، وأعطاها حقوق الرجل في التعليم والتملك والبيع والشراء والذمة المالية المنفصلة تتحكم فيها وفق إرادتها وحسن المعاشرة من زوجها، وحسن المعاملة من أبنائها وهي أم، وجعل التعدي عليها كالشرك بالله، وغير ذلك من حقوق وتكريم للمرأة أقره الإسلام تشريعًا واضحًا، دون تشكيك.

ونلقي الضوء فقط على المجتمع العلماني المغري للبعض، والداعين للتشبه به، والسعي إليه، نشرت مجلة تايم الأمريكية، أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي، ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي.

ودراسة أمريكية جرت في عام 1987 أشارت إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء، وخاصة إذا كانوا متزوجين بهن، وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته، وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جدًا، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة، فكيف بمن هو دونهم تعليمًا؟

وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية، جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقًا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها، وقد كان دخولهن نتيجة الضرب، وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت 1360 سجل للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعًا للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات والسرقة والاغتصاب مجتمعة.

وعن الحرية التي يتغنى بها العلمانيون ويتهمون الإسلام أنه دين الرجعية والجمود والغلظة والحدود، فإن الإسلام جعل الحرية حقًا من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته يموت داخليًا، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب ويعمل ويسعى في الأرض.

ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن الحرية أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله – تعالى – هو العقل الحر، دون قيد أو شرط، ولكن هناك من يضع السم في العسل، كمن يروج إلى عدم حرية البشر بأمر الله، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا. وهنا نرد عليه بفهم ووعي للدين الإسلامي، وتعاليمه الرائعة قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها، إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم هلكوا، وهلك الناس جميعهم، وإن منعوهم نجوا ونجى الناس جميعًا. وقد عزز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سنته المطهرة وسيرته العطرة مبدأ الحرية، سواء في التفكير أو في التعبير، أو في إعمال الرأي والاجتهاد في أمور الدين والدنيا، حرصًا منه على تكوين الشخصية المستقلة المتماسكة القوية لدى المسلم ولحسن بناء المجتمع.

** حقائق تدحض خلط المفاهيم!

من خلال العرض والتأكيد على حقيقة الإسلام كشريعة وتشريع للناس أجمعين في الحقوق والمساواة والعدالة، دون تمييز للون أو لغة أو عرق أو دين أو النوع أو غيره فالناس كأسنان المشط، كما علمنا قائد ومعلم الأمة – صلى الله عليه وسلم – ووضع الله سبحانه وتعالى، والسنة النبوية الشريفة قانونًا نبراسًا لتحقيق العدالة والحرية والأمن والأمان والبناء للمجتمع ككل، وليس معنى أن يسيء المسلمين تطبيق شرائع الله، أو فهم ما أنزل الله، ووضع رسوله الكريم من تشريع بالكتاب والسنة النبوية الصحية أن يساء للإسلام، وهو مظلوم باحتساب هؤلاء المسلمين عليه، ولكن يراجع المسلمون في معتقداتهم وأفكارهم ليفهموا ويعوا دين الله الصحيح، وبالقطع كل مسلم حقيقي واع يفهم الإسلام بوعي قابل للتطويع والتطوير ومواكبة الحداثة بكل مستحدثاتها التكنولوجية والفكرية، ولكنه لديه ثوابت عقائدية وتربوية وسلوكية لن تتزحزح عن مواضعها خاصة، وأنه بوعيه ورقيه الفكري المستنير يعلم أن المجتمعات مدعية العولمة والحداثة والتقدم والرقي ما هي إلا مجتمعات مفككة ومنحلة أخلاقيًا وسلوكيًا واجتماعيًا، وليس لديها ثوابت قط عقائدية أو تربوية، وكثير من تلك المجتمعات تطبق تعاليم الإسلام دون إيمان به كمنع شرب الخمر بعد تفشيها كظاهرة سلبية، وتعرض الكثير للإصابة بالأمراض؛ مما يكبد الدولة تحمل الكثير من المشكلات، كالتعدي، والحوادث وتكاليف العلاج لمدمني الخمور وغيرها، فآثرت أن تمنع شرب الخمور في كثير من المواقع وحظر تناول لحوم الخنازير ببعض المجتمعات لما اكتشفوه من مخاطر وأضرار نتيجة تناولها، بل أعدموها، والمنع أو التحذير من التدخين على المدخن، والمجتمع من حوله، ووضع محاذير وضوابط كثيرة وقاسية، وتخصيص أماكن لممارستها لمن يصر عليها كمدمن لها، وغيرها من أمثلة، دون حرج أن يكون ذلك تعليم وتشريع إسلامي يؤكد بعد رؤية المشرع -سبحانه وتعالى – وأنه ينهانا عن كل ما يسبب الضرر لنا، وأنه هو الصواب دون أدنى شك لذلك فالتمسك بالعقائد والتشريع الإسلامي الرباني والنبوي شيء منته، ولن تتمكن العلمانية أو غيرها من القضاء عليها واقتحامها بأية حال فقط في حالة ترسيخ قيم وتعاليم وتشريع وسنة الله ورسوله بصورة قوية في نفوس مجتمعنا والأجيال المغيبة ضعيفة الإيمان والوعي والإدراك لدينها الصحيح وتاريخها العظيم لأجدادها العظماء.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد