بعيدًا عن إعطاء أحكام مسبقة، وبعيدًا عن خصوصية الشعب الصحراوي وتعاطي القضاء المغربي مع هذه الفئة المستعمرة، دعونا نذكر أن القانون الجنائي المغربي في تعاطيه مع الفعل الجرمي، يستند المشرع المغربي في هذا الصدد على مبدأ أساسي، هو إقليمية النص الجنائي، ومعناه أن هذا القانون يخضع مرتكب الجريمة التي تحدث في إقليم الدولة لقانونها مهما كانت جنسية مرتكب هذه الجريمة، إذًا ليس بالضرورة أن يكون كل من يمثل أمام هذا القضاء مغربي الجنسية.
هذا من جانب، من جانب آخر المشرع المغربي نفسه يقول في المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية المغربي «لا يعتبر ما عدا ذلك من المحاضر أو التقارير إلا مجرد معلومات….» والمقصود بذلك المحاضر المتعلقة بالجنايات؛ إذ لا تعد أن تكون سوى بيانات تستعين بها المحكمة في تكوين إقتناعها، ولا يمكن تبعًا لذلك للقاضي الجنائي الأخد بها وحدها للقول بالإدانة، وموقف محكمة النقض المغربية كان واضحًا هنا لما أشارت في أحد قراراتها «لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيًّا وحضوريًّا أمامها، وحيث يتجلى من القرار المطعون فيه وكذا القرار الابتدائي المؤيد به، أن المحكمة لما أدانت الطاعن من أجل ما نسب إليه، اعتمدت على اعترافه أمام الضابطة القضائية مما يكون معه القرار المطعون فيه والحالة هذه معرضًا للنقض والإبطال».
إلى جانب هذا لا يفوتنا أن ننعطف قليلًا ونحن في صدد مناقشة محاضر الضابطة القضائية، لنذكر بما جاءت به «اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي يعتبر المغرب إحدى الدول الموقعة عليها سنة 1986 والمصادقة على هذه الأخيرة سنة 1993».
حيث جاء في ديباجتها، في المادة 15 أكثر تحديدًا ما يلي:
«تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال ».
نطلاقًا من هذه النافدة القانونية، سيكون قضاء الاحتلال محرجًا أمام الملف المطروح أمامه لمجموعة الصف الطلابي سنة 2016 بمراكش المغربية، بداعي عدم وجود أي دليل ملموس يدين هؤلاء الطلبة، باستثناء محاضر موقعة تحت التعذيب.
أمام هذه الورطة والهالة الإعلامية التي رافقت هذا الملف، ومحاولة التأثير في الرأي العام، ماذا سيفعل القضاء المغربي أمام هذا الملف، خصوصًا أن القضية أصبحت خارج نطاق الإقليم وتجاوزته للتدويل، بل طرحت للنقاش في العديد من البرلمانات الأجنبية، بالإضافة إلى حضور العديد من المراقبين الأجانب ومواكبة المحاكم من طرف طلبة، نشطاء حقوقيين، وإعلام وطني وأجنبي كذلك؟
المراحل القانونية التي مر منها الملف:
محاضر الضابطة القضائية قسمت المجموعة إلى قسمين، بين من تابعتهم بالقتل العمد، ومن تابعتهم بالمشاركة في القتل العمد، للإشارة جرى توثيق يوم إعتقالنا في المحاضر، مرادفًا ليوم الاثنين 25 يناير (كانون الثاني) 2016، بالرغم من أننا اعتقلنا يوم الأحد 24 يناير 2016، على قرابة الساعة السادسة مساء، واستمر احتجازنا ليتجاوز المدة القانونية المحددة بـ48 ساعة قابلة للتمديد لـ24 ساعة فقط.
قاضي التحقيق بعد جلستين سيمرر التهم نفسها دون تغيير أي شيء، رغم أن المعتقلين نفوا التهم الموجهة إليهم وطالبوا بإجراء خبرات طبية.
مراحل المحاكمة
أولًا: رفض كل الدفوع الشكلية كان أهمها:
1. الخبرة الطبية للمعتقلين.
2. تسجيلات كاميرات الحي الجامعي بأكادير يومي الجمعة والسبت، التي توثق وجود المعتقل عزيز الواحيدي هناك.
3. الخبرة التقنية لتوقيع المعتقل عبد المولى الحافيظي الذي أكد أنه لم يوقع أي محضر، بل الضابط المغربي هو من وقع المحاضر.
4. استدعاء كل من أستاذ الإنجليزية بكلية الآداب المسمى الحلوي، وكذا العميد المسمى أهموش، وكذا كل من سعاد نائبة العميد والمختص في المعلوميات بالكلية نفسها، للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة.
5. استدعاء يحيى لزعر للإدلاء بشهادته.
6. رفض استدعاء الشهود الذين زعمت الضابطة القضائية أنهم مثلوا أمامها دون معرفتهم، بالرغم من أنهم ليسوا بطلبة، وعند توجيه سؤال غاية وعلة وجودهم في الجامعة، البعض منهم رد بأنه كان ينوي سحب شهادة الإجازة، وهذا غير ممكن لعدم فتح الشبابيك الخاصة بسحب هذه الشهادات يوم السبت.
7. رفض التأكد من سجل لائحة الحضور لامتحانات شعبة الجغرافيا للمعتقل البر الكنتاوي، بالتزامن مع وقوع الحادثة.
جرى تسجيل في العديد من المرات منع العائلات من الدخول لقاعة المحكمة، في المقابل كان ولوج ما يسمى بممثلي الحق المدني ولجنة مؤازرة أهل الضحية بشكل سلس، أما عن المتضامنين مع الطلبة المعتقلين فيرفض مطلقًا ولوجهم للمحكمة.
ثانيًا: مرافعات المعتقلين:
كل المرافعات كانت سياسية بامتياز، مع تسجيل حالات التوقيف المتكررة من طرف قاضي الاحتلال، وكذا ما يسمى بوكيل الملك.
جل المعتقلين ناقشوا صيرورة استهداف الطلبة الصحراويين كامتداد لسلسة لا تنفصل من استهداف الشعب الصحراوي بدءًا بالاجتياح العسكري في سبعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا.
ثالثًا: مرافعات المحامين:
وضح فيها أغلب المحامين على براءة المعتقلين، وبطلان محاضر الضابطة القضائية.
رابعًا: النطق بالحكم:
بعد أشواط مارطونية، القضاء المغربي سيكيف التهم ويحولها من جنايات إلى جنح والتي بموجب المادة 290 من المسطرة الجنائية التي تنص على «أن المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التتبث من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمونها إلى أن يتبث العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات»، وبهذا الصدد ستتحول المحكمة من المفتش عن الحقيقة إلى باحث عن وسيلة للتوريط.
فجاء الحكم جائرًا وصل لـ86 سنة موزعة على هذه المجموعة، بين من حكم عليه بعشر سنوات وآخرين بثلاث سنوات، دون الاستناد لأي دليل ملموس، اللهم محاضر الكل أقر بأنها وقعت تحت التعذيب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
معتقلة