جاءت مسيرات العودة في وقت حساس بالنسبة للمصالحة الفلسطينية، فبعد أن كان يُنتظر تتويج اتفاق المصالحة بالتطبيق الفعلي، حدث تفجير لموكب الحمد الله؛ ما أدى بدوره إلى تأجيج حالة الانقسام، وعودة المصالحة للمربع الأول. في موازاة ذلك ظهرت فكرة مسيرات العودة والتي لاقت دعمًا جماهيريًا وشعبيًا وحتى فصائليًا؛ ما أدى بالسلطة الفلسطينية لمراجعة خيراتها اتجاه هذه الدعوات، والتي بدون قصد قد تُخرج حماس من مأزقها، ما قد يطيل من حالة الركود في ملف المصالحة مع حماس؛ لتتخذ السلطة موقف المتحفظ مع مظاهرات العودة، وبشكل موازي عملت حماس على تصوير أن المسيرات جاءت جزءًا من مسار تمضي به منذ حكمها للقطاع.
هناك أزمة تعيشها حماس اليوم تشكلت نتيجة خطأ تاريخي بسيطرتها على السلطة بغزة بموازاة عملها المقاوم، فأصبحت حماس نتيجةً لذلك تتحمل أعباء أكبر بكثير من تحمل فصيل سياسي مُحارَب من كثير من القوى العالمية والإقليمية، فهذا الخطأ الذي تفاداه حزب الله مثلًا قد وقع، ونتج عنه حال من الأزمة الإنسانية المسؤول عنها الاحتلال الإسرائيلي؛ بتبريره لوجود حماس في غزة، وشنه العدوانات المتتالية على أهالي قطاع غزة بنفس الذريعة، لتصل حماس بالنهاية لطريق مسدود في حكمها للقطاع؛ لتتلقف ذلك السلطة في رام الله، فمن وجهة نظر السلطة أن هذا الوقت الأمثل لجني الثمار والخروج بموقع المنتصر من الحرب الباردة بينها وبين حماس، وحماس بدورها بدأت بالبحث عن حلول للخروج من هذه الحالة من التدهور في نفق غزة المظلم.
مسيرات العودة التي شكلت من 20 شريحة من المجتمع الفلسطيني من بينها الفصائل والقوى وهي النواة الأساسية لها، بالإضافة إلى 13 لجنة فرعية انبثقت عنها، هذا الجهد توج نتيجة جهود شبابية خالصة من كافة فئات الشعب الفلسطيني للنهوض بالحالة الوطنية، التي تعاني من حالة التراخي والجمود؛ بعوامل الانقسام السياسي والاجتماعي الفلسطيني، لتأتي هذه المسيرات بالحل الأمثل بالعمل على توجيه بوصلة الغضب الفلسطيني تجاه الاحتلال الاسرائيلي، بدلًا عن مناكفات داخلية بائدة زائلة، فالاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الرئيس عن الحالة المتردية للشعب الفلسطيني، والشباب يعرفون ذلك جيدًا، لكن المشكلة أن الفصائل لم تتعلم بعد الدرس جيدًا.
محاولة السلطة التجاهل المستمر لما يحدث داخل القطاع، وآخرها بقطع رواتب الموظفين الحكوميين التابعين لها، في محاولة لمعاقبة حماس على الاستمرار بحكمها للقطاع، سيزيد من تعميق الحالة وتدهور الأوضاع، ومحاولة حماس فرض أجنداتها على الحراك الجماهيري لتعمل على استثمار النتائج المرتبطة من المسيرات سيضعف الحراك ولن يقويه، فما لم تكن النتائج وطنية جامعة تحمل هم القضية الفلسطينية ومطالب المتظاهرين؛ سيعمل ذلك على فقد ثقة الشارع الفلسطيني بأية دعوات لتظاهرات من هذا النوع في المستقبل، وربما أبعد من ذلك بالشعور بحالة الانهزامية نتيجة عدم الالتفات لمطالبهم الوطنية التي خرجت نتيجة وعيهم الوطني، وشعورهم بمحاولات التصفية لقضيتهم الوطنية ليدفعوا بدمائهم قربانَ ذلك.
لطالما كانت التضحيات التي يقدمها الفلسطينيون أعلى بكثير من أي استثمار على المستوى السياسي، فإلى متى سيبقى الفلسطينيون يضحون دون أن تكون النتائج موازية لتضحياتهم، فيجب على السلطة وحماس محاولة استبعاد خلافاتهم الداخلية بعيدًا عن تحركات الشارع، بل أبعد من ذلك من الواجب عليهم دعم التحركات تحت قاعدة الكُل الوطني، من أجل أن نخرج أمام العالم كشعب موحد قد عانى ويلات الاحتلال، وآن له أن يتحرر وتُحلّ قضاياه، وأولها قضية اللاجئين، بجانب قضية القدس، وأن أيّ محاولة لاستثمار حركة الشارع لن تعمل إلا نحو تعزيز فقد ثقة الجماهير بالفصائل، وربما بالعمل الوطني برمته، فبالنزول إلى حركة الشارع والتماهي معه لا القفز عنه أو ركوبه؛ سيؤسس لمرحلة جديدة تكون فيه القضية الفلسطينية أم القضايا في واجهة القضايا العالمية، لتعزز حركات التحرر في العالم، لا أن تكون أنموذج للتشتت والضياع.
على الجماهير الفلسطينية أيضًا في الميدان، أن تعمل على استحداث قياداتٍ شابة تخرجُ من الشارع نفسه، وتكون هي في الطليعة على قدر ما تقدمه من تضحيات، لأن الوعي الذي يخرج من الميدان هو الأقدر والأمثل للخروج من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية وانتكاستها من قبل المنقسمين، وذلك للتسريع من حالة استرجاع القضية الفلسطينية لشكلها الديناميكي الفعال، وتسريع عملية التحرير التي أخذت وقتًا طويلًا أسفر عن تشتيت الفلسطينيين معنويًا ونفسيًا
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست