الأرورا، أو السماء المشتعلة، أو الغيوم المحترقة، أو الشفق القطبي.. كلها مسميات لواحدة من أعظم الظواهر الطبيعية المدهشة، التي تضفي جمالًا ورونقًا في سماء كوكبنا، وذلك أنها تشكل مجموعة من الشرائط المتلألئة من الألوان لتخلق أشكالًا جميلة وبديعة تتقوس عبر سماء الليل، تسلب لب المشاهد وتطرح في العقول أسئلة جمة حول كيفية تفسيرها.

ولعل هذه الظاهرة التي تحدث بشكل مستمر خلال أيام السنة، ويزيد بروزها في الشهور الشتوية – من أكتوبر (تشرين الأول) إلى أبريل (نيسان) – حيث ينخفض التلوث الضوئي والهوائي، اختصت بقطبي الأرض، خصوصًا في مناطق خطوط العرض العليا؛ القطب الشمالي «ألاسكا، شمال كندا، النرويج، السويد وفنلندا». والقطب الجنوبي «أسكتلندا وشمال إنجلترا».

وكغيرها من الظواهر الطبيعية، فقد تضاربت الآراء حول هذه الظاهرة بين ما هو أسطوري وهمي وما هو علمي حقيقي مثبت.. بحيث اعتبرت الأسطورة في البلدان الإسكندنافية أن الألوان التي تبرز في السماء، إنما هي انعكاسات لدروع المحاربين الأشداء في الحياة الأخرى التي تدعى حسب أساطيرهم فالهالا. أما الرومان فقد اعتبروا أن الألوان ما هي إلا صورة لإلهة الفجر التي تدعى أرورا _ وباسمها لقبت الظاهرة _ وهي أخت القمر، التي تلقي بجمالها معلنة بداية يوم جديد وحاملة معها خيوط الشمس، معلنة قدوم عربة أبولو، إله الموسيقى والفطنة.

أما الأستراليون فقد رأوا أنها حرائق الغابات والأدغال المشتعلة الناتجة عن الشر في عالم الأرواح والأموات.

أما التفسير العلمي فقد رأى هذه الظاهرة من جانب آخر أكثر عقلانية ومنطقًا. يعزى السبب الرئيس في حدوث الشفق القطبي حسب المنطق العلمي إلى أن الأنوار تظهر نتيجة الاصطدامات بين الجزيئات الغازية في الغلاف الجوي الأرضي والجسيمات المشحونة المنبعثة من الغلاف الجوي للشمس، إذ ترسل الشمس مجالات مغناطيسية تكونت نتيجة حدوث انفجارات على سطحها، إلا أن هذه الانفجارات تبعث مجالات مغناطيسية شمسية محملة بالطاقة الهائلة، ذات الأيونات العالية الشحنة إلى الأرض، ولعل هذه الرياح الشمسية ضارة جدًا لكائنات الأرض، وهنا يتمثل دور المجال المغناطيسي للأرض بحيث يحجب الرياح من إلحاق الضرر بالكائنات الأرضية ويرد عنها الأذى. ولأن الطاقة المغناطيسية متمركزة في قطبي الأرض، فإن الأيونات تنجذب فيما بينها وتبدأ بالولوج إلى الأرض، ثم تظهر على شكل حلقات، لأنها تنحصر داخل المنطقة بالاعتماد بشكل أساسي على مجال الأرض المغناطيسي، وتشرع هذه الأيونات الشمسية في التصادم مع جزيئات طبقة الغلاف الجوي، وفور دخولها إليه، تتشكل دوائر ضخمة لتنتشر في قطبي الأرض، وبالتالي تكشف واحدة من أروع اللوحات الكونية وأدهش الظواهر.

 أما بالنسبة للألوان فاصطدام جزيئات النيتروجين بالإلكترونات، يبعث فوتونات موجية طولية باللونين الأزرق والأرجواني، أما تصادم ذرات النيتروجين فيُنتج عنه لونًا أخضر، وفإن تركيز جزيئات الأكسجين في 100 كم من الأرض ينتج ألوانًا خضراء مصفرة، ثم إن تصادم جزيئات الأكسجين أعلى ارتفاع 320 كم فتنتج لونًا أحمر متدرجًا.

وقد ثبت بواسطة تلسكوب «هابل» أن هذه الظاهر ليست خاصية أرضية فحسب، بل هي أكثر بروزًا في كوكبي المشتري وزحل، بحيث أن لهما مجالات مغناطيسية أقوى من المجال الأرضي، مما يجعل الشفق بحد ذاته مختلفًا نوعًا ما عن الشفق الأرضي، وعلى كوكب المريخ أيضًا يحدث شفقًا يغطي الكوكب بأكمله إذا ما هزت عاصفة شمسية قوية.

ولأن هذه الظاهرة يمكن أن تسفر عنها أخطار وخيمة، فقد حذر العلماء منها ولقبوها بالوحوش الملتهمة، إذ إن العاصفة الشمسية إذا كانت قوية جدًا يمكنها أن تولد طاقة عظيمة تقضي على الأجهزة الإلكترونية والشبكات الكهربائية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد