قبيل الذكرى الرابعة لـ “25 يناير 2011 ” أعادت حركة شباب 6 أبريل على لسان عمرو علي المنسق العام للحركة إطلاق مبادرتها التي تهدف منها إلى التوافق على صيغة ثورية واحدة، وأكد أن مبادرة شباب 6 أبريل تعتمد على خمسة محاور هي: ميثاق للمشاركة المجتمعية، وعدالة شاملة، وترسيم العلاقات بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وميثاق شرف إعلامي، وحكومة إنقاذ.

 

لنحاول تفنيد الأمر بشكل آخر بعيد عن الكلمات الرنانة:
أولاً: المحاور الثلاثة الأولى، وهي: ميثاق للمشاركة المجتمعية، وعدالة شاملة، وترسيم العلاقات بين مؤسسات الدولة والمجتمع، يبدو في حقيقة الأمر أنها لا تعني شيئًا، فكثيرًا ما نسمع مثل تلك العبارات الجوفاء، والتي لا تهدف للوصول لشيء محدد، لم أفهم لعل المقصود هنا دستور جديد أو قانون مثلاً، أو لا شيء وهو الأقرب للصواب، وهي فقط موضوعة في البداية لتمهد لما يليها.

 

ثانيًا: “ميثاق شرف إعلام” منذ سنوات وأنا أسمع تلك العبارة، لكن كيف يكون ميثاق الشرف، فالشرف لا يكتب على الورق وإنما في السلوك، وهل تتوقع من الإعلاميين في القنوات الخاصة الموجهة أن ينصاعوا إلى “ميثاق الشرف”؟ وهل تعتقد أن الشرف من منظورهم هو أصلاً نفسه مفهوم الشرف الحقيقي؟ ما أدراك أن الإعلام قد لا يفهم أن من الشرف قتل كل “أبريلي وإخواني وكل معارض”، وحتى لتلك الحجة وجهتها؛ إذ إن الدولة في معركة مع الإرهاب، ومن الشرف أن يدافعوا عنها ضد المخربين.

 

دعني أتخيل “أحمد موسى” على سبيل المثال كمواطن شريف، وهو يقدم برنامجه مثلاً ويقول: “حدث تفجير منذ خمس دقائق في المكان الفلاني، وتبين أن فلان وفلان الإرهابيين هما منفذا الحادث”، ومن ثم ينهي الخبر بقوله: “وهذا حسب الضابط المكلف بتوجيه البرنامج”، يبدو كلام غير منطقي، ولن يطبق ما تصبون إليه إلا من خلال فصل حقيقي للإعلام عن الدولة، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل وضع وحكم الدولة الحالي من جهة، ومن جهة أخرى لسيطرة رجال الأعمال على وسائل الإعلام.

 

ثالثًا: “حكومة إنقاذ” من سيشكل الحكومة؟ ومن سيتولى الحقائب؟ وفوق كل هذا من سيسمح بذلك؟ أعتقد أن هناك حالة من الجمود أو عدم الرغبة في تصديق الواقع فعلاً، رحل د/ مرسي وتم إقرار دستور جديد، وجاء السيسي للرئاسة وشكل حكومته، ونحن بصدد انتخابات نيابية، وأنتم ما زلتم تقولون حكومة إنقاذ موقف، هل تكون مثلاً الحكومة خاضعة للسيسي، لا أعتقد ذلك، فالواضح من البيان أنه ثوري، إذًا يفترض أن لا وجود للنظام الحالي، لماذا لا يلمح لهذا الأمر في المبادرة؟؟ لأنه سيكون صادمًا كبداية أعتقد، أم أن مثلاً “السيسي” كان من أهداف الثورة!!

 

يمكنني أن أتفهم أنها بداية طرح لتأسيس مشوار ثوري جديد، ويكفي من وراء تلك المبادرة فكرة تجمع المتفرقين والمتخاصمين تحت راية واحدة، ويكفي أن الجميع يجمعهم القهر والظلم والشعور باغتصاب الثورة من بين أيديهم. كل ما ذكر جميل، ولكن يبدو لي جليًّا من وجهة نظري أن المبادرة لا يتخللها أي رؤية ولا هدف ولا غرض، بخلاف إثبات التواجد على الساحة، حتى إن مظهر المبادرة يوحي بتخبط في الرؤية، وعدم وجود أرضية واضحة ليُبنَى عليها، وإذا أردت أن تبدأ مشوارًا جديدًا فعليك أولاً أن تبدأ في إيجاد طريقة لتمحو الصورة السوداء، والتي تكونت ورسخت في عقول الناس عن كل ما هو غير “البدلة الكاكي” في البلد.

 

والأنكى من ذلك أن يراها تيار الإخوان بنظرة “عودة الابن الضال كما ورد على لسان السيد/ محمود سودان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة، وذلك في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن “الإخوان المسلمين طالما نادوا بتوحدّ قوى يناير، ولكن لم يكن أحد يسمع لهم”، مضيفًا “ونحن نرحب بدعوتهم، ويكفي أنهم أدركوا الطريق الصحيح”، سلوك في غاية الغرابة، حتى الآن لم يخرجوا من حالة الكبر والأنوف والذكاء المتقد للإخوان، وبعد النظر والبصيرة والتي أرسلت الجميع إلى الجحيم.

 

أنا لا أعفى أحدًا من الخطأ، ولكن كل خطأ يقيم بحجم المخطئ لذا يبدو لنا أن خطأ الإخوان هو الأعظم، وذلك لضخامة الركن الخاص بهم، والذي استحوذوا عليه منذ يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013.

 

ومن ثم يأتي تصريح آخر فيه يثمن الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية، الدعوة التي أطلقتها، حركة 6 أبريل، ودعت فيها للتوافق خلف أهداف ثورة يناير والسمو فوق المصالح والحسابات الحزبية والتجمع بذات روح ثورة يناير خلف الحلم الذي أوجدت.

 

لا أفهم ما المشكلة ولماذا لا يرى أحد الواقع كما هو؟ الزمن تغير والحدث تغير وكل شيء تغير، ولن تعود الثورة بشكلها القديم، ولن يعود شيء كما كان، وحتى لو حدث سنعود لنكرر نفس الأخطاء، لأن المشكلة الأصلية لم تعالج، مشكلة وجود البديل، من يصلح بديل؟ إن تنظر للأمر تجد أنه لا يوجد من يصلح كبديل لا فرادى ولا مجتمعين.

 

الحل الوحيد لإكمال مسار الثوره وتحقيق أهدافها هو أن ينمي كل أبناء الثورة أنفسهم أن يكونوا كيانات لها مضمون ولها قبول شعبي حقيقي، أن يكون هناك مسار حقيقي، بالتوازي مع نزول الشارع للتظاهر إن تطلب الأمر لذلك “وأن يظلوا محافظين على روح الثورة ومبادئها، ومن ثم تحصد ثمار ذلك بعد فترة من الزمن”.

دعونا نرى الشمس كما هي شمس، المواطن المصري فاض به الكيل، وعاد لا يحتمل لا هذا ولا ذاك، ولا يستطيع أن يظل متابعًا يوميًّا للأحداث السياسية ولا أن يظل ثائرًا أبد الدهر، حتى إن المواطن المصري أصلاً مدرّب ليعيش في أسوأ الظروف بلا تذمر، تعود على التكيف وعلى الحياة حتى إنه ظن في النهاية أنه أخطأ في الخروج عن مسار حياته اليومية المعتادة “ليثور”.

 

أنا لا أهاجم الحركة، ولا أرفض التوحد، بل أنا على يقين من أنه لا بديل عن التوحد، ولكن بفهم حقيقي ووعي حقيقي، أخشى أن نبدو كالمصابين بمرض التوحد والذي هو باختصار: “يتميز بوجود ثلاثة أعراض محددة، وليس أحد الأعراض فقط، ضعف في التفاعل الاجتماعي، وضعف في التواصل، واهتمامات وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة”.

 

لا تيأسوا، الفكرة مستمرة، ولكن غيروا ما بأنفسكم أولاً ليعينكم الله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد