إن المتابع للبرامج الرمضانية التي تبث على القنوات الجزائرية الخاصة مهنا والعمومية، لا بد من أن يشده مسلسل «أولاد الحلال» والذي يبث على قناة الشروق، هذا الأخير الذي تم تصويره في مدينة الباهية وهران، والتي هي باهية بعلمائها، أعلامها ومساجدها.
إن مسألة الحداثة والتي قد تم تكريسها في هذا الفيلم الدرامي بامتياز وتجسيد معانيها وأبرز مرتكزاتها من خلال هاته السلسلة، فالقضية هنا أعمق من أن تكون مجرد مسلسل درامي بريء، والمسألة أعقد من أن تكون إنتاجًا فنيًا عالي الجودة، خليًا من المعاني، بل بالعكس فجودة الإنتاج ومستواه العالي والإحترافي جذبًا عددًا غير يسير من المشاهدين، بحيث فاق المليونين مشاهد في أقل من 24 ساعة (حسب إحصائيات «يوتيوب»).
لكنني وددت لو أن عشر المشاهدين على الأقل المبهوتين، يمارسون سياسة التحليل خلال تعاطيهم مع هذا المنتج الإعلامي وغيره من الإنتاجات، وينتهجون المنهج القويم في التعامل مع هاته السموم الحداثية، فالفيلم الذي شد ألباب الكثير من الناس يرسخ صورًا إدراكية خطيرة لمواصفات أولاد لحلال – حسيهم – تطبع في ذهن الفرد على أن احتساء الخمر قضية حلال ولتكن حرية شخصية في الاحتساء داخل البيوت، ولا حرج في التدخين وكثرة استهلاك السجائر فهي دليل على «رجلة» أولاد الحلال، دون نسيان المحور الأساسي في الصفات والذي منح للشقيقين الحق في سلب أموال الأثرياء الظالمين للعمال والناس وتوزيعها على الفقراء دون حسيب أو رقيب وكأننا في أحدى المناطق تحت سلطة مافيا المخدرات الذي يعرف باسم بابلو إيسكوبار، بالإضافة إلى الدعوة العلنية لتأسيس مجتمع حداثي متفشخ من خلال تمرير فكرة الجنس بقالب أن لا عيب في طلب المتعة من النساء، وكذا تحرر المرأة وترجلها، الأمر الذي يجعل منها ذات رمزية – حسبهم – في مظر المجتمع، وكذلك زوال مبدأ الحرمة بين الرجل والمرأة.
إن المشاهد الصادمة للعقل السوي المسجلة من خلال هذا الفيلم، لا يمكن تجاوزها ولا يمكن التغافل عنها، فتكريس عقلية الرجل الخارق (super man) والتي كانت واضحة بشكل جلي من خلال حلقات المسلسل، بحيث وكأن هناك من منح لزينو والمرزاق وهما الشخصيتان الرئيستان تكليفًا إلهيًا لإحلال العدالة في هذا العالم، لكن على الطريقة الهوليودية ولنقل إنهم عالجوا الظلم بالظلم بحيث إن حجتهم باطلة فقد ذكروا أنهم يسرقون الأغنياء الذين يظلمون الفقراء، وهذا مما لا يحق لهم التدخل فيه أصلًا.
إنني أوجه هاته الكلمات للكبار قبل الصغار بحيث أنهم من المفترض أرشد وإلى الوعي أقرب، لا تعجبوا إن وجدتم يومًا ما أبناءكم وبناتكم يسمون أنواع الخمور ويحتسونها احتسائهم للماء، وتشهدون أنهم يدخنون تبغًا وحشيشًا دون استطاعتكم مساعدتهم، وتعايشونهم وهم يفككون أسرهم بمعاشترهم النساء في فرح وسرور وأنتم تفكرون في حل للمعضلة فلا تقدرون على التفكير أصلًا، وترونهم وهم يقادون إلى غيابات السجون اقتيادًا ليس لسبب إلا أنهم تورطوا في قضايا تزوير وابتزاز وتواطأوا على نهب للأموال بغير وجه حق، أليس الأخوان من روجا لهذا؟ أليسا من أديا الدور بإتقان وسحرا معهما المئات، بل الآلاف من الناس؟
أعتقد أن الواجب هو محاربة هذه السفالة ووضع حد لهذا الانتاج البراق المظهر الرديء المحتوى ليس إلا لأنه يشكل خطرًا على هوية الجزائريين وعلى المفاهيم الإسلامية، بل يحاربها حربًا صريحة، لذا وجب أخذ الحيطة والحذر، بل المسارعة إلى وقف هاته الفتنة التي ستعصف بالمجتمع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست