بداية لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم الدولة المحورية يعني أنها تتمتع بالقوة النسبية مقارنة بجيرانها، ولعل هذه القوة هي التي تسمح لها بممارسة النفوذ على الدول الأخرى، بل والتأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، إلا أنها بهذا المعنى قد تتناقض مع مفهوم الدولة المهيمنة التي ترى نفسها دولة قوية وقادرة علي إرساء القانون في الإقليم من خلال تفاعلات الهيمنة، أما الدولة المحورية فهي تعمل في إطار صالح الإقليم، وبالتعاون مع الآخرين من خلال إقامة شراكات مع جيرانها، فضلاً عن أنها تلعب دورًا مهمًا في بناء التكوينات والتجمعات الإقليمية، كما إنها تؤثر في جيرانها من خلال شبكة واسعة من الروابط السياسية والاقتصادية.

فضلاً عن أن هناك العديد من المفاهيم التي ارتبطت بمفهوم الدولة المحورية كمفهوم قائد التكامل الإقليمي أو المبادر الإقليمي، إلا أن لكل منها أساسيات واشتراطات تختلف عن غيرها نسبيًا، فالدولة المحورية تستند بالأساس إلى مجموعة من المقومات الرئيسة التي يجب أن تتمتع بها أي دولة تسعى إلى لعب هذا الدور منها المبادرة والقدرة على طرح المبادرات السياسية والإمكانات الاقتصادية المؤثرة باعتبارها الأساس الذي يستند عليه أي دور محوري مؤثر، بالإضافة إلى التمتع بشبكة من العلاقات الإقليمية الدولية الجيدة، وأن تكون الأساس والمحرك لأي ترتيبات سياسية وعسكرية في الإقليم.

وبقدر تعلق الأمر بإقليم الشرق الأوسط فقد شهد الكثير من النماذج التي عبّرت عن نفسها في كل مرحلة من المراحل التي مر بها هذا الإقليم سواء فيما يتعلق بالعلاقات العربية – العربية أو العلاقات العربية – الإقليمية أو حتى الدولية، ولا بد من الإشارة إلى أن الأساس الذي تستند عليه أي دولة في لعب دور محوري هو أن يحظى هذا الدور بمقبولية دولية على اعتبار أن فاعلية أي دور محوري لا بد وأن يحفظ مصالح القوى العظمى والكبرى في إقليم الشرق الأوسط، وأن يكون الأساس الذي تستند عليه الإستراتيجيات الدولية. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية شهد إقليم الشرق الأوسط الكثير من التقاليد السياسية التي عبّرت في مجملها عن الرغبة والطموح في لعب دور محوري مؤثر.

فقد كان العراق ومن بعده مصر من الساعين إلى أخذ زمام المبادرة خصوصًا في إطار جامعة الدول العربية ومن ثم انفراد مصر بأداء هذا الدور في عهد الرئيس جمال عبد الناصر مستغلة إرثها التاريخي والبعد الثوري الذي أحدثته في فترة الخمسينات والستينات سواء في إطار الجامعة العربية أو حركة عدم الانحياز إلا أن هذا الدور لم يستمر كثيرًا لاصطدامه مع المصالح الدولية وبالذات الأمريكية، وهنا طرحت السعودية وإيران نفسيهما كبدائل عملية مستغلين حالة الفراغ السياسي الذي أحدثه احتواء الدور المصري وذلك من خلال سياسة الركائز وتوسيع قاعدة الأحلاف الإقليمية، بالإضافة إلى ذلك سعت كل من تركيا والجزائر والأردن وقطر إلى لعب هذا الدور مع الأخذ بنظر الاعتبار أن فاعلية أداء هذا الدور تفاوتت حسب الأداة والإمكانية والإستراتيجية السياسية المتبعة لأدائه.

ومما تقدم لا بد من القول أن إقليم الشرق الأوسط يتميز عن غيره من الأقاليم بكثرة الفواعل الإقليميين، ويرجع ذلك إلى طبيعة أزمات وعلاقات الشرق الأوسط المعقدة والمتشابكة مما يفسح المجال للحديث عن دول محورية يكون دور كل منها مكملاً لدور الأخرى، وذلك من خلال المشاركة في طرح رؤية سياسية موحدة قائمة على أساس المصالح المشتركة وهذا يعني التحول من مفهوم الدولة المحورية إلى مفهوم الدول المحورية، والسبب في ذلك اقتناع الجميع أنه من الصعب أن تنفرد دولة واحدة في تصدر المشهد الإقليمي المعقد فضلاً عن أن أزمات الشرق الأوسط أصبحت أزمات دولية أكثر من كونها أزمات إقليمية مما يستدعي العمل الإقليمي – الدولي المتكامل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد