البامبو أو الخيزران هو نوع من الأعشاب العملاقة يستخدم في صناعة الورق وبعض قطع الأثاث البسيطة الأشبه بالخوص فضلًا عن استخدامات أخرى مثل صناعة الرماح وآلة موسيقية جميلة تشبه الناي، وأخيرًا ويا للعجب يستخدمه البعض في إعداد طبق مختلف من الحساء.
والخيزران سهل الزراعة والاستزراع، فيمكن للزُرّاع قص سوقِه وزراعتها مجددًا في مكان آخر وفق شروط معينة في التربة والبيئة الزراعية، وهو سريع النمو جدًا إذ تنمو بعض أنواعه بمعدل 90 سم في اليوم، بينما يصل نمو بعضها الآخر إلى 100 سم في اليوم الواحد. وبرغم قدرة الخيزران أو البامبو على النمو في بيئة أخرى، لكنه لا يستطيع ذلك إن اختلفت البيئة والظروف المناخية تمامًا، لكن قد تظل سيقانه محتفظة بشكلها وكأنها نبتة من نباتات الزينة أو قطعة أثاث خشبية مجوفة.
في رواية ساق البامبو، يُسقِط سعود السنعوسي الروائي الكويتي الشاب كل ما يعرفه من حقائق علمية عن نبات البامبو على الواقع الأليم لوطننا العربي المسلم في شخصية هوزيه بطله المغترب على الدوام. هوزيه أو عيسى مغترب في وطن أمه حيث نشأ وتربى وشعر بالانتماء، لكنه في نظر من حوله كان “arabo” أو عربي الملامح بالنسبة لكثير منهم، وهو مغترب أيضًا في وطن أبيه الذي ذهب إليه بعدما أصبح شابًا باحثًا عن وطن وأهل وأب لم يره فكان في نظرهم غريبًا فلبينيًا شبيهًا بأمه.
فازت رواية “ساق البامبو” بالجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2013، وهي تستحق ذلك بصدق، فالرواية – التي تسجل لنا العديد من الأحداث التاريخية التي مرت بها الكويت قبل دخول العراق لأرضها ووصولًا إلى ما بعد تحرير الكويت بسنوات طوال، بالإضافة إلى تاريخ نضال الفلبين من أجل حريتها وانتهاء الاستعمار وصور من حياة مفكرها الأعظم خوسيه ريزال- تكشف الغطاء عن عوراتنا الفكرية والدينية والمجتمعية.
استطاع سعود السنعوسي أن يقدم لقرائه حبكة رائعة البناء والعمق مع ألفاظ قوية ومعاني مؤلمة تطرح سؤال الهوية في بلادنا العربية المسلمة، فيدرك القارئ في النهاية مدى صدق مقولة الإمام محمد عبده التي قالها من أكثر من 100 عام وما زالت شديدة الصدق “رأيت في الغرب إسلامًا بلا مسلمين ورأيت في ديار الإسلام مسلمين بلا إسلام.”
في الأجزاء الأولى من الرواية، يتجلى لك صراع هوزيه في البحث عن هويته ونفسه، فهو هوزيه في بلاد أمه وعيسى في بلاد أبيه ولا يدري بحق إلى من ينتمي إلى الكويت أم الفلبين، إلى المسيحية أم البوذية أم الإسلام. أما في الأجزاء الأخيرة من الرواية فيظهر لك جليًّا قبح مجتمعاتنا وبشاعتها وعنصريتها في التعامل مع الآخر، وسط مظاهر دينية فارغة من جوهرها ومراد الله منها والإسلام منّا براء. يكشف السنعوسي ذلك الزيف الذي نعيش فيه عبر تشريحه لمجتمع الكويت وأسرة الطاروف الثرية التي تخشى من معرفة المجتمع العاجي الذي يعيشون فيها لحقيقة وجود حفيد من ولدهم المتوفى وزواجه من الخادمة الفلبينية، ذلك الخوف الذي يستطيع أن يجعلهم يمنعون عيسى حقه الإنساني والمادي بلا أي وازع ديني برغم صلاة وصيام وذكر.
ومن جميل دقة السنعوسي اختياره للأسماء، فالطاروف كلمة عامية كويتية تعني شباك الصيد، وهو ربما دلالة على ما سيواجهه هوزيه من شراسة مجتمعية. نعم هكذا تواطأ الجميع بدءًا من الجدة القاسية ورفضها له منذ البداية، والعمات كلهن سواءً تلك الطيبة التي تعرف أنهن يظلمونه، أو القاسية التي تتعمد إهانته على الدوام، أو تلك المنتمية لمنظمات حقوق الإنسان والتي ترفع يدها عن مساندة ابن شقيقها والخادمة الفلبينية لأنها لا تريد الفضيحة والعار وتسعى للفوز بالانتخابات. وحدها أخته كانت تدعمه وإن كان ضعفها يؤول دون تحقيق شيء يذكر لأخيها، وربما بعض مساندة من صديق والده الذي يشعر به بسبب معاناته هو أيضًا.
والقارئ الذكي يدرك جيدًا أننا العرب جميعًا كذلك، وأن الحديث عن المجتمع الكويتي ما هو إلا مجرد ذرة في غبار يتراكم على عقولنا وقلوبنا منذ أعوام طويلة جاهلين حينًا ومتناسين أحيانًا كل ما يأمرنا به الدين والإنسانية.
وسط تلك الرواية، يستعرض الكاتب قضايا أخرى ليست فرعية أو أقل أهمية مثل حقوق العمالة الأجنبية في الدول العربية، وعادات المجتمع الكويتي والتي تشبه عادات معظم الدول العربية، ومأساة البدون، والحياة السياسية ومشاركة المرأة فيها، ولكنها تظل قضايا تابعة للقضية الكبرى وهي احترام الآخر وإنهاء العنصرية.
هل تظن أنك لست ظالمًا؟ هل تظنين أنك لست عنصرية؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست