تنتشر في هذه الأيام.. أخبار وتسريبات، وتلميحات إعلامية، بأن ثمة رغبة لدى ما يُسمى المجتمع الدولي، لنزع بشار من السلطة، وإحلال شخصًا آخر محله.

وقد بدءوا بتجهيزه، وتحضيره، وتلميعه، أمام أنظار السوريين، وأمام الرأي العام، وخاصة بعد اللقاء الثلاثي في الدوحة، وبعد المقابلة التلفازية مع رياض حجاب، الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء سوريا في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، ثم ترك منصبه، وخرج هاربًا من سوريا في الخفاء، ليلتحق بركب الثورة؛ كما يزعم.

والسؤال الكبير جدًا، والمهم جدًّا، الذي يجب على السوريين جميعًا، أن يسألوه لأنفسهم، أو لغيرهم، هل إذا تم إزالة بشار فقط من الرئاسة، دون المساس بأركان النظام، ودون المساس بالذين يُحركونه، ويوجهونه، ويأمرونه.. ووُضِعَ شخص آخر، وليكن مثلًا: رياض حجاب أو سواه، هل سيسود الأمن والسلام والحرية، ربوع سورية؟

وهل سيرجع المهجرون، والنازحون إلى بيوتهم؟وهل سيستطيع هذا الرئيس الجديد؛ سواء لفترة انتقالية مؤقتة أو لبضع سنوات، أن يسيطر على أجهزة المخابرات، والجيش، والأجهزة التي تتحكم بمفاصل الدولة؟

فبالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة، وبالرغم من انكشاف كثير من الحقائق كانت مخفية سابقًا، ومحجوبة عن أعين الناس.

وبالرغم من فضح كثير من الأمور، التي كان عوام الناس يجهلونها، بسبب الران الذي كان يغطي على قلوبهم، ويعمي بصيرتهم، ومن هذا العَمَه، يعتقد بعضهم أن رحيل الأسد فقط عن السلطة، يحقق مطالب الثورة.

ويظن بعضهم أنه إذا أُجبر  على الرحيل وحده، ستنتصر الثورة، وتنعم البلاد بالحرية، ويعيش الناس أحرارًا، بأمان وسلام، إنها فكرة خبيثة، ماكرة، شيطانية، تروج لها معظم وسائل الإعلام، وتسوقها، وتزينها للدهماء، على أنها الحل لإيقاف نزيف الدم.

مجموعة من الحقائق المهمة

أريد في هذه الرسالة أن أبين الحقائق التالية:

1- إن بشار، منذ أن وُضع على سدة الحكم ملكًا على سوريا، خلفًا لأبيه الهالك حافظ منذ عشرين سنة، ما كان إلا عبارةً عن دمية، ودريئة للعصابة الحاكمة الفعلية، كي تبقى مرتبطة به، وتديره في الجهة التي تريد!

2- وقد كتبت عدة مقالات عقب توريثه الحكم مباشرة، ونشرتها في عدة مواقع، والتي كانت قليلة جدًا، في ذلك الوقت، قبل ظهور العم جوجل وإخوته، وقد بينت وشرحت للناس حقيقة بشار، وحقيقة الوضع في سوريا تمامًا، وطلبت منهم ألا ينخدعوا به، وألا يصدقوا وعوده، لأنه أتفه، وأصغر، وأدنى من أن يملك نفسه، وأعجز من أن يفيَ بوعوده.

3- ولقد أعدوا لبشار – الذي يحب الانتفاخ، والانتفاش، والتظاهر بالعنتريات – قسمًا يحلفه أمام الناس، حين تنصيبه على العرش. فيه تعهد، ووعود بتغيير الوضع، وإطلاق الحريات، والعمل على إصلاح الفساد.

4- علمًا بأن هذا القسم.. لو كان هو والذين كتبوه يعقلون، ما كتبوه، لأن فيه تأكيد، وتوثيق، وإثبات للتهمة التي كانت تلاحق أباه حتى القبر، على أنه كان فاسدًا ولكنهم لا يعقلون.

5- بسبب القهر الشديد، والاستبداد الفظيع، والضغط الكبير، الذي كان يمارسه أبوه على الناس، فقد صدقوا – للأسف – هذا الغلام، واستبشروا به خيرًا، على اعتبار أنه شاب، ظنوا – بسبب طيبتهم وبساطتهم – أنه لربما يختلف عن أبيه، وعلى مبدأ (الغريق يتعلق بقشة)، وانطلقوا بكل سذاجة، وسطحية، يتكلمون بحرية، وشكلوا ما يسمى (ربيع دمشق)، الذي تحول سريعًا إلى زمهرير، وصقيع، وملأ السجون بالأحرار.

6- وبعد انطلاق الثورة في منتصف آذار 2011، تأكدت هذه المعلومات، وخاصة بعد لقاءاته المتكررة، مع ممثلي المحافظات، الذين صرحوا وعلى العلن، أن تصرفاته معهم كانت صبيانية، بكل معنى الكلمة، حتى أن النساء العجائز من أقربائه، مثل أمه وخالته – كما قال لهم حرفيًًّا – كن يسيطرن عليه، ويأمرنه أن يعمل حسب مزاجهن، وهواهن.

7- ومرت الأيام، وبدأت تتكشف حقيقة سيطرة النظام الإيراني، والمليشيات الشيعية على بشار، إضافة إلى أجهزة مخابراته، بل أصبح النظام الإيراني، هو المتحكم الفعلي بقرارات النظام الأسدي، وظهر ذلك جليًًّا، واضحًا من خلال تواصله مع الثوار، وإجراء صفقات إطلاق سجناء إيرانيين، أو شيعة دون الاهتمام، أو المبالاة بالسجناء النصيريين من طائفته، أو الموالين للنظام، وكذلك إجراء اتفاقيات الهدنة معهم.

8- وأخيراً أصبح الروس هم المسيطرون، والمتحكمون فعليًًّا ببشار، وبسوريا كلها، وبالنظام الإيراني، والمليشيات الشيعية، وأصبح بشار مثل الخادم المطيع لسيده الروسي، لا يملك من الأمر شيئًا

9- وحتى لو – جدلًا – بُعث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من قبره، وطُلب منه أن يحكم سوريا، بدلًا من بشار، أو جاء رجل مثله، في صفاته، وسلوكه، ودينه، وشدته، وحزمه، فإنه سوف يعجز عجزًا كاملًا عن السيطرة على سوريا، في حال بقاء أركان النظام، من مخابرات، وجيش طائفي، وبلطجية، أو ما يُطلق عليه في سورية شبيحة.

10- أليس فيما حدث في مصر، قبل عشر سنوات، حينما أجبر الجيش، حسني فقط – دون المساس بأركان النظام – على التنحي عن الرئاسة، وفرح المصريون وقتئذٍ، وهللوا وكبروا، ورقصوا في ساحة التحرير، وبعضهم ذرفت عيونهم الدمع أنهارًا وأنهارًا، من الفرح، والطرب. وماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟ جاء إلى الحكم عسكري يُدعى السيسي، فكان أسوأ منه ملايين المرات. أليس في هذا عبرة للسوريين، وموعظة، وذكرى؟ لو كانوا يعقلون.

إذا كانت هذه هي الحقائق، والوقائع على الأرض، والتي أصبحت مكشوفة، ومعروفة للجميع.

فإن بقاء بشار في السلطة، أو رحيله، أو إزالته، سيان. إذا بقي الداعمون له، والآمرون له، والمحركون له، كما هم دون أن يرحلوا معه. فهو أصلًا ليس له قيمة، ولا تأثير، إنما هو عبارة عن دمية، أو ما يسمى بالعامية أراجوز، وبالتركية قره قوز، وتعني بالعربية «ذو العين السوداء».

بل حتى أكثر من ذلك. لو طُلب من المعارضة، تشكيل حكومة من أعضائها فقط ، وليست مشاركة مع النظام – كما كان يطلب الصليبي مستورا – وتم تعيين رئيس جمهورية من المعارضة، بدلًا من بشار، وأُعطيت لهم صلاحيات بشار، وبقيت المخابرات كما هي.

لا تغيير في سوريا، إذا قُطع الذنب وبقي الجسم بكامل أعضائه.

فلن يتغير في الأمر شيء، ولن يجرؤ وزير، أو رئيس الجمهورية، على إصدار أي أمر دون استشارة المخابرات، ودون موافقتها، وإذا صدر فلن يُنفذ، وعسكري ذو مرتبة متدنية عريف أو أقل، يستطيع أن يأمر أي وزير، أو يعترض على أمره.

وأكبر شاهد ودليل على ذلك. ويدركه كل من عاصر الانقلاب الأسود في 8 مارس (آذار) 1963 يعرف أن أمين الحافظ، كان رئيس الجمهورية حتى الانقلاب الثاني في شباط 1966، وما كان يستطيع أن يمون حتى على نفسه، وكانوا يسخرون منه، ويستهزءون به، ولقبوه  عليه  بـ«أبو عبده الجحش»، وأن الذي كان يحكم البلاد من وراء ستار، هو حافظ الأسد، وصلاح جديد. وبعد انقلاب فبراير (شباط) 1966 جاءوا بنور الدين أتاسي. وهو من ذراري المسلمين أيضًا، ونصبوه رئيسًا للجمهورية، ولكنه ما كان إلا دمية، وصورة (لا يحل ولا يربط).

وأخيرًا بعد أن اطمأن، وتأكد الماكر، والداهية، حافظ من هيمنته، وسيطرته على كل مفاصل البلد، قام بانقلابه الأسود في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، وتنكر حتى لأعز رفاقه. ومنهم صلاح جديد، وألقى بهم في السجن حتى ماتوا فيه، وحكم البلاد بالحديد والنار.

من الذي شكل المخابرات بكافة فروعها؟

وهو الذي شكل، وكون أجهزة المخابرات، وأعطاها الصلاحيات الواسعة، والمطلقة في خنق الشعب، والضرب من حديد بكل وحشية، وغلظة، واستخفاف بأرواح الناس، وقتل أي شخص يحاول التمرد عليه، أو الخروج عن طاعته.

وهذا الذي حدث من بداية الثورة، ولا يزال يحدث، وسيستمر في ابخدوث، سواءً كان بشار موجودًا، أو غير موجود..

لأن الذي يحكم البلاد هي المخابرات، وليس بشار. والذين يقبلون بتشكيل حكومة مشتركة مع النظام، أو من المعارضة كاملة، ومعها كل صلاحيات بشار. ويقبلون ببقاء المخابرات والجيش، أو تطعيمهما، كأن الثورة لم تقم،  هم خونة لآلاف الشهداء، وآلاف المعتقلين، وآلاف الجرحى، وملايين المهجرين.  مع تقديرنا الشديد، وإدراكنا للسبب الجوهري – وهو معاناتهم الشديدة، وآلامهم المبرحة – التي تدفع الناس إلى القبول بأي حل، تؤدي إلى الخلاص من بشار، مهما كان، ولكنه ليس حلًا، بل تدميرًا، وهلاكًا.

والخلاصة

الخلاص من بشار لوحده – هذا إن حدث – ليس هو الحل لسوريا البتة، وإنما الحل الصحيح، هو الإصرار على اقتلاع جذور بشار وزبانيته وجنوده أجمعين، والصبر حتى يتحقق هذا الهدف، الذي لأجله قامت الثورة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد