أزمة الوعي

ربما كانت زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لدمشق، واللقاء الحار الذي جمعه مع بشار الأسد، خطوة مفاجئة للكثير من المتابعين والناشطين السياسيين والثائرين على نظام الأسد، باعتبار أن الزيارة المعلنة للبشير ولقائه مع رأس النظام في دمشق يعبر عن موقفٍ يتنافى مع مسلمات الأخلاق السياسية، ويسهم بشكل أو بآخر في إعادة تأهيل نظام قمعي دموي مجرم، لم يتورع في يوم من الأيام عن استعمال أسلحة الدمار الشامل في سبيل سحق ثورة شعبية أجمع العالم على أحقية مطالبها ونبل شعاراتها.

لكن السؤال العميق الذي يحاصر الثائر العربي عامة والسوري بشكل خاص، هل السقوط الأخلاقي للأنظمة العربية يبدأ من مجرد إعادتهم لفتح العلاقات السياسية العلنية مع نظام الأسد؟

هل مجرد أن تقف بعض الحكومات العربية ضد نظام بشار الأسد، لأسباب خاصة لا تتعلق بمطالب الشعب السوري الثائر، هل مجرد ذلك يجعل من هذه الأنظمة أنظمة أخلاقية مناصرة للشعب السوري حليفة لثورته، وهي في الوقت نفس تمارس كل أساليب القمع والإرهاب ومصادرة الرأي وإبادة معارضيها في سبيل تأبيد سلطتها واستدامة حكمها.

إن البشير وغيره من زعماء العرب المتهافتين على فتح العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ما هم إلا دُمى و كركوزاتٍ يتحكم بها الفاعل الأمريكي تارة واللاعب الروسي تارة، والروسي يشعر اليوم بأن نظام الأسد فاقد للاعتراف السياسي بعد كل ما حققه على الأرض بمساعدة حليفه الروسي والإيراني عسكريًّا، والأمريكي يمنع الأنظمة العربية من التعامل السياسي مع الأسد، إلى أن تقوم موسكو بإخضاع الأسد للحل وفق الرؤية الأمريكية ، لذلك جاءت زيارة البشير تلبية خالصة للرغبة الروسية باعتبارها رسالة موجهة للأمريكان أننا قادرون على فك الحصار السياسي عن الأسد.

وإلا فما هي المصلحة السودانية من وراء زيارة البشير لنظام الأسد المعزول، هي سينقل تجربته الإجرامية في سحق ثورات الشعب بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي؟!

هل سيكسر البشير العزلة السياسية عن نفسه، هل يعقل أنها في الوقت الذي يرسل جيشه إلى اليمن لقتال الحوثي رجل إيران في اليمن، يأتي ليعانق رجل إيران في دمشق.

ربما لو تم تدوير المسألة والسؤال لتبين لنا الخلل الأخلاقي عند بعض الثائرين الذين يرون حق الحرية والعدالة منوط بحدود جغرافيا قطره ووطنه، ولا يهمه ما يحدث من قمع وتشريد وإرهاب وسحق للشعوب المجاورة لنا والتي ترزح تحت أنظمة قمعية لا تختلف في وحشيتها وإرهابها عن نظام الأسد.

إن النظرة إلى الحرية والعدالة والديمقراطية على أنها قيمة تقبل الخصخصة والنسبية، بعيدًا عن طبيعتها الإنسانية لا تختلف عن نظرة الغرب لقيمة الحرية والديمقراطية حينما يدافع عنها بشدة داخل حدوده، ويوفرها لشعوبه وبلاده، وبالوقت نفسه لا يأبه لدعم أنظمة ديكتاتورية مافيوية في سبيل تحقيق مصاله المادية معها.

إن المعيار الذي يجب أن يحكم نظرتنا وتقيمنا لهذه الأنظمة المتهافتة على حذاء الأسد اليوم، ليس مواقفها العابرة المنددة بإجرام الأسد وإنما قيمها السياسية والأخلاقية التي تحكم علاقتها بشعوبها وتؤمن بها، لأن الحرية والعدالة قيم إنسانية لا يمكن أن ننظر لها بالعين العوراء، نتغاضى فيها عن مستبد ونفتح عيننا فيها على مستبد آخر.

ربما تتفهم المواقف السياسية من بعض السياسيين في السكوت عن هذه الأنظمة، تبعًا للمصالح والمفاسد التي تأتي من التعامل الأخلاقي مع هذه الأنظمة ، لكنه لا يقبل من الثائر أن يتعامل مع المستبدين بنفس أسلوب السياسيين.

وهنا معادلة يجب أن نعيها تمامًا:

وهي أن الأنظمة المستبدة عندما تقف ضد بعضها، وتدعم المعارضين نكاية ببعضها، لا يعني ذلك أنها مؤمنة بقضايا الشعوب الثائرة التائقة للحرية والعدالة، أو أنها تقف مع ثورات الحرية والكرامة.

وإن الأنظمة الاستبدادية عندما تعود إلى وصل حبال علاقاتها المقطوعة علانية، فلا يعني ذلك أنها خانة قضايانا ومطالبنا في الحرية والكرامة، وإنما بسبب انتهاء العارض لتلك الخلافات.

لذلك أقول إن خلافات الأنظمة العربية القمعية مع نظام الأسد في الماضي، و حل خلافاتها معه اليوم، لا تعكس أزمة أخلاقية في سياسة هذه الأنظمة المتشابهة في إجرامها وقمعها.

لكنها تعكس أزمة وعي لدى الثائر العربي الذي ربما يخدع ببعض المواقف اللحظية المصلحية من هذه الأنظمة فيتوهم أنها فعلًا تقف معه من منطلق الشعور الأخلاقي والإنساني.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد