مع زيادة المد الإسلامي وفتح مساحات للتيار الديني للتعامل والتفاعل مع المجتمع سرعان ما بدأت علامات التأثير ومظاهر التدين في الظهور، والتي كان أبرزها إقبال الشباب على الالتزام والمساجد وارتداء النساء للحجاب.

دخلت أحد (الكافيهات) الأسبوع الماضي فوجدت في الركن الخاص بالمدخنين سيدتين محجبتين لكنهما تدخنان، بدا الأمر غريبًا في أوله ما استدعى مني مراقبتهما لفترة في محاولة لتفسير تلك الظاهرة التي ﻻ أراها شخصيًّا كثيرًا، لكني سرعان ما تذكرت أن الحجاب أصبح زيًّا مجتمعيًّا أكثر منه مظهرًا من مظاهر التدين، وأن صورة الحجاب مع الجينز أصبحت الأكثر انتشارًا وتذكرت قول عادل إمام الساخر “هي من فوق (مأنتمة) مع عمرو خالد، ومن تحت (مأنتمة) مع عمرو دياب” في إشارة إلى الصورة الغريبة للحجاب مع الجينز.

الحجاب الذي كاد أن يختفي على أيدي رجال ونساء الفكر والمجتمع المتأثرين بالحضارة الأوروبية والداعين والمنظرين لما أسموه حرية المرأة عاد مع الثمانينيات وما بعدها بقوة وبسرعة كبيرة في الانتشار إلى الحد الذي أصبح مظهرًا أصيلًا من مظاهر المجتمع، وأصبح اتخاذ قرار بخلعه ليس سهل المنال ويتطلب مواجهة مع المجتمع غالبًا ما تكون تكلفتها غالية من خسارة علاقات اجتماعية ونظرة المجتمع إلى تلك المرأة، الأمر الذي دفع كثير من النساء إلى الالتزام بالحجاب (غطاء الرأس) مظهرًا فقط، بل وإلى اقترانه بالجينز أو حتى التدخين، مما أفقده روحه ومعناه الأصيل.

مع انطلاق دعوة أحد الكتاب المؤيدين للسلطة العسكرية نساء مصر إلى خلع الحجاب كنوع من الاعتراض في نظره على الثقافة الإسلامية التي روج لها التيار الديني، والتخلي عن مظاهر الرجعية كما عبر، احتفت به الصحف وسارعت إلى نشر تصريحاته، لكن أيضًا التيار الإسلامي سارع إلى نشر تصريحاته ودعوته واعتبرها تعبيرًا عن وجه السلطة العسكرية المعادي للدين، ربما تناسى هؤلاء أن السلطة ليس لديها ما يمنع من التحالف مع السلفيين والأزهر والصوفيين إن أذعنوا لها وحولوا قبلتهم إليها، كما أنه سيطارد ويعتقل عتاة العلمانيين إن اعترضوا عليها أو هتف بصوته ضدها، فالسلطة العسكرية ﻻ يفرق معها إيمان الناس وكفرهم وﻻ ارتداء النساء الحجاب أو خلعه ما دام الناس مقهورين لها، بل لسوء حظ هؤلاء فزوجة الجنرال على غير عادة حكامنا ترتدي نفس الحجاب الذي تحدثنا عن وصفه، بينما يعتقل النظام فتيات غير محجبات فقط لأنهن تجرأن بالهتاف ضد زعيمهم الملهم أو أي من قوانينه، فميزان السلطة هي درجة الإذعان والانقياد له ﻻ درجة الالتزام والتدين.

ما يبدو من ممارسات النظام ضد شعائر وثوابت الإسلام يمكن تفسيره بأن التيار الغالب من مناهضيه ينطلقون من مرجعية وشعارات إسلامية، كما أننا لا نغفل المحاولات المستمرة من متطرفي العلمانيين استثمار حالة العداء بين النظام والإخوان وحالة الشحن الإعلامي المستمرة ضد مظاهر الالتزام الديني المستمرة منذ انقلاب 3 يوليو في طرح أفكارهم ومحاولة تطبيقها.

على الحركة الإسلامية أن ترشد من خطابها الديني تجاه السلطة، وأن تدرك أن جريمة السلطة الأكبر هي الاستبداد، وأن العداء لبعض مظاهر التدين لا تعدو كونه ضرورة من ضرورات هذا الاستبداد في مرحلة من المراحل، وأن السلطة العسكرية يمكن أن تتحول إلى سلطة دينية مستبدة إن تحول المتدينون إلى صفها وأذعنوا لها، وبدلًا من تخوين معارضيها ستكفرهم، شرط الحفاظ على استبدادها وسلطتها المطلقة على الناس.

على جانب آخر، ﻻ شك أن المظاهر تعبر عن مكنون النفس وأن الحركة الإسلامية ساهمت بجهد كبير في توجه النساء إلى الحجاب وإلى الالتزام، لكن الردة التي حدثت بعد ذلك تتطلب منا النظر في أسبابها وظروفها ودوافعها الحقيقية وطرق علاجها حتى لا تصدمنا مشاهد الحجاب المقترنة بالجينز والتدخين، أو مظاهر الصلاة والتدين الشخصي المقترنة بالتسلط على الناس وقهرهم والفساد في الأرض، وهو ما يناقض روح ومقاصد الإسلام وشعائره.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد