من المؤكد من لا يقرأ التاريخ ليتعظ فهو جاهل أما من يقرأ التاريخ فلا يتعظ فهو أحمق.
من المؤكد أن التاريخ ليس بضع قصص أو حكايات عابرة، فلا بد أن نتعلم من هذه القصص.
الفرعون:
تعارف الناس في العالم أجمع على أن فرعون هو لقب ملوك مصر القديمة، بل ربما لم يكن له من الرهبة ما كان لألقاب الملوك الأخرى فمثلًا لم يكن للقب كسرى رهبة لقب الفرعون، ولم يكن للقب “قيصر” رهبة لقب الفرعون والأمر ذاته مع لقب النجاشي “لقب ملوك الحبشة” حتى أن التوراة حينما تعارفت على الفراعنة الذين عاصروا أنبياء الله إبراهيم ويوسف وموسى تعارفت عليهم بلقب فرعون، وحينما تعارف القرآن على فرعون موسى بلقب الفرعون في حين أنه تعارف على الملك في عهد يوسف عليه السلام بلفظ الملك وتُرجع بعض الروايات أن في عهد نبي الله يوسف كان حكام مصر هم الهسكوس وليس الفراعنة لهذا نسبهم القرآن للقب “ملك”.
بينما حينما ذكر القرآن: “وفرعون ذي الأوتاد” ترى بعض الروايات أن فرعون ذا الأوتاد غير فرعون موسى إذ أن فرعون موسى ووفقًا لأغلب ما أتفق عليه العلماء كان رمسيس الثاني، وقد ذكرت بعض كتب التفسير أن تفسير لفظ الأوتاد تعني الأهرام، ولم يرد أن رمسيس الثاني بنى أي هرم في حياته.
سواءً اختلفنا أو اتفقنا مع دولة الفراعنة فقد نال لقب الفرعون المهابة وكان يُضرب به المثل وحتى عصرنا الحديث في القوة والبطش فما هي أسرار هذه الهيبة!!
إذا كنا نتخوف من “صناعة الفرعون” أو كنا نريد “إسقاط الفرعون” فمن البديهي والمنطقي أن نُحلل أسباب “انبعاث الفرعون”.
نبدأ بأسطورة مصر الفرعونية “تحتمس الثالث”:
من خبر رع، تحتمس الثالث (1425 ق.م.) الفرعون الأسطورة. سادس فراعنة الأسرة الثامنة عشر، ويعتبر أعظم حكام مصر وأحد أقوى الأباطرة في التاريخ، حيث أسس أول إمبراطورية مصرية في ذلك الوقت. ظلت تلك الإمبراطورية حتى نحو عام 1070 قبل الميلاد حتى عهد رمسيس الحادي عشر.
في الحديث عن تحتمس لا بد من ذكر عنصرين أساسيين لهيبة تحتمس:
١- قوته العسكرية.
٢- نفوذه وسيطرته السياسي.
1- قوته العسكرية:
بعد وفاة والده تحتمس الثاني توجت زوجة أبيه حتشبسوت واصية على العرش، ومن ثم أعلنت نفسها ولأول مرة في تاريخ مصر، بل وربما في تاريخ الشعوب تعلن مرأة نفسها حاكمًا على إمبراطورية كإمبراطورية الفراعنة.
في البداية أذعن تحتمس لأوامر زوجة أبيه والتي كانت تهتم بتمجيد اسمها والترفيه عن شعبها فما قامت به حتشبسوت من إقامة علاقات سلام وتبادل تجاري مع بلاد بونت ومع بلاد فينقيا جلب للبلاد الازدهار والرقي لمدة طويلة، ولكن الملك الصغير تحتمس كان له رأي آخر لم يُحب السلام الذي جلبته زوجة أبيه فتوجه لإشباع ميوله العسكرية، لقد اقتنع تحتمس وستثبت الأيام مزاعمه “أنه لم يؤمن قط بالسلام بل آمن بقوة السلاح ولهذا صب جام قدراته وتركيزه على الحصول على القوة والنفوذ العسكري ففي العصور القديمة”، وقد ثبت أن هذه القاعدة ممتدة حتى عصرنا هذا “كانت الغلبة للأقوى وليس للأعدل أو لمن يؤيد السلام!!
إذا أردت السلام فعليك أن تقتلعه بيديك. ومن هنا بدأت ملاحم تحتمس في مجده وهزيمة أمراء الشام وأمير قادش والتمثيل بجثث أعدائه حتى أنه صور عملية تمثيله بالأعداء في معبد الكرنك وعلى مسلته “الموجودة في إسطنبول في باحة مسجد السلطان أحمد” بهذه الصور والتصاوير أرعب تحتمس مخيلة أعدائه وخصوصًا القابعين بالجنوب في بلاد النوبة لقد آمن بالقوة وفرض حكمه واحترامه على العالم بالقوة.
٢- سطوته السياسية:
يخطئ من يظن أن تحتمس بسط نفوذه بالقوة فقط فقد كان الحاكم الأعلى والمطلق لمصر، استفرد بصنع القرار معززًا قوته بانتصاراته العسكرية، وقام بمحو ذكرى زوجة أبيه من المعابد والمسلات حتى أنه يُرجع البعض تخريب مقبرتها لتحتمس؛ في عهد كان المصريون القدماء يؤمنون بأن طريقك للعالم الآخر يبدأ بقبرك فإذا فقدت قبرك فقدت طريقك للعالم الآخر، أن يقيم الفرعون سطوته على تخريب أملاك من سبقه ستصبح قاعدة يُحتذى بها على مر العصور.
تمكن تحتمس عبر حكمه لأربع وخسمين سنة وهي مدة ستثبت الأيام أنه لم يتمتع بها أحد من ورثته إلا القليل.
رمسيس الثاني:
ربما يكون أشهر الفراعنة في مصر القديمة، بل حتى إن شهرته ربما تكون سبقت شهرة اعتمد رمسيس في فرض سلطته ونفوذه لأكثر من ٦٥ سنة كحاكم لإمبراطورية الفرعونية على ثلاث عناصر:
1- القوة العسكرية:
فرمسيس كتحتمس عرف أهمية القوة العسكرية فانصب لذلك اهتمامه على أن تعيش صورته في أذهان المصريين بصفته “القائد العسكري المحنك” ومن أشهر انتصاراته معركة، والتي ربما لا تكون هزيمة حقيقية!! فبعض المصادر تذكر أن ملك الحيثيين أعلن فوزه في معركة قادش وفي نفس الوقت أعلن رمسيس الأمر ذاته!! ولكن أغلب الدلائل تدل على أن رمسيس كان قائد عسكري مرموق.
2- القوة الإعلامية:
سعى رمسيس لأن يخلد في عقول الناس لهذا اهتم بأن يبني لنفسه المئات من التماثيل والعديد من المعابد، واهتم كثيرًا بإضفاء الهيبة والقداسة على نفسه في منحوتاته على جدران المعبد وفي تماثيله التي نُصبت في طرقات وأروقة طيبة وفي أشهر معابده “أبو سمبل”.
3- القوة الدينية:
ربما كان رمسيس كغيره من الفراعنة يؤمن بأنه ابن إله الشمس رع، وربما هذا ما جعله يضفي القداسة على نفسه، وبعد انتهاء معاركه وحروبه أيقن رمسيس أن عصر أسطورة الملك المحارب قد ولى وحان عصر الملك الإله!! لأول مرة في التاريخ ينصب ملك نفسه إلهًا فحتى ولو كان كما أعتقد الفراعنة أنه ابن إله الشمس، فهذا ما كان ليجلب له أي قداسة إضافية عن قداسة الفراعنة سابقيه لهذا ولأول مرة في التاريخ يبني ملك معبدًا لنفسه لعبادته كإله بل ويعين عددًا من الكهنة الذين يتمرسون في تقديم النذر والقرابين!!
أُعتبر رمسيس الفرعون الأقوى والأشهر وربما الأطول حكمًا في تاريخ مصر القديمة.
التاريخ ليس مجرد قصص وحكايات تُذكر، بل التاريخ يعيد نفسه وإذا لم نتعلم سيبعث بدل الفرعون ألف فرعون!!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست