الكتاب ولا شك مهم، ومرجع هام لأي مطلع أو مدافع عن حقوق المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وفاطمة المرنيسي التي غادرت دنيانا منذ بضعة أشهر، تعد علمًا بارزًا مع أعلام الحركة النسوية المعاصرة وعالمة اجتماع فذة، سواء اتفق الجميع مع أطروحاتها أم لم يتفقوا.
في هذا الكتاب، تدرس المرنيسي كيف تعاقبت المجتمعات الإسلامية أو الأوروبية على حد سواء على وضع المرأة في قوالب اجتماعية نمطية حددت أدوارها ومكنت لهيمنة الرجل، وإن كانت المرأة الأوروبية قد استطاعت التحرر من هذه القوالب إلى حدٍّ كبير، إلا أن نظيرتها المسلمة ما تزال تراوح مكانها بين جدران الممنوع والعيب والحرام.
تشرح المرنيسي هندسة العلاقات الأسرية في المجتمع المسلم، والتي شكلت دورًا رئيسيًّا في فرض هيمنة جنس معين على الجنس الآخر، حيث قرر المجتمع أن الرجال هم الفئة المنتجة فكريًّا، بينما النساء يشكلن الفئة المسخرة لخدمة الفئة الأولى، وهو الأمر الذي تصفه المرنيسي بالمتناقض مع روح الرسالة الإسلامية التي تحث على المساواة بين المؤمنين بشكل مطلق، حيث إن الإسلام لا يفرق بين المؤمنين إلا بدرجة تقواهم.
مرنيسي خلال كتابها تطرح كيف تمكن الفكر الأبوي والقراءات الذكورية للنصوص الدينية من ترسيخ دور تبعي للمرأة فارضين سيطرة الرجل، وهي الفكرة البالغة الأهمية التي ناقشتها العديد من المفكرات والباحثات العصريات إلى جانب مرنيسي كأمينة ودود، وأسماء بارلاس، وزيبا مير حسيني، وغيرهن.
فعلى سبيل المثال، في موضوع تعدد الزوجات الذي يثير لغطًا أينما حل، تذكر الكاتبة بأنه وعلى الرغم من أن الآية القرآنية التي تسمح بالتعدد في قولة تعالى «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (سورة النساء الآية 3)، فإن الآية تكمل لتقول: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً». وفي موضع آخر يقول عز وجل في القرآن الكريم: « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» (النساء آية 129)، كما يذكر التاريخ الإسلامي أمثلةً لنساء جليلات رفضن التعدد، ومنهن سكينة بنت الحسين رضي الله عنها إحدى حفيدات الرسول (ص) المتأخرات فكلما تزوجت اشترطت الحفاظ على سلطتها المطلقة. وهذا دليل على أن الإسلام لم يمنع أن تمتلك المرأة المسلمة حق تقرير مصيرها بيدها دون أن يملي عليها الرجل كيف يجب أن تعيش.
ترى الكاتبة أن تفسير النصوص الدينية ليس السبب الوحيد في رغبة الرجل الشرقي في بسط هيمنته على المرأة، لكنه في الواقع يفرغ غضبه وإحباطاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يواجهها في حياته اليومية على أسرته ليثبت بذلك رجولته المنتهكة، فبدل أن ينفجر -مثلًا- في وجه رئيس غير منصف في العمل، يصب جام غضبه على زوجته ليشعر بعد ذلك بسيطرته وقوته، خصوصًا أن مفهوم الرجولة (بمعناه العدواني والسلبي) قد غرس في داخله منذ الصغر ويجب أن يحيا ليدافع عنه ويؤكده.
المرنيسي ومثلها من المدافعات عن حقوق المرأة ليست عدوة للرجل ولا منحازة (عميانيًّا) تجاه المرأة كما يتهم الكثيرون المرنيسي وغيرها من النساء المؤثرات في الحركة النسوية العربية، بل على العكس إن المرنيسي ترى أن الرجل والمرأة في مجتمعاتنا ضحايا على حد سواء، فهم ضحايا هندسة اجتماعية غير عادلة، وظروف ولاعبين دينيين وسياسيين واجتماعيين جعلوا علاقة الرجل والمرأة في حالة صراع دائم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست