لا زالت آيات الرحمن تقرع آذاننا بأن الإسلام هو دين الرحمة والوسطية، ولا زالت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بجميع جوانبها شاهدة على رحمته ووسطيته واعتداله، الوسطية وتقبل الآخر واحترام الخلاف مع الآخرين، كلها مفاهيم تكاد تسقط من حياتنا على أعتاب أولئك الذين نصبوا أنفسهم قضاة على الناس.

ترى قبح أفكارهم وسوء فهمهم لآيات الله وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم من خلال تلك الأحكام التي يطلقونها على الناس، ولا أراه إلا حكمًا واحدًا لا ثاني له ألا وهو ( أنت مرتد) حكم ظالم تراه ينتشر في كل مكان وعبر صفحات التواصل، حتى إذا ما رأيته أو سمعته أيقنت أن صاحبه من أهل الشِّدة وأنك لا محال من أهل الردة كما يزعمون.

يقف الانسان حائرًا أحايين كثيرة ويضحك متسائلًا هل أنا مسلم مرتد؟، كيف بي وأنا أنطق الشهادتين وأصلى المكتوبة وأقوم بالفرائض، ثم يُحكم علي جورًا بأني مرتد عن دين الإسلام دون علم مني. سؤال يجب طرحه عليهم، أترانا من الذين قد ارتدوا عن الإسلام دون علم منا أم أننا لم ندخل في دين الإسلام أصلًا بحجة تقصيرنا في بعض الأحكام الشرعية؟

في كل يوم يخرج علينا سفهاؤهم، يتعالمون على الخلق وكأنه لا علم إلا علمهم ولا تفسير إلا تفسيرهم ولا فهمهم إلا فهمهم وهم أبعد الناس عن ذلك كله، يرشقون الناس بأحكامهم الظالمة دون فهم ولا وعي محتجين بقوله تعالى: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”.

ولا أراهم إلا أنهم تشبثوا فرحين بسطحية فكرهم ودناءة نظرتهم وسفاهة عقلهم، فليتهم رجعوا إلى كتب التفسير وبحثوا واستقصوا آراء العلماء واختلافهم في تفسيرهم لهذه الآية، وليتهم فهموا قبل أن يحفظوا وليتهم علموا وعقلوا قبل أن يجهلوا على الناس، وليتهم رجعوا إلى أقوال أئمة قد قام بهم العلم.

ومن جميل الكلام في ذلك الإمام البيهقي (ت458) في سننه، ونقلها الإمام الذهبي (ت748) في سير أعلام النبلاء لأنها قد أعجبته، يقول زاهر بن أحمد السرخسي: “لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: أشهد علي أني لا أكفر أحدًا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات” قلت (أي الذهبي) : وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدًا من الأمة، ويقول: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم).

ربما كانت قلوبهم مليئة بالعاطفة تجاه تحكيم شرع الله عز وجل، ولكن ما هكذا تورد الإبل يا سعد، وما هكذا يقاد الناس ولا بهذه العقلية الدينية المتسلطة يحكم بينهم ولا عليهم، ولكن قد نعذر سفاهة هؤلاء وسطحيتهم وتشددهم، فهم الذين نهلوا من عقول تعشق التكفير وتبث ثقافة التحريم وتدين بدين الفرقة والتدمير، وكل هذا بدعوى التغيير وإقامة الخلافة وتحكيم شرع العلي القدير.

لا ريب أن مثل هذه الأفكار قد انتشرت في الآونة الأخيرة بين الشباب، فتجدهم في كل مكان وساح يطلقون أحكامهم ويتكلمون بكلام يداعبون به العاطفة الدينية عند بعض من يجهل حقيقة الإسلام وشذوذ فكر هؤلاء، لذلك يجب على العلماء أن يقفوا لمثل هذه الأفكار وأن يقوموا بتوعية الناس بحقيقة الإسلام الذي يقوم على الوسطية وأن يقوموا بتفنيد الشبهات التي يلقيها هؤلاء المتشددون والمتعالمون.

وفي النهاية أعذرك أيها المسلم المرتد ( بزعمهم) فأنت واقع بين سندان ردة ومطرقة شدة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد