نعود لنعرف ما هي شعرة معاوية
سأل أعرابي معاوية بن سفيان: يا أمير المؤمنين كيف حكمت الشام 20 سنة أميرًا، ثم حكمت بلااد المسلمين 20 سنة؟
فقال معاوية: إني لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولا ضع سيفي حيث يكفيني سوطي.. فإذا لم أجد من السيف بدًا ركبته، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها.
هذه ببساطة سياسة معاوية التي حكم بها 40 سنة بلادًا مترامية الأطراف، تسودها الفتن والاضطرابات والنزاعات، وتحتوي على أعراق وملل مختلفة، فلم يكن لمعاوية الذي لقب بأنه داهية العرب غير سياسة الدهاء ليستتب له الأمر ولبني أمية من بعده.
فزمن معاوية وما به من أحداث وأعداء تختلف كل الاختلاف عن زمن الخلفاء ومجتمع الصحابة.
وبعد كل تلك القرون يأتي لنا معلقو المشانق لتركيا وأردوغان ليتهموهم بأنهم تخلوا عن المسلمين في شتى بقاع الأرض، ويتعاملون مع مواقف أردوغان على أنها الخيانة العظمى لدولة الإسلام التي لا وجود لها أساسًا ولسان حالهم يقول:
سنحارب حتى آخر جندي تركي، واستنزاف آخر ليرة تركية.
لقد تباينت المواقف بين مؤيد ومعارض لمواقف تركيا بالفترة الأخيرة، خاصة باتفاق إدلب، والإفراج عن القس الأمريكي، وهذا أمر وارد؛ فلسنا جميعًا نقرأ الأحداث وما بين السطور بنفس الطريقة.
فلكل المزايدين معلقي المشانق، يا سادة بجب أن تعلموا أولًا أن أردوغان ليس خليفة المسلمين، بل هو رئيس تركيا، ومسئوليته الأولى الحفاظ على بلاده وشعبه ومصالحهما، ثم يأتي بعد ذلك ما يمكن إنقاذه من دول الجوار، ودول الإسلام التي يأبى حكامها إنقاذها، وتأبى شعوبها أن تتحرك كي تنقذ نفسها.
ثانيًا على السادة المنتقدين أن يحترموا الشئون الداخلية للدول، فأنتم لا تملكون التدخل في شئون بلادكم.
وإذا كان اتفاق إدلب قد أوجعكم، فماذا قدمتم لأهل إدلب أفضل مما قدمه أردوغان وتركيا.
وإذا كان الإفراج عن القس الأمريكي قد دمر وطنيتكم، فأين كانت تلك الوطنية بعد تهريب مجموعة الأمريكان بعد ثورة يناير (كانون الثاني)؟ وعندما أفرج عن عزام عزام الجاسوس الإسرائيلي؟ وأين كنتم وخاطر يقتل بدم بارد ويعلن أنه انتحر.
لم لا تنظروا للصورة ككل، لم التركيز على بقعة واحدة لإخفاء الحقائق؟
أردوغان رئيس دولة تركيا
نعم الرجل متعاطف ومتضامن بشكل شخصي مع كل دول ثورات الربيع العربي: مصر، وليبيا، وسوريا، وغيرهم، ومتضامن مع كل قضايا الأمة الإسلامية.
ومتعاطف مع كل شعوب تلك الدول، لكن تلك الشعوب لن تنفع أردوغان حينما يأتى وقت المحاسبة من شعبه.
ولن تنفعه تلك الشعوب أمام المعارضة المتربصة له، ولا حكام دول متربصة به، وأرادت إسقاطه، ودعمت انقلابًا ضده، ولكن بفضل الله، وإرادة شعبه فشل الانقلاب.
شعب تركيا جميعه مؤيد ومعارض تصدى للانقلاب على الديمقراطية، وهو أيضا من سيحاسب أردوغان إن أخفق في مصلحة بلاده.
أردوغان مهما كانت القرارات التى يتخذها فهو يرى فيها مصلحة بلاده، وعلينا نحن شعوب دول الربيع العربي أن ننتفض لنسقط الدكتاتوريات الحاكمة، لنأتي بمن هو مثل أردوغان تأتي به الديمقراطية، ويسعى لما فيه مصلحة بلادنا ونحاسبه إن أخفق
ليس علينا محاسبة أردوغان، بل علينا مراجعة أنفسنا واستعادة المسار الثورى، فلماذا نعول دائمًا على الخارج؟ وخاصة في مصر، وإن صح السؤال، فماذا ننتظر؟
فمهما نجح أردوغان الرجل، فلن يأتي ليسقط الانقلاب بمصر، ومهما استطاعت قطر الصمود والتفوق على دول الحصار، فلن يأتي الأمير تميم ليسقط الانقلاب بمصر، وإلا نكون قد سلمنا عقولنا إلى إعلام الانقلاب الذى يتهم قطر وتركيا بمحاولة التدخل في الشأن المصرى الداخلي.
إرادة الشعوب هي التي أنقذت تركيا حينما تصدى الشعب للجيش ليفشل الانقلاب، وإرادة شعب قطر هي التي أنقذت قطر من سقوطها حينما رفض الشعب القطرى السمع لكل الأصوات التي طالبتهم للقيام على الأمير تميم ومحاولة إشعال الفتن بين بعض العائلات الكبرى وبين الأمير تميم.
الشعوب هى التي تصنع حاضرها ومستقبلها، ودائمًا توجد فرصة، ودائمًا يمكننا التغير، فلنترك أردوغان لشعبه، ولنترك الأمير تميم لشعبه؛ فكل منهم يتصرف وفقًا لمصلحة بلاده وشعبه، وأعيد وأكرر: فلننظر لحالنا ولنصنع مستقبلنا، لكن للأسف الكثير منا يعشق سيناريو المؤامرة ليتوارى خلفه ويخفي إخفاقه وفشله، فليحدث كل منا نفسه ماذا فعل من أجل استعادة المسار الثوري؟
إنها هي شعرة معاوية التي تلومون أردوغان على استخدامها.
استقيموا يرحمكم الله!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست