إبحار في رواية فِضَّة للكاتب الشاب عبد الله فيصل كيوان
رواية اجتماعية – رومانسية
سُردت على هيئة مشاهد مرقمة، كأنها فيلم سينمائي مصور، لا يُعتمد على الحوار فيه كعنصر أساسي، بل وصف دقيق للحالة الاجتماعية والنفسية تروى مع القليل من الجمل الحوارية المكتوبة بعناية.
الغلاف مأخوذ من لوحة رُسمت بريشة الدكتور ممدوح حمادة، لوحة تعبر عن الرواية تمامًا، فهي رحلة صعود قصة حب بطلة الرواية تيما مع جبران، تعبر عن خوف شديد واضح على الفتاة الواقفة أمام رجل أمامها لا يتقصد أذيتها، وفي أسفل اللوحة أُناس ترفع أيديها تعبر لنا عن صلة واضحة بينهم وبينهما، أما عن العنوان، تم إنتقاؤه بدقة ليعبر عن مناسبات وتفاصيل مفاجئة مهمة عند تيما داخل الرواية.
نلاحظ من خلال قراءة الرواية عِدَّة نقاط مهمة ركز عليها الكاتب:
- تأثير الحرب في سوريا على المشاكل الاجتماعية والعاطفية.
- الصراعات الداخلية العاطفية التي يعاني منها الشباب السوري الحديث.
- تأثير المشاكل العائلية – بما فيها من شتات وانفصال – على الحب والمشاعر العاطفية.
الحبكة الدرامية
حبكة سهلة وبسيطة قريبة من روح وحياة الجيل الجديد ترصد يوميات حياة الشابة تيما وتأملاتها بمستقبل بلادها فى ظل الحرب وتطلعاتها وطموحها فى بيئة مشتعلة بالمشاكل الاجتماعية، بالإضافة إلى الخجل والخوف الشديدين اللذين تسببا لها بفقدان القدرة على البوح.
الجديد كليًا في هذه الرواية هو جرأة الكاتب في التحدث بلسان أنثى شابة وهو أمر صعب جدًا، وليس بالهين ليكون هناك مصداقية، راهن عليه الكاتب وربح الرهان دون شك، حيث تشعر بمصداقية رهيبة فى تحدثه بلسان الأنثى، وكأنه يعرف الشخصية عن قرب أكثر مما تعرف هي نفسها، وهذا ما فاجئني بجرأته وخطوته الأولى بتجسيد الرواية بلسان أنثى، حيث تمكن عبد الله فيصل كيوان من السفر بين أحاديث الإنسان مع ذاته كما يُطلق عليها بحديث الذات، كما أستطاع سرد تفاصيل الحياة في حوار سوريٍ تمامًا ساعد ذلك في التعرف على بعض العادات والتقاليد السورية، وهذا شيء رائع يمهد لمن ليسوا سوريين بالتعرف عليهم عن كثب، وخاصةً أن الرواية – وبمجازفة – قد نُشرت في مصر والمغرب، أي خارج المجتمع السوري تمامًا.
السرد
أسلوب السرد أسلوب رائع، تصورات بلاغية عميقة تغوص في وجدان البطلة بفلسفة دون تعقيد، ربط السرد بتصوير أجواء الحدث أعتبره تقنية جديدة فى الكتابة الروائية، طريقة السرد تجعلك تنغمس بين السطور دون توقف عن قراءة المشهد، والحوار شمل جملًا قصيرةً لربط السرد بشكل واقعي، وخاصة حوار البطلة مع ذاتها، حوار مربك يدل على مدى الصراع بداخلها ما بين الاستسلام لظروف الحرب السورية والمشاكل الاجتماعية ورغبتها وطموحها وقصة حبها.
لغة الكتابة هي الفصحى الجميلة التي تمتعك دون أى ضجر، وخاصةً عند وجود مصطلحات سورية خالصة يفوح منها الحنين والحب في دمشق.
مقدمة الرواية
ليس من الضروري أن يُقاس العمر بالزمن، فمجتمعات دول العالم الثالث يُخلق الطفل فيها من رحم المعاناة في الأربعين من عمره، ينال قسطًا من التعب والإرهاق النفسي منذ صرخة التنفس الأولى، وفي هذه الرواية عجوز شابة يبلغ عمرها الستين عامًا تقاذفها مصاعب التكيّف مع الواقع من مُخطئ لآخر ومن زاوية لأخرى، جردتها مفاهيم الانطلاق إلى الحياة من الانطلاق وأرغمتها على رؤية الحياة من ثقبٍ صغير من باب لا يُبصر النور، فالغرض من الرواية هو توضيح نموذج موجود وبكثرة في مجتمعاتنا العربية لا يُسلط عليه الضوء بالقدر الكاف كما يتطلب الأمر، بل النموذج الذي سيُطرح يقطن في ظلٍ كثير العجقة في الضوء عند طرق العمى.
«سأحقق ما أريده يومًا، سأتنقل من منطقة لأخرى، من قرية لأخرى، لن تنام عيناي ولن تعرف الظل الذي أبصرته، ولن تهدأ قدماي سأظل أمشي في أزقة وشوارع العالم… لا أريد التوقف ولا أريد التعرّف على الناس، ولا الاكتظاظ بهم عن كثب، يكفيني ما أعانيه ويكفيني ما سيعانيه غيري مني، لن أتردد في قول ما في قلبي… هذه أنا وهذه طباعي وهكذا سأظل ولن أتغيّر يومًا ليس من أجل الأنا الأعلى ولا الكبرياء، بل الحرية… الحرية فقط».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست