قدرت الحكومة المصرية تعويضات المزارعين الذين تلفت محاصيلهم؛ جراء السيول بـ ٢٠٠٠ج كحد أقصى، وقد تسبب هذا السخاء الحكومي في إضافة حلقه جديدة من حلقات الاستفزاز المستمر للناس .
وبحسبة أخرى، أعلنت الحكومة عن توفير وجبات في المجمعات الاستهلاكية تكفي ٤ أشخاص، وتحتوي على اللحوم بأنواعها، مع أرز، وسلطة، بـ ٣٠ ج، وبذلك تقر الحكومة أن الحد الأدنى لتعويض المزارع، ويبلغ ١٠٠٠ ج، يكفي إطعامه وأسرته شهر و ٣ أيام، ولوجبة واحدة يوميا، أما لو افترضنا أن هناك وجبتان (كباقي خلق الكرة الأرضية) بـ ٢٠ج، فقط، أصبح تكلفة اليوم من الوجبة المدعمة مع وجبتين متقشفتين = ٥٠ ج يوميا و١٥٠٠ج شهريا، متفوقة على الحد الأدنى للأجور الذي هو ١٢٠٠ ج.
المسلسل الاستفزازي له حلقات كثيرة، فقد تكلفت الدولة عملية هدم مقر الحزب الوطني، وبالتأكيد ستتكلف إعادة إنشاء مبنى آخر مكانه، (قالوا يمكن تبيع الدولة الأرض)، ولماذا تتكلف الدولة مصاريف الهدم؟ فالبيع من بابه أولى، ويهدم من يشتري، المهم أنها عمليه معنوية الغرض منها: إزالة آثار العهد البائد، ثم نجد مرشحي الحزب الوطني وقد ترشحوا وفازوا في الوحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية.
وربما كان تعامل الدولة مع التوك توك بالحظر والمصادرة حلقة أخرى من حلقات الاستفزاز، فالشرطة تصادر المركبات، ولكن الدولة تسمح للمستوردين الكبار باستيراده، ثم تعود الدولة بعد الحظر، وتعلن عن ضمها لمنظومة كارت البنزين، فالقانون أمام المستورد نعجة، ولكن أمام سائق التوك توك غول، والحكومة حائرة بين غضب شعبي، فتستخرج له كارت البنزين، وبين هيبة الدولة، فتسمح بمصادرته بمزاح الشرطة.
عندما يفقد المواطن الثقة في القيادة العليا للدولة فأخلاقه تتدهور، لا أحد يعترض على مشروعات ضخمة تدر على مصر مليارات، ولكن، على سبيل المثال، رصدت جريدة المصري اليوم أن مشروع إشارات المرور الإلكترونية بوسط العاصمة، الذي تكلف ملايين منذ شهور، صارت أغلبية الإشارات فيه لا تعمل الآن، فالمواطن الذي حاولت الدولة أن تلزمه بالنظام (السيستم) الجديد يرى بوضوح أن الدولة أهملت وأنفقت من أمواله، ثم إن هناك مخالفات مرورية عليه أن يدفعها، فماذا تتوقع من المواطن الذي أهملت دولته، ثم راحت تعاقبه؟
هذا المواطن توقع منه أنه سيكون ضد أي نظام (سيستم) تحاول الدولة تطبيقه، وربما حاول تخريب أي شيء بدافع الانتقام، ثم ستجده يعادي الجمال فتهبط أخلاقياته، ويستمتع بالانحطاط (لاحظ المستوى المتدني للغناء المكتسح للساحة المصرية الآن).
ذكرت أنه لا أحد يمانع من إقامة مشروعات قومية، ولكن أن يظل عائد هذه المشروعات مثل: سر طاقية الإخفاء! فهذا غير مقبول، وغير مقبول ـ أيضا ـ أن يظل الفساد والإهمال سمة المشروعات الصغيرة التي تمس حياة المواطن، ويظل يشعر أن الدولة لم تزل تأخذ ولا تعطي.
في عام ٢٠٠٢، وبعد مؤتمر الدوحة، أقرت الولايات المتحدة تشريعا يضاعف من الدعم الزراعي، أما في أوروبا فإن البقرة تحصل على دعم ٢ دولار يوميا، وفي دول الاتحاد الاوربي يعتبر ثلثا دخل المزارع من الدعم، بينما تصل فاتورة الدعم إلى٨٠٪ في بعض المحاصيل، مثل: الأرز والسكر.
ومبررات هذا الدعم: هو ضرورة الحفاظ على المستوى المعيشي لأسر صغار المزارعين، إذن فالدعم ليس هبة أو صدقة حكومية، ولكنه واجب، وأمن قومي أمام تغول السوق، وعدم قدرة المواطن على الوقوف وحده في وجوه الشركات وزيادة الاسعار؛ اليابان دعمت شركة تويتا للسيارات لمدة ٣٠ عام.
على الدولة المصرية أن ترد للشعب مساندته لها في مشروعات قومية، لم يتذوق ـ حتى الآن ـ حلاوة ثمارها، فاستدعاء الناس في المسرات، وإعطاء الدولة ظهرها لهم في مصائبهم سيصرف الناس عن القيادة العليا، وهي التي لم تحكمهم حتى الآن، إلا بالثقة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست