بدا بكامل هيئته المتناسقة، تي شيرت أحمر بلون الدم السائل في بلاده، وبنطال أزرق بلون البحر الذي بلعه، وحذاء شرب الكثير من الماء فثقل كما ثقلت على العرب حياة صاحبه الطفل السوري إيلان كردي.
وتمددت الجثة على الساحل، جثة ساكتة، لكنها تحكي الكثير عن الإنسانية التي ذابت بفعل احتباس المصالح.
وللحق، فالجثة النائمة استيقظ لها العالم العربي فتمطع المغردون لإدانة مأساة إيلان وربما في داخلهم أمنية واحدة ألا يتكرر خطأ التقاط صور لجثث السوريين حتى لا تتأذى أعينهم.
ورغم الفاجعة ونطاعة العرب، أرى إيلان محظوظا؛ فإيلان نام هادئا على الشاطئ مودعا قبح العالم، بعدما فشل في الفرار إلى أوروبا مع والده على متن مركب متهالك، أما أخوته الكُثر في بلاد العرب، فلا يتوفر لهم حظ التقاط الصور لموتهم اليومي.
(1)
خرج من منزله بالإسكندرية شمال مصر ليشتري حلوى من بقالة قريبة، فاعتقلته قوات الأمن التي كانت تطارد متظاهرين.
وتعرض عبد الرحمن محيي ١٣ سنة للتعذيب بالكهرباء وإطفاء السجائر في جسده، وفق الرسالة التي كتبها لوالدته من داخل محبسه.
وأصيب الطفل في قدمه بحروق من الدرجة الثالثة جراء التعذيب ما أدى إلى انتشار الصديد في رجله بشكل قد يؤدي إلى بترها.
وعلى بعد مئات الكيلو مترات هناك أيمن من قبيلة التياهة بسيناء يسير 10 كيلو يوميا للوصول إلى مدرسته المتواضعة، وهذا كان قبل ما تسميه السلطة في مصر الحرب على الإرهاب.
وربما هو الآن لا يستطع الذهاب للمدرسة مطلقا أو ربما هاجر كما هاجر كثيرون من منطقته إلى محافظات الوادي هربا من العنف وحظر التجول، وربما أيمن قد قُتل.
يوم التقيته وأنا في رحلة صحفية بأرضه، سألته عن الثورة قال لي” إيش يعني ثورة؟” وبصراحة لم أجبه لأني لم أعد متأكدة من المفهوم الصحيح للثورة كوني لم أجربه.
وتقرير الفريق المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة قال إن اعتقال الأطفال في مصر منهجي وواسع الانتشار، موضحا اعتقال 3002 طفل منذ أحداث يونيو 2013 وحتى نهاية مايو الماضي.
وذكر التقرير أن الأطفال المعتقلين تعرض معظمهم للتعذيب داخل مراكز الاحتجاز.
(2)
وفي غزة يوجد أخ له أسماء عدة، يموت تحت أنقاض منزله بفعل صاروخ إسرائيلي، ويموت بفعل نقص دوائه غير الموجود بالأسواق بسبب الحصار، ويموت وهو منتظر العلاج بمستشفيات مصر خلال الأيام التي تحجم فيها القاهرة عن فتح معبر رفح.
وهناك محمد الدرة الذي قُتل قبل خمسة عشر عاما، وبكى العالم عليه كما بكى إيلان، ثم لم يحدث شيء لقاتله.
قال لي والد الدرة خلال حوار أجريته معه بعد شهر واحد من ثورة 25 يناير: “الثورات العربية اقتصت لابني”، واعتقد أن عليه الآن مراجعة تصريحه.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن 530 طفلًا قتلوا وأصيب 3303 آخرين خلال الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014.
(3)
وهناك أخ في العراق لا يعرف ما الذي يحدث في بلاده وربما سيحتاج مساعدة من مدرس الرياضيات لحساب كم دويلة ستقسم لها أرضه.
ويفكر الطفل العراقي كل يوم في الطريقة التي سيموت بها، هل ستكون بسيارة مفخخة؟ أو حرقًا بيد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية؟ أو بصاروخ خاطئ تابع لقوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب؟ أم سيموت جوعا؟
يحكي الطفل راغب أحمد لصحيفة دايلي ميل البريطانية، كيف أجبر على الظهور في الفيديو الدعائي لتنظيم الدولة الإسلامية، في أحد معسكراتهم، حيث يُدرب الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم خمسة أعوام فحسب، ليصبحوا قتلة.
ويقول أحمد، الذي اختطفه التنظيم عندما اقتحم شمال العراق في أغسطس من العام الماضي، أنه أجبر على الصلاة تحت تهديد “الكلاشنكوف”، كما علمه عناصر بالتنظيم كيفية قطع رأس “الكفار”.
“تمسك الرأس، وتسحبه إلى الوراء ثم تقطعه من الرقبة”، هكذا علموه ذبح الناس.
وتمكن الطفل من الفرار من الذبح، ليبقى بمخيم روانجا للاجئين، بشمال العراق.
ورصدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية بحق أطفال العراق من تعذيب واستغلال جنسي واتجار وقتل.
ولا تتوفر إحصائية موثقة للأطفال ضحايا انتهاكات تنظيم الدولة أو الغزو الأمريكي للعراق.
(4)
وإخوة كثر باليمن، استيقظوا ذات صباح فوجدوا أنفسهم مضطرين للهرب من بلدهم أو الموت لأن أناسًا كبارًا قرروا قتل بعضهم البعض.
والمصالح وحدها ستحدد وقت موتهم أو اضطرارهم للاستمرار مع العالم القبيح.
وذكرت منظمة اليونسيف أن 400 طفل قتلوا وأصيب 600 آخرين منذ تصاعد العنف في اليمن، كما حذرت من خطر إصابة ملايين الأطفال بأمراض.
وقالت تقارير حقوقية إن الحوثيين فى اليمن يتضمن ثلث قواتهم –والتي تقدر بحوالي 25 ألف مقاتل – أطفال دون الـ 18 عاما.
وكذلك يموت الأطفال خلال قصف قوات تحالف دعم الشرعية باليمن للأهداف التي يقال أنها لجماعة الحوثي.
(5)
تقول الأم “تلقيت اتصالًا ذات يوم من المدرسة بأن أحضر ومعي ثياب نظيفة لابنتي، لأنها أصيبت بتبول لا إرادي من الخوف، واتجهت مسرعة لأجدها في حالة هستيرية خائفة وتبكي، ومنذ ذلك اليوم تكررت معها هذه الحالة، وقد أصيبت بحرج كبير لدرجة أنها امتنعت عن الذهاب إلى المدرسة لفترة”.
وتضيف والدة الطفلة أسيرم ذات التسع سنوات، لموقع مراسلون، إن ابنتها تغيرت كثيرًا منذ بدأت تسمع أصوات القصف في سماء ليبيا، حيث تكررت عندها حالة التبول اللاإرادي عند تعرضها لأبسط خوف أو انفعال.
(6)
لإيلان أخ بالصومال مات بسبب شربة ماء أو لقمة لم تدخل جوفه، بينما كان يترقب أمير عربي قبول عارضة أزياء ألمانية تناول العشاء معه مقابل دفعه مليون جنيه إسترليني.
وللأسف ياعزيزي الذي مُت لقد رفضت الممثلة لقاء العربي.
وتشير تقديرات المنظمات الحقوقية الدولية إلى مصرع 30 ألف طفل صومالي خلال ثلاثة أشهر فقط من المجاعة التي واجهتها الصومال.
(7)
كشف تقرير لليونيسيف أن أكثر من 13 مليون طفل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فشلوا في الالتحاق بمدارسهم؛ لازدياد النزاعات والاضطرابات السياسية.
(8)
عزيزي إيلان، أنت محظوظ لفرارك سريعا من العالم، وأرجوك اذكرنا عند ربك بالفرار السريع أو التخلص ممن قبّحوا العالم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست