الصين الدولة الأكثر سكانًا في العالم والتي تمتد على مساحة 9.6 مليون كيلو متر مربع، والحضارة الصينية القديمة إحدى أقدم الحضارات في العالم، والدولة التي لم يتطلب الأمر منها إلا أقل من 70 عامًا لتتحول من دولة معزولة إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم تحافظ الصين على علاقات ديبلوماسية مع أغلب الدول الكبرى في العالم.

ولكن يعتبر الصراع بين أمريكا والصين هو من القضايا التي تشغل الرأي العام والدارسين للعلاقات الدولية، وذلك لأن الصعود الرهيب للصين واكتساحها للاسواق العالمية هو موضوع يثير قلق الطرف الأمريكي فإن أصل النزاع أن الولايات المتحدة تتوقع سياسة اقتصادية مختلفة من الصين، فأمريكا دائمًا تتحرك بسياسة أمريكا أولًا، وتفاجأت بأن الصين تتبع نفس السياسة الصين أولًا.

أحد أهم النزاعات التي تعكر صفو العلاقة بين البلدين هي قضية الأمن في البنية التحتية لشبكة الهاتف المحمول من الجيل الخامس. فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت مشاركة شركة هواوي الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس، لاتهامها بالقرب من قيادة الدولة والحزب في بكين. وفي المقابل يستمر الحلفاء الغربيون في مناقشة هل من الممكن إيجاد سبيل للتعاون مع الشركة الصينية.

عدد متزايد من خبراء الاقتصاد ينطلقون من أن فرضية أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين سيؤدي بالعولمة إلى الدخول في مرحلة جديدة تفضي إلى تقسيم السوق العالمية بين الصين والولايات المتحدة. ويفيد خبراء بما أن التقنية الصينية رخيصة، فإن غالبية البلدان الصاعدة اقتصاديًا ستلتحق ربما بالصين وحتى البلدان الأفريقي منها.

تتعدد الفرضيات بشأن أصل الصراع بين الطرفين. فهناك من يقول: صراع اقتصادي تجاري، والبعض يقول: هو صراع عسكري إستراتيجي، ولكن الحقيقة هو صراع واسع يشمل كل الأجزاء السابقة الذكر.

وإن الصراع الأمريكي ـ الصيني بدأ منذ سنوات مضت، ولكن القيادة الصينية ظلت تتعامل بهدوء ودبلوماسية، وأحيانًا مناورات وخداع، لأنها تدرك أن هناك رغبةً أمريكيةً في دفع الصين إلى خوض مواجهة إستراتيجية مبكرة لحسم الصراع على قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين.

من ناحية التجارة سنة 2018 أشار رئيس منظمة التجارة العالمية البرازيلي روبيرتو أزيفيدو إلى أن هناك مؤشرات قوية لاندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وقال أزيفيدو في ذات المقابلة بأن مستقبل العالم الاقتصادي سيكون مظلمًا في حال نشوب حرب كهذه، وعلى نفس الوتيرة يتنامى الصراع التجاري الأمريكي الصيني يومًا بعد يوم، وقد دخل هذا الصراع مراحل حساسة، سواء من حيث زيادة حجم الرسوم الجمركية المفروضة من الطرفين، أو من خلال توسع وتنوع المجالات الاقتصادية التى تستهدفها حكومات البلدين بهذه الرسوم.

لا أحد يعلم كيف سيتطور النزاع التجاري، بالرغم من الاتفاق الجزئي بين العملاقين العالمين. فالكثير من المراقبين يتوقعون استمرار سياسة الخطوات الصغيرة.

إن ما يميز القادة الصينيين هو إدراكهم الكامل من واقع تاريخ بلادهم وتجاربهم المريرة في الصراع مع الغرب أنه من الضروري امتصاص، أو احتواء، عمليات التنمر الإستراتيجي بالقوة الصينية الصاعدة، وقد نجحت محاولاتهم خلال العقدين الماضيين، ولكن المسألة تبدو أصعب في ظل أساليب الرئيس ترامب الذي يصر على استفزاز الصين بكل الطرق، ولذلك فإن الصين تحرص تمامًا على تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة وتتعامل بهدوء شديد مع الاتهامات الأمريكية التي تطال شركات صينية عابرة للقارات والآن اتهامات بخصوص فيروس كورونا وتصريحات أن الصين هي السبب، وهي من قامت بإطلاق الفيروس من مخابرها، ولكن أمريكا في الحقيقة خائفة؛ فهي تدرك خطر التفوق الصيني، وترى أن الوقت ليس في مصلحتها تمامًا، وأن المسألة تتطلب تعطيل التقدم الصيني، ومن هنا يبدو الصراع بين قوة تريد كسب مساحات جديدة للتقدم والتمدد إستراتيجيًا، وأخرى تريد عرقلة هذا التقدم واستدراج الأخرى لصراع نفوذ مبكر قد يحول دون تحقق أهدافها العالمية. إن الاشخاص الذين يدعمون فكرة أن الصراع الصيني ـ الأمريكي يأخذ ـ حتى الآن ـ شكلًا تجاريًا واقتصاديًا. يرجحون أنه سينتج حتمًا خلال المدى المنظور تحديات لدول العالم المختلفة، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون، التي تسعى لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين، حيث سيأتي وقت يصبح فيه بناء علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة والصين مسألة محفوفة بالأشواك، ويصبح الوضع أقرب إلى فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق.

ولكن سياسة الصين الهادئة حاليًا وتجنبها للمواجهة هي الشيء الذي يستدعي الحذر فالصين تخترع وتبدع بصمت، والولايات المتحدة الأمريكية لا تعلم تحديدًا ما هي الخطوة التالية للصين، وكيف يمكنها أن تستغل الوضع الحالي والمتغيرات الجديدة لصالحها. ومن سيمثل إلى جانبها من الدول، وهل ستنجح في توسيع دائرة حلفائها، ناهيك عن المعاناة الحالية بسبب ترامب والذي كما يصرح الكثيرين يُرعد ويزبد، يخبط بسيف المقاطعة يمينًا وشمالًا.

أما من الناحية العسكرية يجدر أن تنتبه الولايات المتحدة أن الصين باتت تنافس بقوة في مجال التسلح، وربما تزاحم الولايات المتحدة على الصدارة، بعد عقود من تراكم الخبرات والتقنيات، جراء سياسة إجبار مختلف الشركات، ومن جميع المجالات، على تزويدها بالتكنولوجيا إن هي أرادت فتح مصانع على أراضيها، والاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة والتسهيلات، بحسب تقرير لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست.

في خضم السباق العسكري الأمريكي الصيني المحتدم، تعمل بكين حثيثًا على تطوير أسلحة جديدة، يقول خبراء الحروب إنها تهدد التفوق الأمريكي، في ملعب كانت تحتكره واشنطن قبل عقود.

وترى إلسا كانيا، الزميل المساعد في مركز أبحاث الأمن الأمريكي الجديد، أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك الهيمنة المطلقة في المجال العسكري، وأن الصين تهرول لأن تصبح قوة عظمى عسكريًا وعلميًا وتكنولوجيًا.

وتضيف كانيا لموقع إن بي سي نيوز الإخباري الأمريكي أن الجيش الصيني ربما تفوق على نظيره الأمريكي في بعض نقاط القوة العسكرية.

ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي العسكري الصيني سيدخل مجالات الحرب الإلكترونية والطائرات دون طيار التي بإمكانها ضرب أهداف أمريكية.

وفي آخر المستجدات يشير تقرير حديث لناشيونال إنترست إلى ستة أسلحة، كشفت الصين عنها مؤخرًا، تثبت أنها باتت دولة عظمى، بحسب المجلة الأمريكية، وهي صواريخ DF-17 البالستية صواريخ جديدة قادرة على حمل رؤوس نووية، تفوق سرعة الصوت بخمسة إلى 10 أضعاف الغواصة الآلية HSU-001 تعد الصين أول دولة تدخل غواصات حربية آلية، قادرة على تنفيذ مهام متكاملة وبعيدة المدى، في منظومتها العسكرية، بشكل رسمي.

طائرة التجسس المسيرة DR-8 (أو WZ-8) طائرة تجسس مسيرة تشبه الشفرة، مصممة للتحليق فوق المحيط الهادئ بسرعات تتراوح بين ثلاثة وخمسة أضعاف سرعة الصوت باستخدام نظام دفع الغامض، الطائرة المسيرة الشبح (السيف الحاد) (GJ-11) لن يكون من الصعب اكتشاف هذه الطائرة بالرادار فحسب، بل يمكنها أيضًا حمل أكثر من طنين من القنابل أو الصواريخ الموجهة بالليزر في صندوقي أسلحة داخليين.

القاذفة الإستراتيجية بعيدة المدى H-6N، جيروكوبتر (النسر الصياد)، هي من أكثر القطع الحربية الصينية الجديدة غرابة، بحسب ناشيونال إنترست، وتستخدم نسخها المدنية لأغراض ترفيهية.

وعلى وقع تزايد وتيرة الخطوات والخطوات المضادة بين واشنطن وبكين، حذّر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، والمفكر الجيوسياسي، هنري كسنجر، من انزلاق المشهد إلى مواجهة عسكرية غير مسبوقة على الساحة الدولية.

وكما يقول عبد الحميد صيام في صحيفة القدس العربي اللندنية: نحن الآن نشاهد مظاهر تراجع مركز الولايات المتحدة، وانحدار قوتها، واختلال توازنها في مواجهة وباء كورونا. لقد ثبت الآن أن تكديس الأسلحة المتطورة والصواريخ الذكية والمركبات الفضائية، على حساب النظام الصحي، والأمن الغذائي وتعميم العدالة، والحد الأدنى من العيش الكريم لكل الناس، لابد أن يؤدي إلى نتائج كارثية، قد تؤدي إلى الارتطام الكبير والتبعثر والتفتت، إن لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان. ويرى الكاتب أن العالم بعد جائحة (كوفيد-19) بالتأكيد سيكون مختلفًا. والرأسمالية المتوحشة التي لا تقيس الأمور إلا بميزان الربح والخسارة، كما يمثلها ترامب، نعتقد أنها تنهار أمام عيوننا. هذه الأزمة أفقدت الولايات المتحدة الكثير من وضعها وسمعتها ودورها وقوتها الناعمة وطاقتها.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد