تدين أجوف، وطنية جوفاء، نخوة جوفاء، ثورية جوفاء!
إنه عالم من البطولات الزائفة! إن ذلك المتدين أو الوطني أو الشهم أو الثوري الذي لا رصيد له من هذه الصفات إلا الادعاء إنما هو بطل في نظر نفسه فقط أو ربما في أنظار أمثاله. إنه “بطل من ورق!” نذر يسير من هؤلاء هم المخدوعون أو الجهال أو حتى الذين يحتاجون إلى من ينبههم إلى حقيقتهم.
لكن الغالب منهم يمارس كذبا عن علم منه ويقين! والأخطر، أنه كذب ممنهج ومخطط له! تسير تلك الخطة – أو قل المؤامرة – بخطوات ثابتة، إن لم تكن متسارعة! تهوي بنا يوما بعد يوم إلى مصير ينذر بالهلاك. راجع التاريخ جيدا، لتجد مؤامرات “تغييب الوعي” أو “غسيل المخ” هي أخطر أنواع المؤامرات وأخبثها. لترى أنها – إن نجحت – مقدمة لسقوط مدوٍ لا أمل للنجاة منه، إلا بإرادة ربانية تنفذها فئة قليلة مؤمنة، ليقضي الله أمرا كان مفعولا!
نرى أمثلة على ذلك كل يوم. كثيرون من حولنا، لا يحصيهم عدد، هم هؤلاء الذين يملؤون الشاشات وصفحات التواصل الاجتماعي بتلك النماذج. يجسد كل من هؤلاء ما نسميه “بطولات من ورق”. ادعاءاتهم بعضها تلو بعض تزعج الآذان، لكنك إن بحثت عن شواهد لها، لم تجد لذلك أثرا. هذا ينادي بصحيح الإسلام حسب زعمه. وذاك يهتف بالوطنية وحب الأرض كما يدعي. وهؤلاء يدعون النخوة والرجولة. وغيرهم يحتكرون الثورة إلى جانبهم ليجردوا من سواهم من كل ذلك، فيدعون أن غيرهم ركب الثورة تارة، وخانوا الثورة تارة أخرى. أما هؤلاء هناك فيصفون أنفسهم بالحيادية وعقلانية الحكم والتفكير فهم “النخبة” وغيرهم رعاع وعامة، وهم من تلك المكانة براء! ألق نظرة سريعة عليهم، لتجد العجب العجاب!
ترى فيهم قوما ينتفضون لفتوى “جماع الوداع” رغم يقينهم بأنها قضية ملفقة! ويدعون أنهم يصدقون نية الإسلاميين سن قانون تزويج الفتيات في عمر التاسعة! ثم تعجب لصمتهم – أو قل ذلتهم وخنوعهم – أمام مشاهد اغتصاب الفتيات، وسحل البنات، وتعذيب النساء، وإهانة الزوجات والأمهات اللائي يزرن أهلهن في السجون والمعتقلات! بل يبلغ العجب مداه حين يبررون ظلم الملتزمات دون غيرهن، متهمين إياهن بالإرهاب!
وقد يتجردون من إنسانيتهم ورجولتهم ونخوتهم ودينهم، فتلوك ألسنتهم أحاديث الإفك عن الملتزمات، قاذفين إياهن بـ “جهاد النكاح!” فوق أطهر بقعتين من أرض مصر كلها بعد مساجد الله!
تراهم يقيمون الدنيا فلا تقعد يهاجمون رئيسا منتخبا، متهمين إياه بفتح باب التشيع زورا وبهتانا وكذبا وافتراء، وهم يعلمون! ثم هم ينبطحون ولا يحركون ساكنا إذا ما رأوا رئيسا مغتصبا يفتح الباب على مصراعيه للشيعة بشكل رسمي داعما منقلبهم على شرعية رئيس منتخب في بلد سني! بل ويسلط كلب إعلامه المتشيع فكره ليبث سمومه في عقول العامة، يسب أمهات المؤمنين ويحط من شأن الصديق والفاروق وغيرهما من الصحابة الكرام، بل ويزداد تطاولا على أصول الإسلام نفسه، وهم عن هذا كله صم بكم عمي فهم لا يعقلون!
تراهم يهاجمون الحكومة الشرعية إبان حكمها متهمين إياها بالتخاذل تجاه مراقص شارع الهرم، وسياحة شرم الشيخ، والعري والفجور في الأوساط الفنية، ثم تجدهم بعد ذلك يلقون بنساءهم وبناتهم ليرقصن في الشوارع في أحضان العسكر! تجدهم خرس الألسنة إذا ما رشحت راقصة عاهرة نفسها لمقعد البرلمان! لا اعتراض ولا حتى تعليق! تجدهم بكما لا صوت لهم إذا تم تتويج عاهرة داعرة بتاج “الأم المثالية” بينما ينكل في نفس الوقت بأمهات شريفات وبنات عفيفات ويحكم عليهن بالإعدام أو المؤبد، وتتوارى بنات في عمر الزهور خلف الأسوار!
تراهم يعيبون على الإسلاميين عدم تحريم الربا في البنوك أثناء عام حكمهم اليتيم كأنهم بذلك الاتهام يدافعون عن شرائع الإسلام! ثم تجدهم يهللون ويصفقون لمن يدعو إلى تعطيل المشروع الإسلامي، ويعترف بلسانه أنه أنقذ البلاد والعباد من “حلم الخلافة”! تجدهم يؤيدون ويدعمون من يطلق كلابه على من يعلق لافتة تدعو إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! تجدهم لا يحركون ساكنا حين تنتهك حرمات المساجد ويحاصرها العسكر ثم يقتحمونها بالأحذية ويعتقلون من فيها بعد تسليط كلاب البلطجية عليهم! حتى أنك تراهم يباركون حرق المساجد بمن فيها من المصابين وهم أحياء بعد أن أغرقوهم بوابل الرصاص الحي وقتلوا الشيوخ والنساء والأطفال!
تراهم يطلقون ألسنتهم بالسب والقذف كذبا وافتراء على كل من هو إسلامي التوجه، رغم خبرتهم منهم في حياتهم غير الذي يقولون! يصدقون الشائعات التي يروجها المرجفون عن جيران لهم أو حتى أولي نسب ودم، وهم على يقين أنهم ما ضروهم يوما وكانوا أفضل الجيران والزملاء والنسباء! يصدقون كذبة الإعلام المأجورين ويكذبون أعينهم!
ثم تجدهم يذكرون الآيات والأحاديث الدالة على وجوب حفظ اللسان، إذا ما سمعوا قدحا في ذي سلطان أو مال أو شهرة، رغم يقينهم بصدق ما يقال عنهم! ألا ساء ما يحكمون؟!
تراهم يطلقون الأكاذيب ويسمعون الأراجيف ويكيلون الاتهامات لبنات ونساء الإسلاميين، متهمين إياهن في الشرف وقاذفين إياهن بأفظع التهم، دون دليل أو برهان ذي قيمة! ثم إذا واجهتهم بجرائم وفضائح ومصائب يراها الأعمى قبل البصير، وبالفيديوهات – مع تحفظنا على نشرها بين الناس طبعا – تجد منهم من يدعي التعقل والتروي ليتثبت ويتيقن قبل أن يتهم الناس “ظلما” كما يزعم! ذاعت اللقطات التي تعلن صراحة ارتكاب بنات ونساء القضاة والضباط والمسؤولين والخونة للفاحشة دون لبس أو سوء فهم – ونكرر تحفظنا على شرعية نشرها وإذاعتها – ثم هم ينكرون كل ذلك، بل ويتلذذون بتصديق الافتراءات التي لا أساس ولا دليل ولا إثبات عليها بتاتا! فلا يصدقون إلا الكذب ولا يذيعون إلا الإفك!
تراهم يبررون القتل والحبس والتعذيب والسحل والاغتصاب والتحرش وكل ظلم، إذا ما كانت في حق الإسلاميين وذويهم! أما إذا داس أحدهم على طرف أحد سواهم، تجدهم ينتفضون مدافعين عن القيم الإنسانية والمبادئ الدينية والأسس الأخلاقية وغير ذلك مما يزعمون نصرته! فإذا قتلت محجبة قالوا أنها تستحق ذلك وتساءلوا مستنكرين عن سبب خروجها من بيتها! فإذا ما قتلت متبرجة، شجبوا وأدانوا واستنكروا قتل تلك البريئة! – ونحن لا نرضى بظلم هؤلاء أو هؤلاء – ويباركون اعتقال وسحل وتعذيب الملتزمين لا سيما إن كانوا يزينون وجوههم باللحى! فإذا ما ديس طرف ثوب لأحد من غير الملتحين خاصة أو الملتزمين على وجه العموم، تحركت قلوبهم بحنان وشفقة كاذبتين!
تراهم يثورون في وجه “حاكم منتخب” رافعين أصواتهم إلى السحاب، وتزيد ألسنتهم طولا عن الأفاعي، ومعطلين مصالح الناس، ومانعين المسؤولين من أداء مهامهم، بسبب المظاهرات والاعتصامات والإضرابات وقطع الطرق، ثم إذا جاءهم “حاكم مغتصب منقلب” هو أحرى بالثورة عليه، إذا هم يتظاهرون حاملين الورود! – حقيقة وليس على سبيل المجاز! – تجدهم ينتقون الكلمات ويختارون عبارات الاعتراض بعناية غير مسبوقة!
تراهم يوفرون مئات المبررات لعدم التظاهر والاكتفاء بالشجب والاستنكار. ثم يفاجئونك بمدى تراجعهم عن جرأتهم المعهودة، فتكون وقفاتهم في الصحراء!! ربما يعلنون لاحقا “الثورة بالنية!” ويخاطبون الإسلاميين بـ “إنما الثورات بالنيات!”
وغير هذا الكذب ما لا تحصره ظواهر أو تحده أمثلة. لكن إذا غلبت عليك عاطفتك كالعادة حين تناقش أحوال هؤلاء، يوقظك صوت من السماء {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف : 54]
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست