خلق الله فينا نعمة الكلام وتباين اللغات والألسنة لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، ذكر بعضها في سورة الزخرف بقوله تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ».
وحديثنا اليوم عن أحد تلك الألسنة.. وهو لسان الصين.
«نيهاو»!
مرحبًا بالصينية، هذه تحية ما يعادل مليار و400 مليون إنسان على وجه الأرض، منهم داخل الصين مليار و200 مليون تقريبًا وحوالي 200 مليون إنسان خارج الصين. أكثرهم يتوزع في سنغافورة وماليزيا والعدد الأقل في غيرها من الدول، كما تمثل اللغة الصينية 18٪ من ألسنة جموع البشر، وتسبقها الإنجليزية بمعدل 25٪ وتليها الهندية بنسبة 11٪، أما اللغة العربية فتأتي بمعدل 6٪ أو يزيد قليلًا. وكل هذه الللغات هي لغات الأمم المتحدة الست، بالإضافة إلى الفرنسية، والروسية، والإسبانية. أما الهندية، وبالرغم من معدلها العالي إلا أنها ليست ضمن القائمة.
ولقد أقرتها الأمم المتحدة في عام 1946، وأقر تخصيص يوم لها في 20 أبريل (نيسان) من عام 2010، وتم الاحتفال به لأول مرة في 20 أبريل 2011 احتفالًا بذكرى مخترع الأبجدية الصينية المعلم: سانغ جيه قبل 4 آلاف عام تقريبًا.
ولأن لكل لغة عالمها الخاص واستخداماتها المتنوعه. رأينا أن نلقي الضوء على أهمية اللغة الصينية ودراستها وتداولها ودورها الهائل في المجتمع العالمي حاليًا في مختلف المجالات، التي تبدأ بالتعليم: ولنقف على حقيقة ذلك واهتمام الصين بالتعليم يجب أن نعلم أن الصين أنفقت على التعليم في عام 2019 ما مقدارة 3.49 تريليون يوان.
كما أن الصين بها 40 جامعة في تصنيف الأفضل عالميًا Qs. ومن أراد دراسة بعض التخصصات النادرة كالهندسة الكيميائية، والهندسة الكهربائية، والنانو تكنولوجي، وتخصصات الطب، والفيزياء، من الممكن أن يحقق حلمه في الصين لأن جامعاتها تسعى لتوفير تلك التخصصات ومساعدة دارسيها.. وإن كنت ستدرس في الصين فوجوب تعلم اللغة أصبح لزامًا عليك لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة في مجالك والنفع به فيما بعد. وإلا فلم تختار الصين إن كنت ستدرس بالإنجليزية، وأنت تعلم أن اللغة الإنجليزية لدى الصينيين متواضعة. فلن تحصل أبدًا الإفادة المرجوة إلا من خلال اللغة الصينية.
البحث عن عمل: لابد أن نوقن بأن كل رب عمل يريد الأفضل لشركته أو مؤسسته ويبحث عن ذلك بشتى الطرق. وبما أن الصينيين هم أكثر الشعوب تعدادًا إلى الآن، إذًا فسوقهم هو الأكبر والأكثر ترحيبًا به. لذلك فمن أهم الأسئلة في مقابلات العمل الحالية في أي مجال هو : هل تتحدث الصينية؟ لأنه بذلك يضمن أن تساعده في تحقيق حلمه. فبتعلمك اللغة الصينية تزيد فرص عملك ودخلك بشكل كبير، وهو ما يعد من الأخذ بالأسباب.
في الصناعة: كلنا نعلم أن معظم حاجات العالم تأتي من الصين، منها صناعة الطب الحيوي على سبيل المثال. ومن المرجح أن أشهر جمله قد قرأناها في حياتنا هي «صنع في الصين» وذلك لأن معظم مصانع العالم تقبع في الصين، وهو ما اكتشفناه مؤخرًا بسبب أزمة الأجهزة الطبية والكمامات وغيرها، فما يعادل 70٪ منها يأتي من الصين. لذا فإن الإتحاد الأوروبي وأمريكا قد أقروا بضرورة إنشاء مصانع متعددة في دول أخرى. ولكن هذا لا يتم بين ليلة وضحاها، ومن المحتمل أن يستغرق تنفيذه قرابة الـ30 عامًا وحينها سيخلق سوق جديد بلغة جديدة، ولكن وإلى أن يتم ذلك يجب أن نستغل الفرصة ونتعلم الصينية لتسهيل التعامل وتوفير الاحتياجات.
في التجارة: إن طريق الحرير الذي تنشأه الصين، أو تعيد إنشاءه بمعنى أدق، هو الحزام الذي سيحيط بالعالم كما يحيط أي حزام بلسروال، لذلك فالاسم الجديد الذي أطلقته الصين عليه هو الحزام والطريق. هم لم يستغرقوا سنوات وينفقوا أموالًا ليعيدوا بناء ما لا يفيد.. وأينما كنت سيتوجب عليك التعامل بالصينية، إن لم يكن حديثًا فعلى الأقل فهمًا. وقد أفردنا لذلك مقالًا كاملًا بعنوان «الحزام والطريق وفكرة توحيد العالم»، تجدونه في المصادر.
في السياحة: الصينيون من الشعوب التي لا تحب السفر سوى في مجموعات لتقليل النفقات وعدم التعرض للابتزاز. كما أنهم أكثر شعوب العالم وأكبر سوق للسياحة. كما تصدر بكين 150 مليون سائح سنويا لمختلف دول العالم. بمعدل إنفاق يتخطى 250 مليار دولار خارج أراضيهم.. لذلك فإن دول العالم أجمع تسعى لكسب سوق السياحة الصيني لأنه سوق دائم ومكسبه مضمون…
في الاقتصاد: تملك الصين 18 بنكًا من أكبر بنوك العالم. وأربعة من أهم بنوك العالم، بل الأهم.. لتسبق بذلك كل البنوك الأمريكية والأوروبية بحصة تعادل اثنين إلى 4 مليار دولار لكل بنك منها، يمكن الإطلاع عليها في المصادر.
في الثقافة والأدب: الثقافة الصينية ليست كمثيلاتها وتختلف مدلولاتها في المعظم عن غيرها. ولا يمكن أن تشبه حبيبتك بالقمر كما تفعل في اللغة العربية لأن هذا يعد من الإهانه في اللغة الصينية. كما أنهم لا يعرفون شيئًا عن الجمل لكنهم يعرفون الكثير عن التنانين. وكما يمكنك فهم عاداتهم الثقافية وتقاليدهم الحضارية من خلال اللغة. والأدب الصيني مليء بالكثير من الخبرات التي تعتمد اعتمادًا أساسيًا على التأمل والحكم.. وهو جزء نادر من الأدب لا يمكن فهمه إلا باللغة الصينية، وخاصة الجزء القديم منه.
وكنصيحة من دارس ومعلم لللغة الصينية: أقول لك إن ضرورة المعرفة بأي لغة تتطلب المعرفة باللغة الأم أولًا، فلا يستوي للطالب الفهم والوقوف على مدلولات الأشياء الجديدة أو التعبير عنها بلغة جديدة إلا بعد فهمها بلسانه الأم.
وسواءً كنت من محبي الصين وحضارتها فيجب عليك تعلم لغتها لزيادة فرص التعايش والمصالح، وسواء كنت لا تحبها فقد وجب عليك تعلم لغتها من باب: من تعلم لغة قوم أمن مكرهم.. وللتنويه فهذا ليس بحديث لأنه لا أصل له..
دمتم في نعيم الله.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست