مشكلة الصين مع الإسلام

يقدر عدد المسلمين في الصين بـ30 مليون مسلم حسب الإحصاء الرسمي الصيني، لكن المصادر الرسمية غير موثوقة، لأن الصين دولة شيوعية تنتهج التعتيم ولا تؤمن بالإعلام الحر، ورغم أنه يصعب إيجاد إحصائية دقيقة للمسلمين في الصين، إلا أن إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن عدد المسلمين قد يصل إلى 100 مليون نسمة، وفي تقرير أعدته قناة «Bon News» الإنجليزية المتخصصة في شؤون الصين، أكد أن تعداد المسلمين في الصين قد يصل حوالي 130 مليون، وهو ما يعادل 10% من سكانها.

 ويعاني مسلمو الصين أشد أنواع القمع والاضطهاد من قبل الحكومة الصينية، فهي تمنع الرجال من إطلاق اللحى، وتحظر على النساء ارتداء الحجاب، وتجبر المسلمين على الافطار في نهار رمضان وترغمهم على شرب الخمور وأكل لحم الخنزير، خاصة في إقليم تركستان الشرقية (شينجيانج)، كما أن الصين تقتل المسلمين وتسجنهم وتمارس عليهم أبشع أنواع التعذيب بحجة محاربة الارهاب.

تتعامل الصين مع الإسلام على أساس أنه مرض معدٍ يجب التخلص منه، لهذا فهي تقوم بمراقبة مسلمي الصين عامة ومسلمي الإيغور خاصة مراقبة شاملة، وتعمل على غسل أدمغتهم ومحو ثقافتهم الإسلامية في سبيل غرس القيم الشيوعية فيهم، بالإضافة إلى ذلك تعمل الصين منذ سنوات طويلة على تغيير الخارطة الديمغرافية لإقليم تركستان الشرقية، من خلال توطين الكثير من عرقية الهان في الإقليم وإحداث التفوق العددي لهذه العرقية على عرقية الإيغور ومن ثمّ السيطرة على الإقليم.

ووفقًا لتقديرات استشهد بها مسؤولو الأمم المتحدة والولايات المتحدة، تم احتجاز أكثر من مليون مسلم في معسكرات الاعتقال الصينية، وأفاد سجناء سابقون معظمهم من أقلية الإيغور المسلمة للصحفيين أنه خلال عملية تلقين دامت عدة أشهر، أُجبِروا على نبذ الإسلام وانتقاد معتقداتهم الإسلامية، إضافة إلى تلاوة الأناشيد الدعائية الخاصة بالحزب الشيوعي لساعات كل يوم، فضلاً عن إجبار المحتجزين على أكل لحم الخنزير وشرب الكحول وتعذيبهم حتى الموت حسب تقارير منظمات حقوق الإنسان والاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين.

هذه التقارير التي تنقل معاناة مسلمي الصين وصور القمع والاضطهاد المسلط عليهم قبل الحكومة الصينية، ما هي إلا غيض من فيض وصورة مصغرة عن الحجم الحقيقي لهذه المأساة، فالصين دولة شيوعية شمولية تؤمن بالقمع وتكفر بحقوق الإنسان، وما رشح من هذه الانتهاكات، إلا القليل بسبب سياسة التعتيم.

إن محاربة الحكومة الصينية للإسلام ليست غريبة، لأن الشيوعيين يحاربون الأديان ويعتبرونها أفيون الشعوب، أما عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدولة، فما هي إلا انعكاس للأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها قادة الشيوعية، فلقد قال أحد زعمائهم يومًا وهو لينين: «إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًا»، وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها، وكذلك في الصين وغيرها، حيث أبيد ملايين من البشر.

تتخوف الصين من انفصال إقليم تركستان الشرقية (شينجيانج)، لأن أغلبية سكان الإقليم من المسلمين وهم من أصول تركية، بمعنى عرقية تختلف عن عرقية الهان المكون الأساسي للشعب الصيني، ولأن قادة الصين يعرفون التاريخ ويعلمون أن هذا الإقليم في السابق أقيمت فيه دولة كانت تسمى بتركستان الشرقية، ولقد قام الإيغور بمحاولة إحياء هذه الدولة سنة 1933 وسنة 1944، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل واستطاعت الصين إحكام سيطرتها على الإقليم ومنحت سكانه الحكم الذاتي.

إن القمع الذي يتعرض له الإيغور ينذر بثورة تطالب بانفصال الإقليم عن الدولة الشيوعية، لأن الضغط يولد الانفجار، خاصة وأن الإقليم بعيد جغرافيًا عن بكين ويقع بجانب دول حليفة للولايات المتحدة يمكن أن يحصل منها على الدعم، صحيح أن الحكومة الصينية لن تفرط في الإقليم، لأن مساحته كبيرة (خمس مساحة الصين) وهو أغنى إقليم في الصين من حيث الطاقة والموارد، بالإضافة إلى أنه يقع على طريق الحرير، الذي تريد الصين من خلاله نقل منتجاتها إلى العالم. إلا أن الإيغور لن يكفوا عن محاولة إقامة دولتهم المستقلة، وسوف يستمرون في النضال حتى يعيدوا مجد أجدادهم في تركستان الشرقية.

أزمة الشيوعية في الصين

استطاعت الصين تحقيق طفرات اقتصادية كبيرة، حيث احتلت المرتبة الأولى عالميا في التصدير وأصبحت تسمى بمصنع العالم، فضلاً على أن اقتصادها يعتبر الاقتصاد الأكبر بعد الولايات المتحدة الامريكية، ولقد حققت الصين هذه القفزات الاقتصادية بفضل تبنيها واتباعها للنظام الرأسمالي، ولو أنها بقيت على الاشتراكية لما حققت هذه النجاحات الاقتصادية، ولكانت الصين اليوم تضم أكبر عدد من البطالين والفقراء في العالم، فالاشتراكية فشلت تاريخيا في تحقيق التنمية الاقتصادية وتسببت في انهيار الاتحاد السوفياتي سابقًا، لهذا تخلت روسيا عن الاشتراكية، رغم أنها كانت مهدًا لهذا الفكر.

كما فشلت الشيوعية في حكم القوميات المتعددة في الاتحاد السوفياتي سابقًا وتسببت في انهياره، سوف تفشل الشيوعية اليوم في استيعاب قوميات الصين وتحقيق متطلباتها، فضلاً عن مسايرة العصر وتحقيق التنمية المستدامة. إن التعدد يحتاج إلى تعدد، بمعنى أن القوميات المختلفة والمتعددة في الصين تحتاج إلى نظام يؤمن بالتعدد ويستوعب جميع هذه القوميات ويعترف بهوياتها مثل النظام الديمقراطي، الذي يؤمن بالحرية، التعدد، ويحترم حقوق الإنسان، بعكس الشيوعية، التي تكفر بكل قيم الديمقراطية ولا تقيم أي وزنٍ لحقوق الإنسان.

ربما تعيش الشيوعية في الصين أيامها الأخيرة، إذ من غير المعقول أن تستمر دولة بحجم الصين بكل تناقضاتها بنظام مخالف للطبيعة وللفطرة البشرية، صحيح أن الصين أصابت عندما تبنت الرأسمالية كنظام اقتصادي ومن خلالها استطاعت تحقيق نجاحات اقتصادية كبيرة، مكنتها من إشباع الحاجات المادية للصينيين (أكل، شرب، ملبس …) وتأجيل ثورة 1.4 مليار من البشر، لكن دوام الحال من المحال، لأنه من غير الممكن استمرار الصين في هذا التناقض باتباع الرأسمالية اقتصاديًا في ظل نظام سياسي شيوعي يكفر بالقيم الديمقراطية ويدار بعقلية الحزب الواحد.

إن التململ من النظام الصيني لا يصدر من القوميات فقط، بل يصدر أيضًا من قومية الهان التي تمثل الأغلبية في الصين، لأن أكثرية الشعب في تايوان وهونغ كونغ من هذه القومية، ومعلوم أن تايوان اليوم دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع وترفض بشدة الرجوع إلى العباءة الصينية، كما أن سكان هونغ كونغ يرفضون الحكم الشيوعي ويتخوفون من انتقال القوانين الصينية القمعية إلى إقليمهم، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن نشهد احتجاجات أخرى رافضة للنظام الصيني من طرف قومية الإيغور المسلمة وغيرها من القوميات.

إن تبني الصين للرأسمالية دون الديمقراطية يخلق مشكلة مستعصية تضرب في عمق النظام الشيوعي وتعصف بشرعيته، إذ كيف يمكن للصين تبرير تبني الاقتصاد الرأسمالي، الذي يتعارض مع الأيديولوجية الشيوعية؟ هذا من جهة، بالإضافة إلى أنه كيف للصين أن تحكم قوميات مختلفة ومتعددة في عصر الانفتاح في ظل هيمنة الحزب الشيوعي الواحد على الحياة السياسية والاجتماعية؟ هذا من جهة أخرى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد