المسيحيون في الخليج يعاملون كالعبيد، ويجبرون على ممارسة ديانتهم في الخفاء، ويواجهون اضطهادًا من السنة والشيعة على السواء. هكذا كانت افتتاحية صحيفة «الجارديان» قبل خمس سنوات وتحديدًا في 26 ديسمبر عام 2014.

ترتبط دائمًا كلمة الأقلية بمعتنقي الديانة الإسلامية حول العالم، والأمثلة أكثر من أن تعد ومنها الأقلية المسلمة في ميانمار وما تعانيه من اضطهاد عرقي راح على إثره آلاف الضحايا، وآخرها مقتل العشرات من المصلين بمسجدين بنيوزلاندا على يد بعض المسلحين. ²

ولكن دعونا نلقي الضوء على الجانب الآخر من الصورة، وهو الأقلية المسيحية في الدول المسلمة، وهنا نبحث عن أحوال المسيحيين في دول منظمة التعاون الخليجي، حيث يتجاوز عدد السكان 50 مليون نسمة.³ يتقاسم الوافدون نصفها مع مواطني الدول الست ⁴، بينهم قرابة 3 ملايين مسيحي. 5

لنعرف كيف تتعامل معهم كل دولة على حدة، وهل يتمكن مسيحيو الخليج من إقامة شعائرهم الدينية دون معوقات أم يكابدون من أجل هذا، حتى نعرف هل مسيحيو الخليج أقلية مصونة أم مهانة؟

السعودية.. ثوابت تتغير ولكن بعيدًا عن الأقلية المسيحية

تتمتع المملكه العربية السعودية بطبيعة خاصة لما لها من مكانة كبيرة عند عموم مسلمي العالم، وباعتبارها الدولة الإسلامية الأبرز، وما تحويه من أهم المقدسات الإسلامي حيث الكعبة الشريفة والمسجد النبوي، وللمكانة التاريخية للملكة في تاريخ الإسلام، فبها بدأ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- دعوته.

وبناء عليه فالإسلام دين المملكة الرسمي، وشرط من شروط الحصول على الجنسية السعودية، لذلك لا يوجد مواطن سعودي واحد يعتنق المسيحية داخل أو خارج المملكة العربية السعودية حيث يعّد التحول الديني من الإسلام إلى أي ديانة أخرى مجرم، بينما يوجد مئات الآلاف من المسيحيين ولكنهم أصحاب جنسيات مختلفة جاءوا للعمل.

منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد والمملكة تشهد تغيرات عديدة منها ما كان يستحيل التفكير فيه، مثل قيادة المرأة للسيارة، وإقامة المهرجانات الغنائية والإعلان عن إنشاء دور عرض سينمائية، وتعيين امرأة سفيرة للمملكة بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن كل هذا لم يغير في أوضاع المليون ونصف المليون مسيحي مقيم بالمملكة 6، ولم يحصلوا على بعض حقوقهم، فعلى مساحة المملكة الكبيرة التي تتجاوز مليوني متر لا يوجد كنيسة واحدة لإقامة الشعائر المسيحية وذلك لعدم وجود قانون حرية الأديان بالمملكة بينما توجد كنيسة أثرية في جبيل يسميها الناس كنيسة جبيل السعودية ولكن الحكومة لا تسمح للمواطنين والأجانب بزيارتها.

فالمسيحيون يمارسون عباداتهم إما عن طريق الإنترنت وغرف المحادثة أو الاجتماعات الخاصة، وعادةً يجتمعون في الكنيسة التي تعقد في إحدى السفارات أو عن طريق الجمعيات الخاصة «غير قانونية».

الإمارات.. أفضل قليلًا من السعودية

مليون مسيحي يقطنون الإمارات العربية المتحدة 7. جميعهم من غير حاملي الجنسية الإماراتية، يتركزون في أبوظبي ودبي، ويشكلون أكثر من 10% من السكان ولكن لا يختلف الحال عن المملكة السعودية، فلم يشفع هذا العدد الكبير من معتنقي المسيحية لوجود قانون حرية أديان، ولكن يختلف الوضع قليلًا حيث بنيت في مدينة أبوظبي أربع كنائس، إضافة إلى مركز للجالية الإنجيلية، وكنيسة القديسة ماري في مدينة العين.

أما في دبي، فتوجد كنيسة القديس فرنسيس الكاثوليكية في جبل علي، وفي الشارقة تم بناء الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عام 2007 على قطعة أرض ممنوحة من الإمارة تصل مساحتها إلى أكثر من 2000 متر مربع.

هناك اعتراف رسمي للطوائف المسيحية بالإمارات كما أن للمسيحيين الحرية في العبادة وارتداء الملابس الدينية، إن وجدت. ويسمح باستيراد وبيع المواد الدينية، إلا أن المحاولات لنشر المسيحية بين المسلمين غير مسموح بها وغير قانونية.

قطر.. حرية أكثر.. كنائس أكثر

بلد صغير المساحة قليل السكان، لا يتجاوز عدد القطريين ثلاث مئة ألف نسمة بنسبة 01% فقط من تعداد قاطني قطر حيث يتواجد ثلاثة ملايين نسمة.

تتمتع قطر بقانون حرية الأديان، والآن بات في الدوحة مجمع يضم خمس كنائس يجمع كل المذاهب، الأرثوذكس والإنجيليين والبروتستانت والكاثوليك، وهذا المجمع يخدم حوالي 200 ألف مسيحي أجنبي 8، حيث تتكون الجالية المسيحية في قطر من خليط متنوع من الفلبينيين والهنود والأوروبيين والفلسطينيين والمصريين والسوريين واللبنانيين والأمريكيين.

وتسود حالة من التعاون بينهم وبين الحكومة، حيث تم تشكيل مجلس يتكون من أعضاء جميع الكنائس المسيحية للتنسيق بشكل مباشر مع وزارة الخارجية بشأن المسائل الدينية.

البحرين.. جزء من الحاضر والماضي

على عكس بعض دول منظمة التعاون الخليجي، فإن مسيحيي البحرين جزء من تاريخها، وليسوا طارئين عليها بالرغم من عددهم غير الكبير فهم من أهل المملكة الأصليين المتجذرين فيها تاريخيًا وجغرافيًا، لذا هم مواطنون أصيلون.

المسيحية دخلت البحرين منذ القرون الأولى لنشأتها حيث تم العثور على آثار أديرة وكنائس نقوش بلغات سريانية وآرامية، حيث وجدت آثار لأسقفية (مركز ديني مسيحي) في منطقة سماهيج… وكذلك وجود قرى ما زالت حتى اليوم تحمل أسماء كانت وما زالت تستخدم في الدين المسيحي، ويتمتع المسيحيون في البحرين بحرية العبادة ضمن كنائس مرخصة من الحكومة والتي يبلغ عددها حوالي 35 كنيسة موزعة في مختلف المدن البحريني، ويتضمن مجلس الشورى البحريني عضو مسيحي هي السيدة أليس سمعا.

يتجاوز عدد مسيحيي البحرين ربع المليون نسمة 9، يحمل أكثر من آلف نسمة منهم الجنسية البحرينية كمواطنين يتمتعون بكل الحقوق يتوزعون على قرابة 80 عائلة بحرينية، وغالبية المسيحيين البحارنة هم أصلًا من فلسطين، والأردن، وتركيا والعراق، بالرغم من وجود أعداد أقل من لبنان وسوريا والهند.

غالبيّة المواطنين البحرينيين المسيحيين هم من المسيحيين الأرثوذكس، وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية أكبر الطوائف المسيحية بين المسيحيين البحرنيين. ويتمتع المسيحيين بالعديد من الحريات الدينية والاجتماعيّة، وحتى في العضوية في الحكومة البحرينية.

«الكنيسة الإنجيلية الوطنية» هي أقدم كنيسة بنيت في الخليج على أرض البحرين أسسها المرسلون الإنجيليون الأمريكيون وهم من أسس أيضًا مستشفى الإرسالية الأمريكية، والكنيسة معروفة اليوم بالكنيسة الإنجيلية الوطنية البروتستانتية ويعود تاريخها إلى عام 1906.

الكويت.. حيث يوجد أول قس خليجي

قرابة الثلاثمائة مسيحي كويتي، ونصف مليون مسيحي وافد 10، والعديد من الكنائس تلك محصلة الكويت من تواجد أصحاب الديانة المسيحية على أرضها، بدأت قصتهم من قرابة ثلاثمائة عام، وزاد عددهم مع بداية القرن التاسع عشر، حين وصلت إرسالية طبية من أمريكا للكويت لإنشاء مستوصف طب وتحديدًا في عام 1913 ثم توالت العائلات المسيحية إلى الكويت.

تعتبر الكويت حالة فريدة ضمن دول منظمة التعاون الخليجي حيث يوجد بها القس الخليجي الأول والوحيد ويدعى عموانيل غريب، وهو قس كويتي وراعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية بالبلاد.

ولا تمنع الكويت ممارسة الدين بحرية، بشرط ألا يتعارض ذلك مع السياسة العامة أو الأخلاق، ولعل إنشاء مجلس العلاقات المسيحية الإسلامية في الكويت عام 2009، كان بمثابة خطوة إيجابية على طريق تعزيز العلاقات والروابط بين المسلمين والمسيحيين.

ويقول القس عموانيل في مقابلة تلفزيونية «مع برنامج اتجاهات بقناة روتانا خليجية»: إن المجتمع الكويتي متسامح ومنفتح على شرائحه المختلفة، وعلاقتنا مع بقية أطياف المجتمع الكويتي ممتازة وتحمل الكثير من المودة.

كما دعا لمزيد من الحوار بين أطياف المجتمع في الكويت والعالم من أجل تفاهم أكثر، كما أكد أن الدولة تهتم بالحوار بين الأديان وقبول الآخر مع تأكيده على عدم وجود تمييز بين أبناء الكويت.

سلطنة عمان.. هدوء كالعادة

يشكل الهنود الكاثوليك غالبية المسيحيين المقيمين هناك، ويمارس عشرات آلاف من الارثوذكس والبروتستانت شعائرهم في كنائسهم التي بنيت في وقت مبكر من القرن الحالي.

ووفقًا لدراسة مركز بيو للأبحاث عام 2010 تبلغ أعداد المسيحيين حوالي 180 ألف نسمة 11 جميعهم من الوافدين، حيث تعترف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية بالكنيسة البروتستانتية في عمان، وبالأبرشية الكاثوليكية العمانية وبمركز الأمانة. كذلك تتواجد مدارس مسيحية في عمان وجميعها تحت إشراف الأوقاف الإسلامية، ويبقى تدريس الدين الإسلامي إلزاميًا في المدارس العامة.

وقد سمحت سلطنة عُمان بممارسة الشعائر الدينية المسيحية، ولكن بالرغم من ذلك فالقوانين العُمانية تمنع تغيير الديانة من الإسلامية إلى المسيحية، ويظل الدين الإسلامي هو الدين المقرر في المناهج الدراسية.

يتضح لنا من خلال عرض طبيعة التواجد المسيحي في الخليج أن الأمر يختلف كثيرًا عن وضع بعض الأقليات الدينية في بلدان أخرى، حيث الانتهاكات والتهجير وغير ذلك من أفعال ترفضها كافة الأديان السماوية ويقول القس والراهب «آندي تومسون» كبير القسيسين بكنيسة القديس آندرو بأبو ظبي: بما أني مقيم في الخليج، شعرت أن الخط الذي يقدم الخليج كواجهة للاضطهاد المسيحي يكاد يكون مضللًا،  كما أشار لعدم تمتع مسيحيي السعودية بحقوقهم حتى الآن، وذلك ردًا على تقرير الجارديان حينذاك.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد