(جرعة من الثقافة السينمائية الجلية المختصرة في مقالة واحدة مبسطة وممتعة).
ماذا قال «غودار» الفرنسي (مؤيد الفلسطينيين) عن الربيع العربي بفيلمه التجريبي اللافت الأخير«صورة الكتاب أو كتاب الصورة»؟
«كنت سأومن به لو كان ثورة حقيقية، لكنه لم يكن حقًا كذلك»!
ملخص لافت لأهم سمات أفلام «غودار، وترفو، وتاركوفسكي، وبازوليني، وأنطونيوني، وبيرتلوتشي، وبونويل».
في العام 1951، تأسست مجلة «كراسات السينما»، والتي ضمت العديد من الأفلام المهمة، مثل «أندريه بازين، جاك ريفيت، أريك رومير، ترفو وغودار».(124)
تأثرت الموجة الجديدة بحركة الواقعية الإيطالية، التي بدأها كل من «روسيلليني، ودي سيكا» وآخرون، حيث كانوا يذهبون إلى الشارع، ويستخدمون ممثلين غير معروفين وغير محترفين.(125)
أول فيلم لحركة «الموجة الجديدة»، كان من توقيع المخرج «روجر فاديم»، سنة 1956، والمعنون بـ«وخلق الله المرأة»، حيث كتب نصه، وكان من بطولة «برجيت باردو» ذات الـ22 سنة.(126)
«على آخر نفس» هو آخر عمل روائي لافت لـ«جان لوك غودار» (1960)، بطل القصة شاب، يحاول التحرر من القيود الاجتماعية، التي ألجمت طموحه وحركاته نحو التحرر، حيث يتعرف على فتاة أمريكية لديها نفس هذه الهواجس الداخلية، وتعيش تقريبًا بنفس أسلوب حياته؛ لذا فقد نشأت علاقة بينهما يصعب تفسيرها، ويحس المشاهد أن الفيلم لا يحمل أي رسالة اجتماعية، أو أخلاقية، كذلك يبدو وكأنه يفتقد لأي عمق، حيث إنها تقوم في النهاية بخيانته بلا سبب واضح، وجمع «غودار» هنا ما بين عناصر «الاختزال والإنجاز والارتجال»، كما أنه نسف فكرة الخط الروائي التقليدي، ومنع المشاهد من الاستسلام للحبكة القصصية، والانقياد لها والاندماج بالحدث، ودفعه قسرًا للتأمل، والمشاركة الذهنية لفك رموز ما يشاهده على الشاشة.
ومن أهم الأفلام الروائية الطويلة أيضًا، هو فيلم «400 ضربة» للمخرج «ترفو»، حيث شارك في مهرجان كان 1959، وحصل على جائزة أحسن مخرج، حيث استند المخرج لأحداث من طفولته. (127)
قام «غودار» باختصار بتصوير شكل الفيلم السينمائي، وحرره من القيود والمسلمات في لغة السينما، وذلك من خلال إعادة كتابة قواعد السرد والصوت والصمت والتناسخ، كما تحدى الأساليب التقليدية الدارجة، في إنتاج السينما الروائية وتوزيعها وعرضها الهوليودية، وحاول استبدالها باستحداث نوع جديد من السينما.(131)
تقنية «غودار»: تكمن جلية في آخر أفلام هذه الموجة، بفيلمه «وداعا للغة»، الذي أُنتج بالعام 2014.(128)
الجندي الصغير: انعكاس الفكر للحرية، يتناول فيلم الجندي الصغير لـ«غودار»، قصة تمرد جندي فرنسي، وذهابه لسويسرا، وتكليف اليمين المتطرف له باغتيال صحفي سويسري متعاطف مع الثورة الجزائرية، حيث يلتقي أخيرًا بـ«فيرونيكا» ويقع بحبها، وهي التي تعمل لصالح جبهة التحرير، التي تقبض لاحقًا على «برونو» بعد أن قرر السفر إلى البرازيل، برفقة «فيرونيكا»، ويتم تعذيبه من قِبل الثوار ثم يجد طريقًا للهرب، بعد أن عقد صفقة مع الفرنسيين، لتسهيل هروبه، ثم ليكتشف أن «فيرونيكا» تعمل لصالح الجبهة، وهنا تقع هي تحت طائلة التعذيب، لتلقى مصرعها، تحت أيدي جلاديها.(133)
يحفل هذا الفيلم بفكر «غودار» الفلسفي، ويساريته الطافحة، وفيه إنتاج بارع لنص حافل بالمعضلات المطروحة، وبلا حلول ظاهرة.(133)
حيث يمكنك أن تجد وجودية «غودار»، بوجود «سارترية» متعددة، كما ستجد عبثية «غودار»، برؤى عبثية «ألبير كامو»، أيضًا ستجد نسوية «سيمون دي بوفوار»، كل هذه المفاهيم عكستها المومس «نانا»، الشخصية الرئيسية في العمل، في مغامراتها وصلاتها، بداية من المتجر الذي كانت تعمل فيه، وحلم حياتها يحفر في أعماقها، من أجل أن تصبح ممثلة، ليحيد هذا الحلم، أو يجبرها على المشي على طرق الشوك، وتواصل مغامرتها الحياتية، من عملها بائعة، إلى عملها مومسًا، تبيع جسدها لكل من يدفع، حيث خبرت مختلف المواقف الإنسانية؛ إنه فيلم يعري المجتمع، ويفضحه، من خلال تسليط الضوء على الفرويدية؛ لذا جاء المونتاج جافًا وعنيفًا وحادًا بشكل مذهل، كما أن كل شيء آخر كان خشنًا وجافًا في هذا الفيلم. (134-135)
ليس هناك أكثر إصابة في العمى، من هؤلاء الذين لا يريدون أن يروا.
أما فيلم «بيير المجنون» لـ«غودار»، فهو فيلم غريب، فقد نقل للمشاهد لقطات صادمة، تسخر وتدين كل شيء؛ الفن والسياسة والمجتمع والحياة، لتأتي نهاية الفيلم صادمة ومدهشة وغير متوقعة تمامًا، وهذا أثناء قيام «فرديناد غريفون» بقتل صديقته «ماريان»، التي شاركته مغامراته، مع أخيها المزعوم، ليلحق بها بعد أن يفجر نفسه بمادة الديناميت.
بالإجمال لقد امتلكت أفلام «غودار» البعد المفاهيمي، والجمال التصويري، والحقيقة الوثائقية الصادمة؛ وبالتالي لم يكن مفاجئًا انتشار تأثيره بين المخرجين عبر العالم، حيث مثَّل مدرسة فريدة في الإخراج السينمائي.(136)
ماذا قال «غودار» عن الربيع العربي بفيلمه التجريبي اللافت الأخير«صورة الكتاب أو كتاب الصورة» (لا ليفر دوماج)، والذي حقق جائزة السعفة الذهبية الخاصة في كان 2018 (وهو إنتاج فرنسي، سويسري مشترك)؟
«كنت سأؤمن به لو كان ثورة حقيقية، لكنه لم يكن حقًا كذلك». رؤية تحذيرية للعالم البائس تضج بالصور في نهاية العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين.
الفيلم هو تجربة فلسفية إدراكية فريدة من نوعها، إنه بمثابة صدمة سينمائية لازمة لأحداث الصدى المطلوب بوعي المشاهد، وهو يمزج هنا ببراعة مشاهد لافتة من جملة أفلام سينمائية ذات بصمات خالدة، مثل «فرتيغو لهيتشكوك»، و«سالو لبازوليني»، و«النهر لرينوار»، و«الفيل لفاس فان سانت» وغيرها، ويخلطها بشكل معبر مع مشاهد من مظاهرات الربيع العربي، ثم ينتقل ببراعة لمقاطع مصورة من فظائع عصابة «داعش» الإرهابية –المشبوهة-، ويتخللها تعليق صوتي مؤثر لـ«غودار» نفسه، والفيلم يخلو تمامًا من الممثلين، حيث يستعيض «غودار» عنهم، بخضم ضخم متنوع من الصور الصادمة، معبرًا عن إدانته المطلقة للحروب التي تحدث الدمار الهائل، في النفوس والمرافق والأبنية، وتقتل البشر وتدمر الحجر، مختارًا بعناية مشاهد كارثية للقصف والتفجير، والانفجارات والهلاك، طارحًا مواضيع جدلية مثل الدين والسياسة والطائفية والكراهية، بهواجس النازية والفاشية ومخاوف التسلح النووي القائم، ثم ينتقل بسلاسة لقصص الثورات، وجدواها وتبعاتها ومموليها وأدواتها، منحازًا تاريخيًّا للثورة الصادقة الحقيقية، ولكنه مشكك بجدوى الربيع العربي الخائب، ولا يبرئ «غودار» ساحة الغرب اللئيم الاستعماري (ولا عملاءه العرب الأثرياء من التواطؤ والتمويل السخي)، ومشيرًا بإصبع الاتهام لتسببه المقصود بالفوضى «الخلاقة وغير الخلاقة»، مشيرًا لعدم الفهم المزمن للعالم العربي، والبعد الاستشراقي المشبوه، منتقلًا إلى لقطات للوحات رسامين غربيين مرموقين، لنساء الشرق الجميلات، ومدى الافتتان بأجسادهن الممتلئة (ما يسمى الحريم)، ويستهل «غودار» فيلمه الأخير هذا بلقطة معبرة ليد بشرية ترفع باستفزاز «السبابة والإبهام»، تاركًا الغموض سيد الموقف: فهل المقصود الوعيد والتهديد، أم الإنذار، أم التريث والتأمل؟ أو ربما يشير لطريق الخلاص أو اللامبالاة والعذاب وصيحات الإنذار؟! (هذه الفقرة بكاملها هي إضافة –نوعية- من كاتب المقال، مشتقة ومعدلة ومعادة الصياغة باختصار من تقارير مهرجان كان المنشورة بصحيفة القدس العربي اللندنية).
كان المخرج الكبير «بازوليني» يقول: «إنني لا أخطئ الوجوه».
يعد النقاد آخر فيلم لـ«بازوليني» قبل اغتياله «سالو» من أكثر الأفلام تطرفًا في تاريخ السينما، ومثلثها الأزلي المتمثل في السياسي والعسكري ورجل الدين، حيث يتحدث بتركيز شديد وصراحة متناهية عن دوران الإنسان في فلك السلطة.
إن السينما تقوم بنسخ الواقع صوتًا وصورة، ما الذي تفعله إذا بنسخها للواقع غير التعبير عن الواقع بالواقع؟ (76)
قال «برتولوشي» معلقًا على فيلمه «1900» المنتج بالعام 1976، فيما معناه بأنه مغتبط؛ لأنه حصل على ملايين الدولارات، من بعض المنتجين الحمقى في هوليوود، لكي يصنع أكبر «علم أحمر» عرفته السينما في تاريخها، مع حرصه الدائم على الجمالية، وتجديد التقنية، حيث معظم قضاياه المطروحة سياسية- فكرية، يجيد ببراعة تخبئتها وراء القصص الاجتماعية، أو يتناولها أحيانًا دون مواراتها؛ لذا يمكن وصف سينما «برتولوشي» بالسينما الراهنة والمعاصرة جدًا، التي تعبر عن الوعي الثقافي الأوروبي.(117)
يضيف «فرانسيس فورد كوبولا، وماتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبيرغ»، كلهم أخبروني بأن فيلم «الممتثل» عن رواية «ألبرتو مورافيا»، كان هو المؤثر الأول لديهم، فما الذي وجدوه ملهمًا في الفيلم؟ بناؤه المركب أو المعقد، أم الاسترجاع (الفلاش باك)؟ (119)
على غرار فيلمه المثير للجدل «التانغو الأخير في باريس» (1972)، يخرج «بيرتولوشي» مكبوتات جنسية عميقة من الماضي، ساعيًّا لتلطيف الحاضر والمستقبل، حيث يرفع من مكانة الجسد إلى أعلى مراتبها، ليغضب الجسد عن كل شيء، عن الاستهلاكية الرأسمالية، عن الخطابات المضادة لحرية الجسد، عن حفريات الذات المضطربة والخانقة من الجسد. (120)
وقد اعترفت الممثلة «ماريا شنايدر» مؤخرًا قبل وفاتها بأن «مارلون براندو، وبرتلوشي» قد تآمرا عليها في لقطة الاغتصاب الشهيرة في الفيلم، حيث ادعت إن الاغتصاب بالزبدة كان حقيقيًّا ومؤلمًا ومهينًا.
فالرؤية «الفوكونية» تتجلى في بصريات «بيرتولوشي» دائمًا، خاصة رؤية «فوكو» حول بيولوجيا الجسد، وثلاثية «الذاتية والمعرفة والسلطة»، حيث يفزعنا هذا المخرج عن ديناميكية ذاتنا، التي تفعل ما تريده لكي تشعر بالخلاص؛ خلاص الجسد، خلاص الحب، خلاص الخلاص.
وأخيرًا «فبرتولوتشي» يعد أسطورة تحرر الجسد من كل شيء، والدفاع عنه، بأشكال ما بعد حداثية فوضوية متحررة من كل القيود. (121)
كما يتحاشى في أغلب أفلامه الانزلاق صوب البروباغندا السياسية، بقدر ما ينحاز إلى التأمل في الأحداث والشخوص، وأجواء خاصة تعبر عن مواقف بليغة، تلتزم بالمشاهد الجمالية، والمجاميع الضخمة.(113)
هناك العديد من المشاهد الشعرية في فيلم «الصحراء الحمراء» لـ«أنتنيوني» مثل مشهد أزهار البنفسج في المقدمة، أو مشاهد الحلم بعد تنقية الألوان، لتذكرنا بالشواطئ الرملية الاستوائية.(89)
كما أن أفلامه تدمج ما بين «الواقعية البنيوية والجديدة والأسطورية«.(92)
أبدع «بيرجمان» في فيلمه الشاعري الكلاسيكي «عين الشيطان» عبر التصوير الثابت بلقطات بعيدة وقريبة جدًّا، لم يشعر المشاهدون بحركة الكاميرا فيها، لتظهر مثل اللوحات السينمائية، تتماثل أحيانًا مع أعمال «شابلن وميزوجوشي»، ثم مثال للقطات عديدة لفيلم «روما مدينة مفتوحة»، الذي كان يمثل أيضًا الواقعية الجديدة.(96)
يتمثل موجز السينما الشعرية في عدة نقاط هامة هي؛ الإلهام الأسلوبي، واللغوي، والذاتي الحر غير المباشر، ولن ننسى تضمين الذرائع الشخصية بشكل رمزي.(98)
خصائص أفلام «أنتونيوني»
كرس هذا المخرج قدراته على إظهار ما يسمى «الشكلية الإخبارية»، بتعميق بصماته الإخراجية، المتمثلة في اللقطات الطويلة، وضعف ترابط المشاهد، وكسر ضبط السرد، ثم تصاعد الأحداث وتقطع المونتاج: كما أنه لا يهتم بالحالات الانفعالية لشخصياته، ولا يحترم تغيير حالتها النفسية، وفقًا للمواقف المختلفة، ومعظم أفلامه تتحدث عن فقدان وخسارة وألم، وجميعها تحكي عن أناس ضائعين، يهيمون على وجوههم، ويبحثون ملاذ وهوية وخلاص، ولا أحد كما قال الياباني «كيراساوا» استطاع أن يصور العواطف والمشاعر الإنسانية بمثل هذه الرهافة والحساسية والشعرية والشفافية التي تتسلل تحت الجلد لتحرك العواطف.(107)
كانت حياة «أنتونيوني» حافلة بالإنجازات والرؤى، ومفعمة بالسينما الحقيقية، وقد كلل هذا المسار، من خلال نيله أهم الجوائز العالمية، من بينها الدب الذهبي في البندقية، عن فيلم «الصحراء الحمراء»، والسعفة الذهبية بـ«كان» عن فيلم «اللقطة المكبرة»، وجائزة لجنة التحكيم، وأوسكار قدمته له أكاديمية الفنون عن مجمل أعماله في العام 1955، كما نال جائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعماله، بمهرجان البندقية سنة 1993.
«رولان بارت» هو أول من دعا إلى التحليل السيميولوجي للصورة.
«ثم أخيرًا «بونويل» يعزف على السينما مثلما كان «باخ» يعزف على آلة الأرغن الموسيقية»، مقولة «غودار» حول سينما «بونويل»، وينهي المؤلف كتابه بقراءة سيميولوجية متأنية لفيلم «بونويل» الشهير «كلب أندلسي» (1939)، الذي يعد نموذجًا فريدًا للسينما الفلسفية/ الشعرية المتطرفة.
السريالية باعتبارها شعرية متطرفة/ قراءة سيميولوجية في فيلم «كلب أندلسي» لـ«بونويل»:
افتتاحية: كان يا ما كان.. شرفة ليلًا.. ثم رجل يقف جنب نافذة، يشحذ موسى، يتطلع إلى السماء، فيرى سحابة تتحرك نحو قمر بدر، وبينما تمر السحابة عبر وجه القمر، تقطع شفرة الموسى عين امرأة شابة.
«بونويل» في اللقطة الأولى هنا، يؤسس لنوع جديد لرؤية الفن السينمائي، فتدمير عين فتاة جميلة ما هي إلا استعارة استفزازية تدعونا لرؤية هذا الفن السينمائي الساحر بعيون جديدة.
بعد ثماني سنوات: شارع مقفر والدنيا تمطر.
غرفة عادية بالدور الثالث في الشارع نفسه، امرأة شابة تلبس رداءً بألوان فاقعة، تجلس بمنتصف الغرفة منتبهة، وهي تقرأ كتابًا، حيث يتشتت انتباهها فجأة عن القراءة، ثم تسير بخطوات سريعة نحو النافذة؛ الغرفة نفسها، قرب الثالثة صباحًا، منذ ستة عشر عامًا، في الربيع: كل شيء تغير، ثم لقطة النهاية.
تبدو في الفيلم الدلالة هي اللادلالة، والترابط في اللاترابط، بمثابة إعادة تشكيل الوعي، وهدف القصيدة السينمائية هنا هو كشف المجهول، والبحث عن اللاوعي باعتباره وسيلة تعبير، هناك ثورة هائلة على الأشكال والمضامين القديمة، في خضم البحث عن أشكال ومضامين جديدة خلاقة.
لقد بنى سيناريو هذا الفيلم الفريد على أساس حلمين، واحد لـ«بونويل»، يتمثل بشفرة الحلاقة التي تشق عين المرأة، والثاني هو حلم صديقه دالي، الذي رأى فيه يدًا تخرج من وسطها النمل، وعلى أساس هذين الحلمين، تم بناء هذه التحفة السريالية الخالدة، وكان الهدف هو إحداث صدمة عنيفة بداخل وعي المشاهد، وإدخاله في متاهة الجنون.
أخيرًا فقد اكتشف الكاتب «عبد الكريم قادري» أن بعض النقاد العرب لهم نظرة سطحية جدًّا، وربما نظرة خاطئة لسينما الشعر، كما أنني اكتشفت أنهم يخلطون تمامًا ما بين السينما الشعرية والسينما الفلسفية، وبعضهم -من وجهة نظري النقدية- يكتب بشكل سطحي تافه واستهلاكي وإخباري، عاجزًا حتى أحيانًا عن توضيح حبكة ومغزى الأفلام التي يتحدثون عنها، بل ينغمس بعضهم بجرد أسماء وأعداد وفئات العاملين والفنيين في فيلم ما بشكل لا معنى له، سوى استغفال القارئ العربي المسكين، وأشعر للأسف أحيانًا وكأن البعض يتحدث عن أفلام لم يشاهدها أبدًا على الشاشة، فهو قد يتحدث مثلًا عن «المختلس» بدلًا من «المتحرش» في وصفه للمعتدي في فيلم جنون لـ«سودربيرغ»، وكذلك يضع الاستيلاء على واحة الفردوس الافتراضية باعتبارها بديلًا لاكتشاف المفاتيح الثلاثة التي تقود البطل المراهق للظفر ببيضة الفصح المخبأة في فيلم اللاعب الجاهز أولًا لـ«سبيلبيرغ»، مستغفلًا القراء المساكين، وربما ينقل أحيانًا ملخصه بشكل سطحي من صفحة الفيلم على الإنترنت، متناسيًا جل التفاصيل السينمائية الجوهرية، في استغفال غريب للصحيفة والقارئ العربي المسكين، كما يقوم بعضهم بعرض ملخصات مسلوقة عامة لأفلام المهرجانات، تحفل بالثناء النقدي المبالغ به، والعرض البالغ التلخيص غير المفيد، ولا يلتقط أحيانًا الثيمة الجوهرية للأفلام التي يتحدث عنها، من منطلق المجاملة والعلاقات العامة والاستسهال والاستغفال (وكله عند العرب صابون والسلام وربما أحيانًا بطيخ وشمام), وهذا بالحق مؤسف تمامًا ومحزن، ولا يساعد في ارتقاء مستوى النقد السينمائي في العالم العربي، ولا على تمييز الغث من الثمين، ولا حتى على تطوير الصناعة السينمائية العربية!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
فن