عرفت مصر السينما منذ بدايتها في أوائل القرن العشرين (1898) كسينما صامتة، ثم تطورت من الفيلم الصامت إلى الناطق في عام 1932، ثم بعد ذلك توسعت وتنوعت ما بين الفيلم الغنائي والفيلم الدرامي الاجتماعي، ولم تعرف السينما المصرية عالم الخيال إلا في العام مع فيلم طاقية الإخفاء – النسخة القديمة كانت بطولة بشارة واكيم وشكوكو- وأنتج عام 1944 وبسط فكرة الخيال عن طريق الكوميديا، حيث فكرة وجود طاقية لها القدرة على إخفاء مرتديها قد سهل تقبلها كشيء مضحك أكثر منه درامي.
وأتى بعده الفيلم الذي لا أزال أراه صادمًا – بمقاييس الأربعينيات– وهو فيلم سفير جهنم 1945 حيث جسّد العملاق يوسف وهبي دور الشيطان ذاته، ثم بعد ذلك كان عام 1947 مع فيلم “خاتم سليمان” من بطولة العملاق زكي رستم والمطربة ليلى مراد والذي اقتبس من أشهر الأساطير الشعبية العربية وهو خاتم النبي سليمان عليه السلام الذي عرف عنه تسخير الجن وتحقيق المستحيلات.
ثم تلاه في عام 1949 فيلم “عفريتة هانم” من بطولة فريد الأطرش وسامية جمال والذي مزج الكوميديا بالاستعراض الخيال ونجح نجاحًا ملحوظًا، وبعدها كانت محاولات عدة لصناعة فيلم فانتازي مصري فظهرت أفلام مثل أخلاق للبيع – النسخة القديمة من أرض النفاق وأنتج عام 1950– من بطولة محمود ذو الفقار وفاتن حمامة ومن بعده إسماعيل ياسين في بيت الأشباح 1951.
وظهرت محاولات أخرى درامية مرعبة نجحت بقوة مثل الفيلم المنزل رقم 13 عام 1952، ورحلة إلى القمر .
1959 ثم تطورت أفلام الخيال التي كانت معظمها تتبنى الكوميديا كإطار تشويقي ساهم بشكل كبير في شعبية الفيلم الخيالي الذي بدا في التبلور في الستينيات مع أفلام مثل الفانوس السحري وأخرى درامية نادرة مثل فيلم هـ 3 في عام 1961 من بطولة رشدي أباظة وتبني فكرة عقار إعادة الشباب .
ثم بالطبع بداية ظهور النجم العبقري فؤاد المهندس بنوعية أفلام لم تكن متداولة أو مستساغة بسهولة في الفترات السابقة، وأسهم بشكل كبير في ثراء هذا النوع من السينما والتي بدأها بفيلم أخطر رجل في العالم والتي أتى فيه بعصابات شيكاغو إلى القاهرة، وبعده فيلم المليونير المزيف وظهر فيه المخترع العبقري الذي اخترع أول روبوت مفكر وأول محرك صاروخي!، ثم أرض النفاق ثم العتبة جزاز وسفاح النساء الذي ظهر فيه أول وآخر قاتل متسلسل في السينما المصرية – على حد بحثي– وفيفا زلاطا والذي مزج فيه أفلام الويسترن الأمريكية مع الكوميديا المصرية، ثم بعد ذلك ظهر جيل الثمانينيات والتسعينيات بأفلام وصفت في وقتها وحتى الآن بالمحاولات الساذجة المشوهة لصناعة فيلم فانتازي رعب مثل التعويذة وبستان الدم وعاد لينتقم والكابوس وقاهر الزمن والرقص مع الشيطان.
ثم مع الألفية الجديدة ظهرت عدة محاولات كوميدية وصفها الجمهور بالمجتهدة مثل خلي الدماغ صاحي وسحر العيون والحاسة السابعة ثم ظهرت أخرى أعادت الفيلم الفانتازي الكوميدي بقوة مع جيل جديد من الفنانين الشباب بأعمال بارزة أمثال أحمد مكي بفيلم طير أنت – حتى مع اقتباس الفكرة– وسيما علي بابا وأخرى للثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو بقصص فريدة مثل ورقة شفرة وسمير وشهير وبهير وبنات العم والنجم أحمد حلمي بأفلام مثل ألف مبروك وعلى جثتي وصنع في مصر.
وظل الفيلم الفانتازي الكوميدي على القمة بينما انزوى الرعب أو الخيال العلمي في السينما المصرية اللهم إلا من عدة محاولات ظهرت مؤخرًا على استحياء كفيلم الفيل الأزرق وفيلم وردة مثلًا، ربما لاستحالة المنافسة مع محترفي المجال مثل هوليوود التي برعت ولا تزال في إحضار ومعالجة كل تيمات الممكنة في الرعب والخيال العلمي، أو المملكة المتحدة المقلة في إنتاجها لكنها تميزت فيه وحتى بوليوود الهندية المجتهدة جدًا على الرغم من سذاجة الحبكات وضعف الأفكار.
هكذا بنظرة خاطفة على السينما المصرية العريقة – تاريخًا- الخالية من التنوع الخيالي، ربما لعدة عوامل تحتاج لتحليل أعمق لنفسية المشاهد وحيثيات سوق صناعة السينما الذي يغلب عليه الطابع التجاري وعقلية عدم المخاطرة الذي فرض على المشاهد دومًا أبسط الحلول والتي لا تتناسب مع عراقة وقدم هذا الفن في مصر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست