القرفة في الطب العربي القديم بأنواعها المختلفة مثل الدار صيني والسليخة لها فوائد كثيرة، وتستخدم جميعها في علاج أمراض كثيرة، ورغم هذه الفوائدة المثبتة عبر التاريخ ظهرت دعوات حديثة تدّعي أن القرفة المتداولة شعبيًا لا تصلح للاستخدام الآدمي، بسبب احتوائها على نسبة عالية من مادة ضارة تسمى الكومارين، كما ادعت أن هذه القرفة تستخدم سمًّا للفئران.
فما مدى صحة هذه الادعاءات؟
وهل معنى هذه الادعاءات العلمية الحديثة المنشورة بخصوصها أن نضرب بطبنا الأصيل عرض الحائط؟ وهو طب مجرب على ملايين البشر لآلاف من الأعوام؟ إضافة إلى أنه لا دليل على أن بعض أنواع القرفة تستخدم كسم للفئران كما يزعمون!
إن القرفة تحتوي على مادة فعلًا تسمى الكومارين، وفي علم الصيدلة توجد مادة تشبهها وتسمى الوارفرين وهي تستخدم كمسيل للدم ولعلاجات أمراض أخرى، والكومارين يشبهها فعلاً في تركيبته الكيميائية ووظيفته كذلك، ورغم ذلك يتم استخدام الوارفرين بنسبة أعلى من النسب التي تم ادعاء ارتفاع نسبتها في بقية أنواع القرفة – فكيف بذلك يتهمون الكومارين؟
مذكور أن خطورة الكومارين تم تقييمها على حيوانات المختبر فقط، ومذكور أيضًا أنه آمن للاستخدام البشري بكميات غذائية ولكن يمكن أن يسبب مشكلة عندما يؤخذ مكملًا غذائيًا باستخدامه لمدد طويلة.
ومذكور أيضًا أنه: أكدت دراسات حديثة أجريت في ألمانيا وجمهورية التشيك عدم إمكانية التنبؤ بمحتوى الكومارين. حتى أن الدراسة الألمانية وجدت تفاوتًا كبيرًا بين العينات من نفس الشجرة الواحدة أ.هـ
ولهذا أقول: كيف لنا أن نؤكد نسب الكومارين بين كل هذه الأنواع؟ وكيف نجزم بها؟ ونتهمها ونشجع على صنف منها ونتهم الصنف الآخر؟
ومذكور في هذا البحث أيضًا أنه: تختلف نسبة محتوى الكومارين الكلي على نطاق واسع، ويمكن أن تتجاوز بسهولة إرشادات الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية.
ومذكور أيضًا أنه: خلص المعهد الفيدرالي لتقييم المخاطر إلى أنك ستحتاج إلى تناول جم واحد يوميًا – لمدة ستة أشهر أو أكثر حتى تكون في خطر.
وللعلم فإن التجارب المذكورة كانت على الكومارين الصناعي، الذي استخدم سابقًا على نطاق واسع كمضاف من المضافات الغذائية، ولكن تم حظر هذا المركب الصناعي لخطورته.
وفي بحث آخر مذكور أن: البيانات السمية الجديدة أظهرت أن الكومارين غير سام، ويعتقد أن معظم البشر يمتلكون مسارًا رئيسيًا لاستقلاب الكومارين، الذي يختلف في ذلك عن استقلابه في الفئران.
ومذكور أيضًا أنه: في عام 2004، أوصت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) بحد استهلاك يومي من الكومارين يتراوح بين 0.0- 0.1 مجم لكل 1 كجم من وزن الجسم يوميًا. أ.هـ
وللتوضيح أكثر أحسب لكم عملية حسابية بسيطة لشخص وزنه 75 كجم كمثال : Eq = 0.0001 gram x 75000 gram = 7.5 gram، وهي كمية كبيرة من الكومارين مقارنة بالكمية المحظورة التي يتكلمون عنها، علماً بأنهم يقولون أن نسبة الكومارين في القرفة المحظورة هي 5 جرام لكل كيلو قرفة!
فرق كبير يا سادة بين القيمتين!، وبهذا يمكنك تناول الكثير من أي نوع من أنواع القرفة بسلامة وأمان، ورغم ذلك لا أنصح بالإكثار منها – والالتزام بالجرعات العلاجية الخاصة بكل نوع.
ولهذا أرجو من الجميع عدم التشكيك في أي معلومة تخص طبنا الأصيل، إلا بمعلومات علمية دقيقة ومؤكدة بالدليل، لأن علوم الأعشاب يا سادة هي ثروتنا الصحية القومية، التي يجب أن نحافظ عليها وأن ندافع عنها بكل ما أوتينا من علم وحجة وثقافة، وأن نرد على كل من يشكك فيها، فلا تستهينوا بأي تهمة لأي عشبة تم ذكرها في الطب الأصيل، لأنه أفضل طب غير مشكوك فيه، ولأنه طب تم تجربته على آلاف البشر وآلاف القرى لآلاف السنين، ولأنه لم يكن أبدًا لصالح شركة من الشركات الرأسمالية الدوائية الخبيثة.
ولهذا أنصح الجميع بمراجعة مقالي الآخر الذي هو بعنوان: دور أعشابنا الوطنية.. في مقاومة الرأسمالية، لكي تفهموا حقيقة اللعبة الرأسمالية الدوائية، وتعرفوا كيفية مواجهتها بالنباتات الطبية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست