خدعوك فقالوا: إنك المواطن السيد في الوطن السيد، ولكن هذا على الفضائيات فقط، وفي خطبهم الرنانة، أما على أرض الواقع: فأنت المواطن صفر، في الوطن المنتهك المنهَك.
لقد أصبح مصطلح المواطن صفر واقعًا نعيشه، فقد ساعدت ثورات الربيع العربي على طفو هذا النمط من الأشخاص على السطح، ولقد دعم الخارج وعملاؤه بقوة أن تصل هذه النوعية من المواطنين لكل المراكز، والأخطر من ذلك أن مرض المواطن صفر تقريبًا مُعدٍ، فأخذ بالانتشار والتوغل بين الكثير من المواطنين.
والمواطن صفر هو: من يدافع عن الطغاة، ويهاجم المظلوم، دون أن يكون له أي مصلحة، هو ظاهرة طبيعية لكل حكم ديكتاتوري، حيث يؤدي إلى تفتت المجتمع دينيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، ولكن تحت قشرة هشة من التماسك، تفتتها أية هزة مجتمعية؛ فيطفو الخبث سريعًا على الوجه؛ ليكشف عورات هذا المجتمع التي كانت تسترها ورقة توت جافة.
ومن أعراض ذاك المرض
1- التذبذب: وهي أهم الصفات، حيث يحارب بشدة، ثم يتضامن بشدة أكبر مع من حاربه.
وظهر هذا جليًا في ما يدعى مظاهرات 30 يونيو (حزيران)، حيث حمل المواطنون الشرفاء على أعناقهم سجانيهم ومنتهكي أعراضهم وقاتليهم الذين وقفوا وتظاهروا ضدهم بصورة أكثر حضارية من 25 يناير (كانون الثاني).
2- المواطن صفر يناصر صاحبه، ولو ضد وجوده ومصلحته هو شخصيًا.
3- كذاب أشر: المواطن صفر يكذب كما يتنفس، بل يصدق كذبه أيضًا، ونظرة واحدة على الإعلام سترى تجسيدًا لتلك النقطة، وتجدها في تأييد الحفاة الجياع الذين لا يجدون قوت يومهم، وهم يرددون كالببغاوات كلام الإعلام عن مشروعات عملاقة، وأن الخير القادم.
4- في عالمنا العربي طور المواطن صفر صفاته؛ فأدخل عليها تعديلات، ولم يكتف بأنه صفر، فجعل من نفسه صفرًا على اليسار، أي بلا أية قيمة؛ ليزيد على الصفات السابقة الاستغباء، وإنكار الواقع لتنعدم قيمته تمامًا ويتلاشى.
والأمثلة كثيرة لا حصر لها: (تصديق فنكوش المشروعات الجبارة، تصديق أننا فقرا قوي، وبالرغم من ذلك نشتري أسلحة بمليارات الدولارات، بدلًا عن إقامة مشروعات تنموية واقتصادية، أن يخبرنا الإعلام بأن مصر أم الدنيا، وعلى أرض الواقع تباع أرضها ومقدراتها من مياه النيل والغاز والآثار).
5- المواطن صفر وقح لا يستحي من الله، ولا من الناس، فهو مستعد أن يمارس كل صفاته من تذبذب، وكذب، وإنكار للواقع، واستغباء، في وقت واحد بكل وقاحة أمام الجميع، ليس هذا فقط، بل يضعها في إطار ديني بمساعدة مشايخ السلطان وبعض الجماعات التي يطلق عليها كذبًا سلفية.
كل يوم تظهر لنا حوادث هنا وهناك كأنها أجراس إنذار تدق لكي ننتبه أن القادم أخطر، ولكننا تقريبًا كل يوم يتملك منا أحد عوارض مرض المواطن صفر بتعديلاته، من استغباء وإنكار للواقع، فتمر علينا أجراس وأضواء الإنذار واحدة تلو الأخرى، ولا نحرك ساكنًا.
فبعد زلزال زبيدة، وبعد زلزال اليائسين من جمر حلم الثورة، الذي أصبح يحرق القابض عليه، ليلقوا بأنفسهم في أتون نار العسكر، نصحوا على زلزال جديد.
مصرع العقيد طيار تامر صفي الدين محمد الذي تم دهسه بسيارة مدير مكافحة المخدرات بمحافظة الإسماعيلية، والتي كان يقودها ابنه بصحبة فتاة، ولأن الطيار كان بلباس مدني اعتقد ابن الباشا الضابط أن المقتول مواطن صفري، لا قيمة له من وجهة النظر العسكرية العنصرية، فتم حمل الجثة وحرروا للقتيل محضر سرقة السيارة، وأنه توفي أثر حادث بعد سرقتها والهرب بها.
ولأن الورق ورقهم، والبلد بلدهم، تم ترتيب أوراق المحضر، حماية لابن الباشا الضابط، ليس هذا فقط، بل هناك عميد شرطة تطوع مشكورًا أن يشهد على حادث السرقة. وكان الأمر سيمر لولا أن القتيل كان مواطن، لكن برتبة، فانقلبت الدنيا، وتم القبض على مدير مكافحة المخدرات وابنه، وقوة القسم، والعميد شاهد الزور، بواسطة قائد الجيش الثاني وقوة من الجيش، وجميعهم في السجن الحربي خاضعين للتحقيق.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فكل هذا يذكرنا بتسريبات عربة الترحيلات، التي قيل فيها نصًا أن المتهم، وكان ابن واحد من بشوات الجيش أنهم يريدون إنهاء الأمر لأن ابن الباشا هيموت من القلق، ولأن الحاجة وثلاثين واحد كما قيل نصًا في التسريبات لم يكن بهم مواطن برتبة، تم تبرئة الباشا الضابط ابن الباشا الضابط من قتل حاجة وثلاثين صفر لا قيمة لهم بنظر السادة الذين حملوا على أعناق مواطني 30 يونيو (حزيران).
وهنا يتكرر نفس السؤال الذي يتغافل الشعب عن الرد عليه، السؤال الذي ينكر وجوده، ويحجم عن الاعتراف أنه واقعه، ويرفس وينهش كل من يواجهه به. كم زبيدة فينا؟ كم رامي جان بيننا! كم تامر صفي الدين! ولكن بلا رتبة، كان الثرى مثواه ومثوى أحلامه، ولم نسمع به؟ والأهم إلى متى سنظل في غينا وذلنا قابعين؟
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست