بادرة جديدة جذبت أنظار المجتمع المغربي والمجتمعات العربية، نشطاء وحقوقيون مغاربة وعرب اجتمعوا بفندق فضالة بالمحمدية لمدة ثلاثة أيام لمناقشة دور مؤسسات المجتمع المدني المحدود في ظل أزمه جائحة كورونا، خاصة أن منظمات المجتمع المدني تعد من أهم الأعمدة الأساسية في تقديم الخدمات للمجتمع، تلعب هذه المؤسسات دورًا متممًا للعمل الحكومي، إلا أن دورها في تقديم الخدمات محدود، والجمعيات الفاعلة عددها قليل جدًّا، وقد كشفت أزمة كورونا عن محدودية مشاركة الجمعيات الأهلية في مواجهة تداعيات الجائحة باستثناء بعض المبادرات التي قامت بها بعض المؤسسات في هذا الشأن.

القطاع الصحي الحكومي

صرح محمد سيما رئيس الأكاديمية المدنية للديمقراطية والحكامة بالمملكة المغربية في كلمته الافتتاحية بأنه لا يوجد في مجتمعاتنا العربية مجتمع مدني، ولكن يوجد مجتمع أهلي يقوم على فكرة العمل الخيري، ويستند على فكرة التكافل والمساعدات الخيرية والتضامن، حيث يلعب الدور الكبير في تثبيت فيما نسميه بالأمن الاجتماعي في المغرب، ودوره في إطار الأزمات يرتبط بالأدوار التي يمتلك فيها الخبرة والقدرة التي تتوافق مع مفهوم المسئولية في مساعدة الناس، ومن ثم لا يوجد في المغرب مجتمع مدني بالمفهوم الغربي، والإشكالية تأتي أننا في المملكة المغربية إذا كان لدينا مجتمع مدني آخر قوي كان سيتمكن من الحصول على أدوار أكثر فاعلية في اتجاه مواجهة الأزمات، على سبيل المثال القطاع الصحي في أزمة كورونا، كان من الضروري أن يكون هناك تكاتف بين القطاع الأهلي والقطاع الخاص والقطاع الحكومي، لتصبح لدينا منظومة واحدة تدير القطاع الصحي لتكون جزءًا من إدارة الأزمة، لكن الإشكالية تظهر في أن القطاع الصحي الأهلي يحتاج إلى إعادة تطويره ويعاد تنظيمه بشكل كبير، لأنه يلعب الأدوار التقليدية في الأوقات العادية التقليدية وليس في إطار الأزمات، التي تتطلب خبرات معينة ورعاية تنسيق لذلك يجب أن توجد منظومه تحكم القطاعات الثلاثة معًا وتحديدًا في إدارة الأزمات، لتصبح لدينا منظومة متكاملة نستطيع توجيهها بشكل مباشر وسريع لمواجهة الأزمة، ومن ثم لا يقع العبء على القطاع الصحي الحكومي فقط.

وفي السياق نفسه ذكر محمد سيما أنه توجد إشكالية وهي أن القطاعات الثلاثة ليست متقاطعة ولا يوجد بينهم مشاركة بالمعنى الحقيقي، قد نجد مبادرات من القطاع الخاص أو مبادرات من القطاعات الأهلية، لكن يظل العبء الأكبر على القطاع الحكومي، وهذا درس مهم يجب الانتباه له في المستقبل وهو أننا نحتاج التعظيم من فكرة التعاون والشراكة ليصبح لدينا منظومة متكاملة، حيث إن موضوع الأوبئة كما نراه في العالم أو تتحدث عنه مراكز الأبحاث والسياسيون والعديد من المراكز، تتنبأ بأن الأوبئة ستكون هي التهديد الحقيقي الذي يواجه البشرية خلال العقد الحالي، ومن ثم من المهم أن يصبح لدينا قطاع صحي قوي، ولذلك فإن الدولة بالفعل مهتمة جدًّا بالقطاع الصحي، لكن لا بد من دمج الموارد والقدرات للقطاعات الثلاثة حتى يمكن أن نواجه هذا التحدي بشكل كبير.

أين المجتمع المدني؟

الأزمات المفاجئة، يتساءل الجميع أين المجتمع المدني في البلاد العربية؟ ولماذا لا يوجد له دور واضح بقوة في مواجهة الأزمات؟ والإجابة مختصرة أنه ليس هناك مجتمع مدني لكن الموجود مجتمع أهلي يقتصر دوره فقط على تقديم مساعدات وقت الأزمات، لكن المطلوب أن يكون لديهم مفهوم لإدارة الأزمة، مع وجود الجهود الحكومية التي من المفترض تشترك مع جهود القطاع الخاص مع القطاع الأهلي، وأن توجد دائمًا منظومة لإدارة هذه الأزمات بشكل كبير، ونعلم جيدًا أن المجتمع الأهلي في العالم العربي يقتصر على الأدوار التي تتوافق مع خبرته وموارده ومع الثقافة الحاكمة له، والتي تعتمد في الأساس لديهم على التكافل والتضامن وتقديم المساعدات الخيرية والاجتماعية، لكن المفهوم الأعمق لإدارة المجتمع المدني ليتفاعل مع فكرة الأزمات والشراكة وتفعيل بعض القيم في الحقيقة ضعيف جدًّا في العالم العربي، لأن في العالم العربي توجد ملامح بسيطة للمجتمع المدني ومن ثم من الصعب تحميله دائمًا مسئولية أدوار يؤديها وليس في إمكانه تنفيذها، لأنه في الحقيقة الكيان المطالب للقيام بهذه الأدوار ليس موجود، فالمجتمع المدني عبارة عن هيكل قوي جدًّا، ولكنه في العالم العربي متمثل فقط في القطاعات الأهلية التي تتجه للأدوار التقليدية، لكنه لا يستطيع المشاركة في عملية التنمية لأنه لا يمتلك هذه الخبرة، ولكن يوجد عدد قليل من المنظمات الأهلية نستطيع القول إن لديها هذا المفهوم التنموي، وتستطيع أن تشارك في عملية التنمية على مستوى الدولة.

الضبط الاجتماعي للمجتمع المدني

إعادة تنظيم المجتمع الأهلي ليصبح أكثر تقدمًا وفاعلية، ويصبح لديه إحساس بالمسئولية تجاه المجتمع ويتجاوز المسئولية التقليدية التي ترتبط بتقديم المساعدات الخيرية والاجتماعية فقط، وذلك من خلال توزيع المسئولية بين القطاعات الثلاثة، لإيجاد أدوار فاعلة للمجتمع المدني ليتحمل مسئولياته ويفعل من أدواره، ويكتسب الخبرة للتفاعل مع المجالات غير التقليدية التي اعتاد عليها في مسألة التنمية، وتدعيم وترسيخ المواطنة، ومواجهة الأزمات الاجتماعية ومظاهر الخلل الاجتماعي، ليتمكن من مواجهة هذه المظاهر التي لا يرضى عنها المجتمع، والمفترض أن من يواجه هذه المظاهر هي مؤسسات المجتمع المدني لأنها تؤدي أهم دور وهي فكرة دور الضبط الاجتماعي، ولكن لكي تتمكن من القيام بهذا الدور يجب أن يكون لديها القيم والثقافة والأدوات التي تمكنها من التنفيذ، فإذا تحدثنا عن القضايا الخاصة بحقوق المرأة والأيتام والفئات المهمشة في الحقيقة هنا الجمعيات الأهلية تحتاج أن يصبح لديها أدوات أكثر تأثير وفاعلية تجاه المجتمع، فهي قد تقدم خطاب ومبادرات جيدة لكن حجم التأثير في المجتمع لكي يتغير السلوك فرصته ضعيفة، فهي بذلك تحتاج إستراتيجيات وأدوات وموارد وحملات عميقة توجه للمجتمع تمكنهم من تغير الثقافة المجتمعية.

أضاف بعض المشاركين أنه في المقابل توجد مشكلات جديدة تنموية وسياسية وثقافية واجتماعية، فهنا كان لا بد من وجود مؤسسات مجتمعية تلبي هذه الاحتياجات لأنها لم تتكون بشكل قوي، ومن ثم حدث خلل حول من سيؤدي هذا الدور الضابط ومن المؤكد أن الدولة هي التي ستقوم بهذا الدور، لكن مع ضرورة حضور ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني أو الدور المجتمعي، لكن الإشكالية تكمن في عدم تطور المجتمع.

وفي السياق نفسه أشار أستاذ محمد المتوكل من الحسيمة، هناك أيضًا أدوار أخرى مهمة وهي هل المجتمع نفسه ثقافته تتقبل هذا التغيير؟ هنا من الضروري أن تتغير العلاقة بين الدولة وبين المجتمع، وينبغي أن تتعمق ويصبح لديها أدوار كبيرة تعزز فكرة التعاون والشراكة من خلال التخطيط والتنفيذ والتقييم فيصبح له دور فاعل جدًّا، مع تفعيل الشراكة بين المثلث القائم بين القطاع الخاص والحكومي والقطاع الأهلي، لا بد أن يكون مثلثًا قويًّا ومن ثم يتصدى لكل هذه المشكلات بفاعلية، وعن طريق القدرات الموجودة في القطاعات الثلاثة، وفي هذه المرحلة نحتاج لكثير من البناء لأن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تواجهك أكثر من قدرات الدولة، ومن ثم لا بد من تفعيل مؤسسات المجتمع مثلما يتم تفعيل مؤسسات القطاع الخاص لكي يصبح المجتمع شريكًا ويتحمل المسئولية في مواجهه الأزمات، فعندما تحدث أزمة لأي إنسان يحتاج علاجًا نفسيًّا ومساعدات، وتأهيله وإعادة دمجه في المجتمع، وهذه أدوار لن تكون كافيه لمجرد مساندته ماديًّا أو إعطاءه بعض المساعدات، رغم أنها مطلوبة ومهمة وأساسية، لكن الأفضل دمجه مرة أخرى مع الدولة والمجتمع، فكل ذلك أدوار ثقافية وفكرية تحتاج تكافلًا وتصميم برامج؛ لأن برامج وسياسات المجتمع المدني تعتمد على تنمية الفكر والثقافة والقيم وتنمية الأبعاد المرتبطة بالمسئولية المجتمعية، ولكنها كلها أدوار غائبة في الحقيقة.

خبرات القطاع الخاص

وأكد بردوحي أحمد، نائب رئيس شبكة المواطنة بالمحمدية، أن للدولة دورًا مهمًّا في دعم الثقة في القطاع المدني لتعظم أدواره، أيضًا المجتمع المدني عليه أن يغير ثقافته ويعمق أدواره ويتجه في المجالات التي يحتاجها المجتمع والدولة، وألا يلجأ للأدوار التي يمتلك فيها الخبرة والدور فيها لكن عليه أن يتسع بشكل أكبر، أيضًا على القطاع الخاص أن يقوم بدور أساسي في دعم القطاع الأهلي ولا يركز فقط مع القطاع الحكومي، لكن عليه أن ينظر إلى القطاع الأهلي ويعظم من دوره وخصوصًا في مجال الإدارة والتنمية؛ لأن هذه هي خبرة وقدرات القطاع الخاص التي يمكن أن ينقلها بسهولة إلى القطاع الأهلي، وبدون كل ما تحدثنا عنه سيظل المجتمع المدني عمل في إطار المسكنات وسيواجه الأزمات، لكن تعظيم الأدوار هو الذي سيجعلنا نرتقي بأطر المواجهة وتصبح لدينا القدرة على إدارة الأزمات بشكل لا يقع العبء الأكبر فيه على القطاع الحكومي.

أسباب التأخير

تأخر المجتمع المدني حدث نتيجة أن الثقافة المجتمعية تعزز وتفضل الأدوار التقليدية المرتبطة بالمساعدات، لأنها جزء خاص بالديانة وخاص بثقافة المجتمع، حيث نجد الكثير يذهب للتبرع لطفل يتيم أو بناء جامع أو كنيسة، لكن إذا طلب منه التبرع لإنشاء مشغل سيمتنع المتبرع رغم أنه سيحصل على الثواب نفسه، وهذا جزء مطلوب تغييره، وتأخر أيضًا بسبب وجود أزمة ثقه ما بين المجتمع المدني والدولة بسبب أنه تاريخيًّا مؤسسات المجتمع المدني عملت بموضوعات تتقاطع مع العمل السياسي بشكل مباشر، بمعنى أنها طالبت الدولة بتطورات سياسية معينه وطالبت بمزيد من الحرية والديمقراطية وطالبت بمساحات في الحراك السياسي، وهذا يتقاطع مع دور الدولة، ومما زاد الأمر تعقيدًا أن المجتمع الدولي أصبح يدعم هذا القطاع الحقوقي ضد الدولة، ومن ثم أصبح ملفًا سياسيًّا بالدرجة الأولى وليس ملفًا حقوقيًّا، ومن ثم هنا يأتي على سيادة الدولة في مقابل هذا المفهوم، ولذلك حدث اصطدام نتيجة حساسية الموضوعات ونتيجة التدخل الدولي الذي يفقد من هذه المنظومة البعد الإنساني لها ومن ثم توظيفها سياسيًّا للضغط على الدولة وابتزازها وتقليص سيادتها.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد