منذ عام 1952 وبالتحديد في 23 يوليو من نفس العام، والجيش المصري متمثلًا في تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بانقلاب يوليو العسكري ضد النظام الملكي في مصر، وهو يتولى زمام الحكم في مصر مهما تغيرت الأشخاص سواء نجيب، ناصر، سادات، المخلوع مبارك أو السيسي كلهم عسكر يحكمون المجتمع المصري بسياسة الحديد والنار.
والمقصود بسياسة العسكرة، هي سياسة الأمر المطاع بلا نقاش. فمن المعروف لدى العسكريين أن شعارهم هو (الله، الوطن، الأمر) فلا نقاش عند أخذ الأوامر من القائد العسكري، فيجب التنفيذ عند إصدار الأمر، وإذا لم يعجبك الأمر فعليك بالتنفيذ ثم بعد التنفيذ يمكنك التظلم من الأمر.
وهو أمر يخالف الحياة المدنية التى تتسم بالنقاش والأخذ والرد وسياسة الرأي والرأي الآخر، وأن من حق الفرد أن يعترض على القرار بأى شكل من الأشكال طالما أنه يتعارض مع مصالحه.
بل قد يصل الأمر إلى حق الفرد في المجتمع غير العسكري ألا ينفذ الأمر من الأساس طالما أن مصلحته تتعارض مع تنفيذ هذا الأمر. إلاأن العسكر لا يعي هذا الأمر ولا يعرف سوى تنفيذ الأمر أولًا وقبل كل شيء ثم الاعتراض بعد التنفيذ.
وهناك باع طويل في ظل سلسلة الحكم العسكري في مصر بمختلف فتراتها والتي تواصلت حقبة بعد حقبة، ولكنها تواصلت في وأد المجتمع المدني لتحول المجتمع المصري إلى مجتمع عسكري يؤمر فيطاع ولا يناقش أو يجادل.
وإذا نظرنا إلى مؤسسات المجتمع المصري خصوصًا المؤسسات التى من المفترض أن تكون مؤسسات مدنية يقوم على أساسها المجتمع المدني، سنجد أن هذه المؤسسات أصبحت خاوية من أى مضمون أو فكر قامت أو من المفترض أن تقوم عليه.
فعلى سبيل المثال، انظر الى حال النقابات في مصر، فهى نقابات أصبحت تسير في فلك النظام العسكري الحاكم ولا تسير في مصلحة الأعضاء المؤسسين لها أو تسير في مصلحة الدفاع عن مصالح الوطن مصر أو قضايا الوطن العربى.
أصبحت النقابات في نهاية الأمر تبحث عن بدل أو زيادة في المعاش أو زيادة في الأجور للأعضاء بها، وليذهب الوطن وقضاياه إلى الجحيم هو أو المواطن المصرى.
أنظر عزيزى القارىء إلى مجال آخر وهو الأحزاب السياسية التى تحولت إلى الأسوأ، ففي عهد المخلوع مبارك كانوا يطلقون عليها «الأحزاب الكرتونية» أو «الأحزاب الصحافية» نسبة إلى أن الأحزاب آنذاك كانت ما هي إلا عبارة عن صحف تصدرها، أما الآن فقد أصبحت الأحزاب أحزاب لافتات، فما الحزب السياسى الآن في مصر إلا لافتة ليس إلا ولا يوجد أي نشاط أو معارضة تذكر.
وتكافأ قيادات الأحزاب بالتعيين في مجلس الشورى أو المساعدة في إنجاحهم في مجلس النواب عن طريق دعمهم بأى شكل من الأشكال.
إن الوضع إذا استمر عليه كما هو الآن فسيتحول المجتمع المصري إلى مجتمع هلامى غير قابل لأن يقاوم مشاكله وقضاياه.
فلا يمكن للمدنى أن يكون عسكريًا، ولا العسكري يمكن أن يكون مدنيًا، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، فالمدني مدنى، والعسكري عسكرى.
وإذا كانت هناك مطالب بأن يكون المجتمع المصري مجتمعًا مدنيًا يقوم أساسًا على مؤسسات المجتمع المدني مثل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الأهلية إلخ، فإن هذا المطلب يتعارض مع سياسة العسكرة التى يتبعها العسكر – الجيش المصري الحاكم – تجاه المجتمع المصرى فلن يجتمع هذا مع ذاك، ولابد لطرف أن ينتصر على الطرف الآخر فمثلما لا يجتمع الزيت والماء فلن يجتمع المجتمع الذي يحكمه العسكر مع المجتمع المدني.
لذلك لابد عن أن تتم تقوية المجتع المدني ومؤسساته ليواجه الحكم العسكري وعسكرة المجتمع والدولة المصرية، وأن يلقى الدعم والمسانده لكل من يحب هذا الوطن وأن يعود إلى حكم المدنيين مرة أخرى بدلًا عن عسكرته وحكمه عسكريًا بالحديد والنار.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست