يُعد تغيّر المُناخ مشكلة طويلة الأجل، وتنعكس على تفاعلات بين العوامل البيئية والظروف الاقتصادية والسياسية والمؤسسية والاجتماعية والتكنولوجية، فهي مشكلة متعدّدة التأثير والأبعاد، وهناك إجماعٌ عالمي على أنّ المُناخ يتغيّر نتيجة للانبعاثات التي يُسبّبها الإنسان أساسًا، وإن مواجهة هذه الأزمة العالمية قد يتم بحثها بشكلٍ رئيس من خلال وضع استراتيجيات للتكيّف معها مراعاةً مع تخصيص التمويل اللازم والكافي لمعالجتها والحد من انعكاساتها على حياة البشر حول العالم.
في الواقع، إن الاهتمام الدولي بقضايا تغير المُناخ لم يكن من داعي تحسين حياة الناس فحسب، بل هو انعكاس لخطورة ظاهرة التغير المناخي وتبعاتها السلبية على كل العالم، فعلى سبيل المثال بلغ عدد الكوارث الطبيعية عام 2009 نحو 351 كارثة، يخص تغير المُناخ منها نحو 325 بما يُمثّل 92.5%، وقد أدّت تلك الكوارث لوفاة نحو 10.551 منهم 8.700 شخص نتيجة لأمراض ترتبط بتغيّر المُناخ، وقد تأثر نحو 42 مليون شخص بالكوارث الطبيعية منهم 98 في المائة من جراء التغيّر المُناخي.
ولقد عُقد مؤتمر باريس لتغير المُناخ في نهاية 2015، وأقرّ فيه ممثلو 195 بلدًا في المؤتمر اتفاقًا دوليًا للتصدي للاحتباس الحراري، وستجري أول مراجعة إجبارية في عام 2025، ويتعيّن أن تشهد المراجعات إحراز تقدّم في تطبيق الاتفاقية. وهذه نقطة حساسّة بالنسبة للدول المتقدّمة التي تخشى الوقوع في مساءلة قضائية بسبب مسؤوليتها التاريخية في التسبّب في الاحتباس الحراري. وحددّ هذا المؤتمر عام 2018 موعدًا لإجراء 195 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية، وستُدعى في 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها.
ولقد نصّ الاتفاق بناءً على طلب الدول النامية أن مبلغ الـ100 مليار دولار الذي تعهدت الدول الصناعية في عام 2009 بتقديمه سنويا بداية من 2020، ليس سوى حدٍ أدنى، وسيتم اقتراح هدف (رقم) جديد وأعلى في عام 2025 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها للطاقات النظيفة، وللعلم فإن آليات التمويل ما تزال معروضة على مائدة المفاوضات ضمن آليات تنفيذ اتفاق باريس.
من المعلوم أن المنطقة العربية هي من أكثر المناطق تأثرًا بظاهرة التغير المُناخي، وحسب بيانات البنك الدولي فإن ارتفاع سطح البحر من جراء التغير المناخي سيؤثر على نحو 43 مدينة ساحلية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولقد نشر البنك الدولى تقريرًا حول الواقع الجديد للطقس الذي سببه تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرًا إلى أن درجات الحرارة ستشهد ارتفاعًا أكبر في المنطقة، وستشتد الظروف المناخية في منطقة هي بالفعل الأشد حرارة وجفافًا على وجه الأرض، وهناك توقعات بارتفاعات ملحوظة على درجة الحرارة في البلدان العربية، ففي مصر قد ازدادت درجة الحرارة الصغرى بمقدار 0.5 درجة مئوية، وفي تونس يُتوقع أن ترتفع درجة الحرارة 1.1 درجة مئوية بحلول 2030، وفي المغرب يُتوقع ارتفاع ملحوظ أيضا بحلول 2020 يتراوح 0.6- 1.1 درجة مئوية، وفي السعودية يُتوقع ارتفاع ملحوظ بحلول 2060 يتراوح 1.5- 3.1 درجة مئوية، وفي المنطقة الشمالية الغربية بالسودان يُتوقع أن ترتفع درجة الحرارة في الصيف بين 2.2- 2.7 درجة مئوية، وهذا التغير المُناخي سيكون له تأثيراته السلبية على مختلف مناحي الحياة.
وتبعًا لمؤشر الخطر هذا، سيقوم البنك الدولي بزيادة القروض التي يقدمها لدعم التحرك إزاء تغير المناخ من 18 إلى 30 في المائة، وزيادة قروض الأنشطة المناخية التي توجه لإجراءات التكيف بنسبة كبيرة عن 28 في المائة حاليًا وذلك لأنشطة تشمل تشجيع الممارسات الزراعية الواعية بالمناخ، التي تستهلك كميات أقل من المياه، وحماية التربة، وامتصاص الكربون، ومد شبكات أمان لحماية من يفقدون وظائفهم بسبب تأثير الطقس.
إن جذب التمويل من القطاع الخاص، كضمانات الاستثمار يمكن أن يكون مشجعًا -بشكل واضح- للاستثمارات الخاصة في الطاقة المتجددة، ومحطات تحلية المياه، ودعم العمل الجماعي لزيادة الأمن على صعيد التحديات الرئيسية العابرة للحدود، كإدارة المياه وتكامل سوق الطاقة.
ويجب أن يتم تقليل انبعاثات الكربون وهذا ممكن، وأذكر هنا ما أصدرته حديثًا الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، حيث قالت إن حصة الطاقة المتجددة من إمدادات الطاقة يجب أن تزيد إلى 65 بالمئة بحلول عام 2050 من 15 بالمئة في 2015 وهنا ستقل انبعاثات الكربون إلى 70%.
أولى المشاريع التي ستقام في فلسطين حسب البنك الدولي، عام 2017 ستشجع على تحسين إدارة إمدادات المياه في أوضاع الصراعات المحدودة مع تحسين جودة وكفاءة خدمات المياه والمياه المستعملة. وأعتقد أن هذه المشاريع جاءت في توقيت مهم. فهي ضرورية نظرًا للعجز الكبير والمتوقع -حسب تقارير للأمم المتحدة- في المياه في الأراضي الفلسطينية.
والبنك الدولي خصّص خمسة التزامات على عاتقه للتكيف مع التحدي المتمثّل في تغير المُناخ، وأطلق خطة لمساعدة البلدان على التكيف مع ما يحدث بالفعل والتخطيط لمساعدة البلدان على تنفيذ خططها القومية، حيث تهدف خطة العمل المناخي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مضاعفة نصيب البنك من التمويل الداعم لمواجهة تغير المناخ، والذي يعني بالمستويات الحالية تدبير 1.5 مليار دولار سنويًا.
هناك عدة أطراف وجهات دولية تقدم التمويل والمساعدة المالية لمشاريع التكيف مع ظاهرة التغير المناخي في فلسطين، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبعض الدول المانحة على مستوى العالم.
وأعتقد أن التمويل لمشروعات التغير المناخي غير كاف، رغم أنه ضروري جدًا حيث الأزمة الكبيرة في قطاعي الكهرباء والمياه، والمشروعات في هذا السياق ما زالت غير كافية. لذلك يجب التعاون مع المختصين في إعداد المشروعات وتقديمها للجهات المانحة، كمشروعات إقامة محطات الطاقة الشمسية. والاهتمام يجب أن يركّز في المقابل على سياسات وقوانين وتكنولوجيا تخدم التحول تدريجيًا للطاقة النظيفة.
إن مجابهة التأثيرات المحتملة لتغيّر المُناخ تستوجب تعاونًا وتضامنًا دوليًا في إطار أهداف التنمية المستدامة، كما يجب أن يُمثّل التكيف مع تغير المُناخ أولوية قصوى لدى السلطات المعنيّة في الأراضي الفلسطينية ليتسق ذلك اتساقًا كاملًا مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن مسألة التكيُّف مع ظاهرة التغير المُناخي تتمثل في مجموعة السياسات والممارسات والمشاريع التي ترمي إلى إحداث تعديلات من ِشأنها تحسين ورفع كفاءة البُنى الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية لزيادة مرونة هذه النظم وجعلها أكثر قدرة على مواجهة الأثار المحتملة لتغير المناخ والاستفادة من الفرص المتاحة، وتتضمن عمليات التكيُّف مع تغير المناخ تجنب الأخطار عبر الحدّ من قابلية التأثر.
ولقد ذكر التقرير الاقتصادي العربي الموحّد أنه قد تم وضع برامج التكيف القطاعية ضمن خطة تشمل كل قطاعات المناخ، المياه والأراضي والتنوع الحيوي، والزراعة والغابات والصناعة، الطاقة، النقل، التشييد والبناء، السكان والمستوطنات البشرية، الصحة والبحار والمناطق الساحلية، وتُركِّز هذه البرامج بصفة خاصة على توفير البنية التحتية اللازمة للحد من المخاطر المتوقعة، وتحسين كفاءة إدارة الموارد الطبيعية باستخدام نظم الرصد والمراقبة والإنذار المبكّر والتقنيات المناسبة، والاستعداد لمجابهة الكوارث، وبناء القدرات، وإتاحة وتحسين وتبادل المعلومات بما في ذلك المعلومات المناخية، ورفع مستوى التوعية العامة وتكوين الشراكات، ومراعاة أن تكون هذه البرامج متّسقة مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية على نحوٍ يُشجّع النمو الاقتصادي المستدام ويساعد على الحد من الفقر، ويزيد من مرونة القطاعات الاقتصادية القابلة للتأثر بتغير المُناخ.
فلسطين ستكون مهيّأة للازدياد في التعرض للمخاطر الطبيعية. أهم هذه المخاطر هو الجفاف وقلة مصادر المياه، حيث ستؤدي قلة الأمطار إلى ازدياد العجز المائي، الأمر الذي يقلل من فرص الاستفادة من الأمطار عند حدوثها لتغذية الخزان الجوفي.
لقد أُعدت الخطة الوطنية للتكيف مع تغير المناخ، التي شملت 12 قطاعًا في فلسطين، حيث قدّرت الكلفة الإجمالية للخطة حوالي 3.5 مليار دولار، وتهدف لتحديد جملة خيارات التكيف للسنوات العشر القادمة، والتي رُفعت إلى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ضمن البلاغ الوطني، وتعد دولة فلسطين الدولة السادسة على مستوى العالم في رفع خطة التكيف، وهذا يمكن أن يؤهلها للحصول على التمويل اللازم لتنفيذ هذه الخطة من الصناديق الدولية المرتبطة بالاتفاقية.
وسبق وأن طرحت سلطة جودة البيئة خطة التكيف الوطنية مع تغير المناخ ضمن مشروع «رفع قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية في إدماج البيئة والتغير المناخي في السياسات الوطنية»، وتقوم سلطة جودة البيئة بإعداد التقارير بشكل دوري للتعرف على التطورات في ملف تغير المناخ في الأراضي الفلسطينية، ودراسة عملية التكيف معها.
في ضوء متطلبات التكيف، يقول الخبراء إن ممارسات الزراعة المُراعية للمناخ تساعد المزارع على زيادة إنتاجيته وقدرته على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ مثل الجفاف، وفي الوقت نفسه تصبح بمثابة خزانات لامتصاص الكربون تساعد على الحد من الانبعاثات.
إن تعميم الوعي البيئي لدى السكّان يأتي في صميم فكرة التكيف مع تغير المُناخ، حيث إننا بحاجة لممارسات صديقة بالبيئة وأكثر اخضرارًا.
مؤخرا شُكّل الصندوق الوطني للاستثمار في الطاقة الشمسية، وجاء هذا المشروع لزيادة العمل بالطاقة الشمسية باعتباره جزءًا من عملية التحول للطاقة النظيفة، وللتكيف مع ظاهرة التغير المُناخي التي تتطلب البحث عن بدائل أقل تلويثًا، رغم أن الأدوات المستخدمة حاليًا في تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء تتطلّب استنزاف للموارد الطبيعية من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تتطلب رؤوس أموال كبيرة، عدا عن تكلفة الصيانة المرتفعة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست