الثورة دومًا تكون بداية جديدة على طريق احترام حرية المواطنة، والمذهب، والتنقل، والسكن، والتعايش، خصوصًا بعد أحداث الحرب الأهلية اليمنية، التي مضى عليها خمس سنوات. لم تكن الأحداث التي شهدتها مدينة التربة سوى مادة لتعليقات إعلامية وصحفية، بأن جعلت وصف حصاد ثورة 11 فبراير (شباط) 2011 بالحصاد الهزيل، وبأن هناك أزمة حقيقية في المواطنة.
هناك عبث بالشائعات والتناقل المسموم للمعلومات المغلوطة يلعب دورًا كبيرًا في تأجيج الفتن، خصوصًا فيما يتعلق بالوحدة الوطنية، التي تجمع اليمنيين من صعدة حتى المهرة، وارتبط ذلك باستخدام البعض لوسائل الإعلام، بما لديها من قوة تأثير في زمن قلت فية القراءة والبحث الجدي عن المعرفة الحقيقية لتبرير موقف العداء والكراهية نحو الطرف الآخر بأي قالب أيديولوجي.
يبدو بأن الإشكالية في بعض التيارات الأيديولوجية التي بفعل سياساتها وإجراءاتها تريد شرخ الهوية الوطنية، وتفكك اللحمة المجتمعية التي عرفت بها الحجرية تاريخيًّا؛ فأبناء الحجرية ينتشرون في كل المحافظات اليمنية، وذلك يجعل مدنهم وقراهم مجالًا مفتوحًا للتعايش والاندماج لكل اليمنيين، سواء أكانوا من جماعة أنصار الله الحوثية، أم رجال المقاومة الوطنية، أم المجلس الانتقالي الجنوبي، أم أنصار الشرعية المعترف بها دوليًّا شرط الالتزام بالتعايش والتصالح؛ أي العيش المشترك بما في ذلك الاندماج، والهوية، حتى المذاهب.
ألم تكن مدينة التربة حاضنة الحجرية خبرة التعايش بين أبناء الشعب اليمني تاريخيًّا؟
إذا كانت المقاومة هي من تحمي أبناء الحجرية في مناطقهم، فمن يحمي أبناء الحجرية في صنعاء وصعدة، والمخاء، وذمار، وعدن، وسيئون، والغيظة، وشبوة، وبالتالي نكتشف بأن المواطنة تحمى تلقائيًّا بضمانات الاستقرار والتعايش المشترك، وذلك عبر الاعتراف بالتنوع المذهبي والمناطقي.
الغريب في الأمر أن مدينة الحجرية مرشحة لتعايش أكبر يكون فيه الاستقرار والتعايش أولى الضمانات الاستراتيجية لخطوات الاستثمار والإعمار، ولن تكون مفتوحة لليمنيين فقط، بل ستتقاطر إليها مختلف الجنسيات والأديان على المدى القريب والبعيد.
في المحصلة فالتربة حاضنة الحجرية تحقق التعايش الثقافي، والذي يعد حصيلة معادلة يمنية ودولية مكونة من (التعايش + الإندماج)= الهوية.
يبدو أن بعض أبناء اليمن في الشمال اليمني والجنوب العربي، تناسوا أن مؤلف كلمات النشيد الوطني «الرسمي» هو أحد أبناء تربة ذبحان حاضنة الحجرية، حيث كان النشيد الرسمي للجنوب العربي قبل الوحدة اليمنية، واعتمد بعد الوحدة ليكون النشيد الرسمي للجمهورية اليمنية، بينما كان نشيد الشمال اليمني هو نشيد في ظل راية ثورتي من عام 1978م، وحتى عام 1990م.
وفي المقابل فعلى ما يبدو أن عددًا كبيرًا من اليمنيين لم يطلع على الأبيات كاملة لذلكم النشيد الوطني، وكل ما سمعه هي أبيات المقطع المختصر.
للتذكير ببعض الأبيات التي ذكرها الفضول، ولم تعزف في السلام الوطني، لكنها ستنفذ واقع يومنا هذا، وتحديدًا في تربة ذبحان حاضنة الححجرية، ومنها بيت الشعر:
- سوف تبقى في مدى الأيام أخلاقنا زاهية لن تخلقا..
- ليس منا أبدًا من يسكب النار على أزهارنا كي تحرقا..
وكان من أروع ما قاله: قد بهرنا الخير بالخير التزاما.. قد بهرنا الخير بالخير التزاما.. نحن أوفى الناس للناس ذماما.. نحن أوفى الناس للناس ذماما.
- وسيبقى وجهك المشرق يا وطني.. بالضوء منا مشرقا..
- وسيبقى قاهر الشعب على وجه أرضي عدمًا.. عدمًا لن يخلقا..
استنادًا لكل ما تقدم؛ فمدينة التربة ومدن الحجرية ستكون نموذجًا يحتذى به ليس لليمنيين فقط، في الشمال اليمني والجنوبي العربي من بوابة التعايش الثقافي، بل ستكون عما قريب نموذجًا تنمويًّا استثماريًّا لا يقل شأنًا عن دبي وسنغافورة، بعد استكمال الربط التنموي لذوباب والوازعية بمدينة التربة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست