في غمرة التطورات التكنولوجية المتلاحقة في عالم الاقتصاد، وفي مجتمع تحركه التكنولوجيا، أصبح من الضروري استخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة واستغلالها اقتصاديًا، فبات لزامًا على الدولة التحول إلى الاقتصاد الرقمي لمواكبة التطورات المتعلقة بهذا المجال ومواجهة الركود الاقتصادي الناتج عن الأزمات المالية المتلاحقة واللحاق بالدول السباقة في ذلك، لتجنب العزلة التكنولوجية والاقتصادية.
فالاقتصاد الرقمي بدوره يعتمد على تقنيات الحوسبة والرقمنة الناتجة عن تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي تبقى فيها الجزائر متأخرة نوعًا ما في التحكم في هذه التكنولوجيا، هذه الأخيرة تلعب دورًا فعالًا في الرفع من فعالية الاقتصاد الوطني من خلال الاعتماد على التحول الرقمي.
إن تزاوج تكنولوجيا الاتصال الحديثة واستغلالها في المجال الاقتصادي، ينتج عنه اقتصاد رقمي فعال تكون فيه تكاليف الانتاج منخفضة، وبالتالي يرتفع النمو الاقتصادي في البلاد، ويصبح الاقتصاد الرقمي سوقًا رابحة.
إن استخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في المجال الاقتصادي في الجزائر سيساهم في انتشار كبير لحجم المعلومات والبيانات الاقتصادية الحساسة التي تعد سرًا من أسرار الدولة الجزائرية، ما يضعها في متناول دول أخرى متحكمة في التكنولوجيا، وهذا ما يحتم على الجزائر إنشاء نظام معلوماتي آمن أو ما يعرف بالأمن السيبراني، ولن يتحقق ذلك إلا بالتحكم في تكنولوجيا الاتصالات الحديثة والتحكم في الطلب المتزايد على التطبيقات ووسائل الاتصال الحديثة من قبل المتعاملين الاقتصاديين والمستهلكين على حد سواء.
ولنجاح الجزائر في الولوج لهذا النوع من الاقتصادات وجب عليها اتخاذ العديد من الإجراءات على صعيد العرض من خلال إشراك القطاع الخاص في الانتقال إلى الاقتصاد الرقمي، وفتح السبل أمام تطوير أسواق اقتصاد رقمي وتحسين الوصول للقروض ورأس المال بالنسبة للشباب المبتكرين في هذا المجال وسن قوانين لحماية براءات المخترعين في هذا المجال لحمايتهم وتشجيعهم، كما أن تحقيق هذه الأهداف لا يتحقق إلا بحشد الإرادة السياسية لتعميم السياسات الذكية من خلال الحكومة الذكية ومدن ذكية ومواطنين أذكياء وتعزيز البرامج الحكومية الإلكترونية وتوسيع نطاقها لإنشاء مدن ومنازل إلكترونية ورصد تدفقات الاستثمارات الأجنبية وتوجيهها نحو مجالات تسفر عن نقل للتكنولوجيا من الدول الأجنبية إلى الجزائر، كما لا يمكن إغفال تحسين وإنشاء مكاتب خاصة لإحصاء تقدم استخدام تكنولوجيا الاتصالات في المجال الاقتصادي في الجزائر لمراقبة وتيرة التطور والاستفادة من الإحصائيات من خلال دراسات علمية وأكاديمية.
فالجزائر قطعت شوطًا معتبرًا نحو رقمنة الاقتصاد مم خلال خطوات عديدة منها إصدارها لبطاقة الدفع عن بعد (البطاقة الذهبية) وتمويل المراكز التجارية ونقاط البيع الكبرى بأجهزة الدفع عن بعد واعتمادها لتطبيقات لمختلف المؤسسات الاقتصادية والتجارية كانت عمومية أو خاصة، وتشجيعها للاستثمار في ميدان تكنولوجيا الاتصالات بصفة عامة، إلا أنها ما زالت تحتل مراتب غير متقدمة في هذا المجال، مقارنة بدول عربية أخرى كانت السباقة في الولوج لهذا العالم الواسع وتعتبر نسبة استخدام الأفراد للإنترنت قاعدة خصبة ومهمة في التحول للاقتصاد الرقمي في البلاد حيث قدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في تقريرها الصادر سنة 2018 قدرت استخدام الأفراد للإنترنت في الدول العربية بـ43.7% مقارنة بنسبة 81% بالنسبة للبلدان المتقدمة مما يفسر التأخر الكبير للدول العربية التي تعتبر الجزائر جزءًا منها في هذا المجال مقارنة بالدول المتقدمة، والتي وجدت قاعدة رقمية خصبة للتحول إلى الاقتصاد النوعي، فالمواطن هو المحرك الاساسي لهذه العملية.
وتحتل الجزائر المرتبة 76 عالميًا من حيث تبني تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات سنة 2019 مقارنة بالمركز 83 عالميًا سنة 2018 حسب أما في ما تعلق بعدد مستخدمي الإنترنت احتلت الجزائر المرتبة 83 سنة 2019 مقارنة بالمرتبة 91 سنة 2018 وذلك حسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019، ومقره في جنيف بسويسرا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست