قد يعطي العنوان انطباعًا أن هناك تنافسًا شديدًا بين أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات، والحقيقة ليس هذا القصد الذي نريد إيصاله، لكن لا يستطيع أحد أن يتحدث عن الحرب النفسية التي تتعرض لها الكفاءات العلمية في بلداننا،  دون أن  يمر على المقولة الشهيرة للعالم الكيميائي المصري  أحمد زويل «الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»، مع أنه من المنطقي أن يحصل العكس، لأن «هم» متطورون، أما «نحن» فما زلنا في مراحل البداية.

سنحاول في هذا المقال البحث عن السبب، أو أن نجد تفسيرًا منطقيًّا لعدم قدرة شخص يحمل كفاءة علمية على إيجاد فرصة عمل، في حين أن الذي لا يتمتع بكفاءة فرصته أكبر نسبيًّا، وحظه أوفر في شغل منصب يلائمه.

لا نجزم أن الأسباب التي نضعها مطلقة، هي فقط محاولة لإيجاد تفسير للحالة.

 

 

أولًا: قلة خبرة أرباب العمل

غالبًا ما يمسك رجال السلطة مؤسسات، وشركات بلداننا من جامعات، ومعاهد خاصة، ومؤسسات إعلامية، وشركات، ورأس المال لهذه الشركات تابع لرجال نافذين في الدولة، ورجل الدولة يعين أحد معارفه أو أقربائه أو أحد متملقيه الذي يأتمر بأمره، يدير العمل عوضًا عنه، ما يعني أن كفاءة هذا المدير منعدمة، أو قليلة في أفضل الأحوال، لذا فهذه المؤسسات وإن لم تكن حكومية صرفة، فهي تشبه مؤسسات الدولة ذات الطابع البيروقراطي، لكن تُستخدم البيروقراطية في تلك المؤسسات غير الحكومية، لإقصاء أصحاب الكفاءة عن فرص العمل.

 

 

 

 

ثانيًا: غياب الهدف للمؤسسات

غالبًا ما تتميز مؤسسات بلداننا (الخاصة والعامة) بغياب هدفها، أو عدم وضوحه على أقل تقدير، والسبب في ذلك في أغلب الأوقات أنها مؤسسات تابعة لرجال السلطة، ورجال السلطة ليس لديهم الوقت لمتابعة ما يجري في مؤسساتهم، فهم يعتمدون على شخص يضعهم في الصورة، والتي قد لا تكون صحيحة. أمر كهذا يجعل المؤسسة (كأن تكون تربوية أو إعلامية أو شركة) لا تأبه كثيرًا أن توظف شخصًا يحقق لها ذلك الهدف (غير الواضح أصلًا). والسبب الآخر لعدم رغبتها في استقطاب الخبرات والكفاءات، هو عدم دخول هذه المؤسسات في سوق المنافسة الحقيقة مع مؤسسات أخرى، ما يعني أنها لن تجد فرقًا بين المبدع، والعادي.

 

 

 

ثالثًا: الكفؤ.. مُذكِر دائم بعقدة النقص

كثير ممن يديرون مؤسسات وشركات بلداننا لا يحملون كفاءة علمية كما أشرنا، والتي تولد لديهم الشعور بالدونية، والدونية هي شعور ذلك المدير أو المسؤول بالنقص بطريقة تؤثر في سلوكه، ما يدفع ذلك المدير في تلك المؤسسة، أو مدراء أقسامها  بالخوف من المبدع، وكرهه، والبحث عن زلاته وسقطاته، ومن هنا يأتي الامتناع عن قبول الخبرة في عمل ما، واللجوء إلى آخرين يفتقرون إلى الأهلية لشغل العمل عوضًا عن الكفؤ، لأن الموظف غير الكفؤ لا يشكل تهديدًا نفسيًّا  لرئيس العمل أو المسؤول، ولا يذكره بنقصه الدائم كـ(تحصيله العلمي، وضحالة ثقافته، وقلة خبرته، وقلة إمكانياته الإبداعية) التي غالبًا لا يستطيع التخلص منها.

 

 

رابعًا: الخوف من المنافِس

بما أن الكفاءات -مهما كان تخصصهم- أفراد متميزون يسعون لتحقيق ذاتهم فكريًّا ومهنيًّا لضمان ظروف عمل ومعيشة مريحة تكفل لهم حرية التفكير، وإمكانية الإبداع، فإن هذا يشكل مصدر قلق دائم لصاحب العمل، خشية أن يأخذ صاحب الخبرة هذا مكانه، ويصبح هو بين ليلة وضحاها خارج اللعبة، فيقوم رب العمل بإجراء استباقي، وهو رفض قبول صاحب الكفاءة من الأساس، تحت مبررات لا أصل لها، وفي أغلب الأحيان غير منطقية.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد