1-طبيعة المنطقة
في جنوب سوريا، تقع محافظتي السويداء ودرعا المجاورتين بعضهما لبعض، واللتين تعدان جزءًا من منطقة حوران، ففي التقسيمات الإدارية العثمانية، جاء ذكر قضاء درعا وقضاء السويداء التابعتين لسنجق حوران عام 1900م (ق).
وقد مرت هذه المنطقة بنزاعات على عدة عقود وتغيير ديموغرافي مع مرور السنين، وتعد المنطقة ذات طبيعة عشائرية تسودها العقلية القبلية إلى عهد قريب، وقد سكن آل المقداد السويداء منذ حوالي 360 عامًا، ثم هاجر آل المقداد من السويداء إلى سهل حوران منذ نحو 250 سنة (ك)
ولم يكن في الجبل أي عائلة درزية، فقد رحلوا من لبنان، بسبب الخلافات بينهم وبين الموارنة عام 1840- 1860 (د) ومنذ قدوم الدروز إلى جبل العرب بدأت الخلافات والنزاعات، خاصة بين آل الأطرش الدرزية، وآل المقداد السنية.
2-النزاع بين المقداد والأطرش
في عام 1909م اشتد الخلاف بين الدروز والحوارنة في لواء حوران، وكان السبب أن خلافًا نشب بين نواطير قرية «القريا» وقرية «بصرى اسكي شام» ذهب في هذا الاقتتال العديد من القتلى من بينهم هلال الأطرش شيخ قرية رساس، ومنصور المقداد من بصرى اسكي شام (أ) واستمرت الغارات بين الطرفين، فقام الدروز بغارة على قريتي معربة وغصم، حيث إن القريتين توجد فيهما عشيرة آل المقداد السنية إلى جانب بصرى اسكي شام، وقتل 12 شخصًا من الطرفين (ب) وحاولت الكثير من الأطراف التدخل وفك النزاع حتى أثيرت القضية في مجلس المبعوثين العثماني من قبل نائب حوران في إسطنبول سعد الدين الخليل المقداد، إذ ندد بالدروز ودعا لقدوم حملة لفك النزاع بين عشيرته وعشيرة آل الأطرش، فأرسلت الدولة العثمانية حملة عسكرية قوامها 30 ألف جندي، تتألف من (37) طابورًا عسكريًّا من الجيش العثماني، بقيادة سامي باشا الفاروقي (ج).
نشر سعادة سامي باشا الفاروقي رسالة في جبل حوران هذا نصها:
لما كان ما ارتكبه بالمدة الأخيرة قسم من الدروز بإفساد بعض الأشخاص في جبل الدروز من حركات البغي والجنايات الفظيعة، مما لا يغض الطرف عنه بأية مملكة تابعة لادارة منظمة، قد قررت الحكومة السنية تأديب من تجاسر على تلك الأعمال القبيحة، واشترك بها بصورة تجعلهم عبرة لغيرهم.
سامي الفاروقي/ قائد الحملة الحورانية (م).
لقد حاول الدروز توسعة أماكن وجودهم، لتشمل شرقي درعا، ولكنهم لم يستطيعوا تعدي القرى التي يسكنها آل المقداد.
إذ كان سر العداء ونقمة الدروز على آل المقداد، أنهم كانوا يتصدون لهجمات الدروز الدائمة على سهل حوران، ووقفوا حائلًا دون تعديهم حدود جبلهم، ولولا آل المقداد لامتد سلطانهم على سهول حوران فحاولوا كسر قوة آل المقداد في أكثر من معركة، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل فثاروا عليهم ثورة الغاضب.(س)
يقول الدكتور علي سلطان:
هناك بين الدروز والحوارنة نوع من العداء التقليدي، وبخاصة بين زعماء الفئتين، عائلة (الأطرش) من الدروز وعائلة (المقداد) من الحوارنة.(ي)
وذكرت العديد من الكتب المعارك الدامية الدائرة بين الطرفين،
وتدخل عشائر حوران، كعشيرة الزعبي والشيخ فواز بركات الزعبي، ليلعب مشايخ الزعبية دور الوسيط. ونقلًا عن الوثائق الفرنسية يقول الدكتور علي سلطان: « رفض الوالي إسماعيل باشا تدخل وشكيب أرسلان وفواز البركات؛ لأن الوالي كان يعتقد أن الإنجليز هم الذين شجعوا وحرضوا الدروز على القيام بالتمرد على الدولة الذي أدى إلى قتل (17) مسلمًا من منطقة درعا كانوا يدافعون عن بصرى الحرير… ولهذا قرر الصدر الأعظم أن ينهي أعمال العصابات» حاول الشيخ فواز حل الخلاف قبل قدوم حملة سامي باشا إلى حوران، غير أن الدروز اتمهوا الشيخ فواز بالانحياز لعشيرة المقداد.
3- الصلح بين الطرفين
في ظل الانتداب الفرنسي حاول المستعمر اللعب على وتر الطائفية وإثارة الجيران بعضهم ضد بعض، متخذًا سياسة «فرق تسد».
إلا أن الطرفين كانا على وعي تام بأن الفائز الوحيد في استمرار القتال هو المستعمر، وقد سعى الطرفان للصلح، يقول سلطان الأطرش: «وإزالة كل أثر للخلافات الفردية والجماعية التي كانت قائمة ذهب أخي علي إلى بصرى ومعه وفد من أهالي (القريا) واجتمعوا هناك بالسادة: منصور المقداد…».(ط)
طرف الدروز:
– يحيى الأطرش
– علي الأطرش
طرف حوران:
– منصور المقداد
– مصطفى المقداد
– سعد الدين المقداد
– قاسم الفارس
وجرى الصلح حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، ولأن المقتولين من طرف الدروز كانوا أكثر عددًا، أُخذت أراضٍ من المقداد مقابل كل شخص مقتول زيادة عن عدد قتلى الطرف الآخر، ولو راجع أي مؤرخ حدود المنطقتين، سيجد أن أغلب القرى الواقعة غربي بصرى الشام قد أخذها الدروز (ض) بدل قتلاهم. لتنتهي حقبة من الدماء والخلافات العشائرية، وتبقى المنطقة بسلام شبه كامل إلى يومنا هذا.
وأثناء ترسيم الحدود اختلف الطرفان في أين يوضع الحد بين الجبل والسهل، فسحب أحد الفرسان واسمه: سعيد منصور المقداد سيفه، وغرزه بالأرض، وانوضع الحد مكان السيف.
كان من نتائج النزاع:
– خروج حملة عثمانية ضخمة بقيادة سامي باشا، لإعادة الأمن والأمان للمنطقة.
– أخذ الدروز للعديد من القرى شرقي بُصرى الشام.
– استطاع آل المقداد رد الدروز إلى حدود جبلهم، بعد أن غلبوا العديد من العشائر الأخرى.
وفي النهاية أذكر قصيدة شعبية أرخت معركة من معارك المقداد:
صاح الصايح بروس المراقيب
يا أهل الخيل بالرّدن يشوحي
وين عيال ال متهاب المراهيب
طرشنا خذوه من السروحي
فزعنا وفزع معانا سعيد
جرحنا وغمقنا بالجروح
لحقنا الطرش عانجع نزال
نفكـّوا من عقب ما يروحي
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست