تبًا للعلماء والأطباء، فقبل أن يسبروا أغوار الفضاء وقبل أن يتفننوا في عمليات التجميل وفي تطوير وسائل تحسين الصحة وإطالة العمر، كان عليهم أن يفهموا الكائن الإنساني بعمق وتفصيل، وأن يجدوا الخلايا أو الأجزاء المسؤولة عن الضمير فيه، حتى يقوموا باستئصالها، فالحياة بوجود الضمير الحي هي جحيم مقيم، وكم ستكون رائعة وخفيفة وحرة لو تخلص الإنسان من ذلك العضو أو المكون اللعين الذي يقض المضاجع ويوجع القلب.
ولكن بما أنه من غير المتوقع أن يتمكن العلماء والأطباء الفشلة في المدى المنظور من رصد مكان الضمير في جسد الإنسان تمهيدًا لبتره، دون المخاطرة بالحياة نفسها، لأن هناك من المؤشرات ما يفيد بأن القلب هو مكان استيطان الضمير؛ فلا بد أن ينبري البعض من أمثالي من المعنيين بقضية المعاناة البشرية للتفكير بطرائق، ولو مؤقتة وجزئية، لتجميد ذلك العنصر المتطفل على طبيعة الإنسان الزفتية المطينة.
وقد هداني تفكيري بعد طول التأمل إلى عدد من المقاربات التي يمكن تجربتها لخنق الضمير، فيما يلي بيانها:
أولاً: عليك بالإكثار من الاستماع إلى المشايخ، فهذا كفيل – فيما أحسب وأرجو- ليس بشل ضميرك فحسب، بل بنسفه من جذوره وتبديده. ولا تقلق بشأن اختلاف الأسماء والوجوه والألقاب والجنسيات واللهجات والأزياء وألوان العمم والغطر وأحجامها، فمعظمهم سواء في الانتساب لإبليس، والأغلبية الساحقة منهم تقمصهم روح عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين العتيد شخصيًا. وكمعلومة على الهامش هنا، أتذكر أن شركة خليجية كانت قد أنتجت مسلسلاً طويلاً عريضًا عنوانه «خيبر»، حاول تبييض صفحة الرجل الذي لعنه الله من فوق سبع سماوات وأكد استحالة الغفران له، بحيث يخرج المشاهد في آخر المسلسل وهو يتفهم نفاقه، بل يتعاطف معه. وجاءت بممثل كوميدي مشهور ومحبوب من شبيحة المجرم بشار الأسد كي يقوم بالدور، ليحقق التأثير الإيجابي المطلوب! نعود بعد هذا الاستطراد إلى معشر المشايخ، فإذا ما احترت وتبلبلت وخشيت بأن تتعثر في طريقك بشيخ يمكن أن يمارس عليك تأثيرًا مضادًا فيسهم في إيقاظ ضميرك وتنشيطه، فانظر كمعيار لا ريب فيه في علاقته بأنظمة الحكم العربية. فإن لم يكن في غياهب السجن أو من المرشحين بقوة لدخوله، وكان يتمتع بالحفاوة والإكرام من جانب أي نظام عربي، فاعلم أنك في الأمان واستمع إليه باطمئنان، إذ إنه حتمًا ليس أكثر من منافق أفاق، فكل الأنظمة القائمة معادية للإسلام مشوهة له، وواجب الشيخ الحقيقي الذي يؤمن بالإسلام بالفعل ويطبقه أن يفضح تلك الأنظمة الخائنة لله ولرسوله وللمؤمنين، لا أن يصمت عن جرائمها المنكرة، وأن يطبل لها ويدعو لمجرميها بطول العمر والسداد والتوفيق، مقابل التنعم بحظوتها ورشاواها!
ثانياً: أكثر يا طويل العمر من متابعة القنوات الإعلامية العربية، فجلها، حتى لا أقول كلها، بلا ضمير أو أخلاق، وهي تساعد ولا شك على كبت الضمير الحي وتخديره بافتراءاتها وأكاذيبها. وحتى وإن لم تكذب، فإن عرضها للأخبار بصورة انتقائية مغرضة يحقق الغرض. فالمحطات الإخبارية العربية، المملوكة في معظمها لهذه الدولة أو تلك من دول الخليج، أو لغيرها من الدول العربية البائسة، أو لرجال الأعمال الفاسدين، تفصّل الأخبار وتعرضها، هذا إن لم تلفقها، حسب المصلحة، لا حسب القناعات والمبادئ الأخلاقية المهنية الموضوعية. فطالما كانت العلاقات جيدة مع دولة ما، ألفيناها لا تذكرها إلا بخير، غاضة الطرف تمامًا عن فضائحها ومخازيها. فإذا ما ساءت الأمور معها، وجدنا الملفات المخزية تتفتح بغمضة عين، ليتم نشر الغسيل الوسخ لتلك الدولة وهتك عرضها! والأزمة الأخيرة بين عواصم الخليج تقدم مثالاً صارخًا على ذلك. فإذا كانت قطر بكل ذلك الإجرام الذي نشاهده بكثافة خانقة في برامج المحطات المملوكة للسعودية والإمارات ومصر، فلماذا لم يتم تحذير المواطن العربي منها قبل ذلك عندما كانت الأمور معها سمنًا على عسل؟! وفي المقابل، أين كانت البرامج التي تنشرها قناة الجزيرة القطرية الآن عن فضائح وتساقطات أهل الحكم في الدول التي شنت الحصار على قطر؟!
ثالثـًا: اعمل أيها القارئ البصير الرامي إلى تجميد الضمير على جمع وحفظ واستدخال واتباع أكبر قدر ممكن من الأمثال والحكم الشعبية والرسمية الحاثة على تنويم الضميرأ والتحول إلى مجرد خروف وديع مسالم، من قبيل: «يقولوا جبان مئة مرة ولا الله يرحمه»؛ «حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس»؛ «إمش الحيط الحيط وقول يا رب الستر»؛ «من خاف سلم»؛ «العين ما بتناطح المخرز»؛ «لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات ردية»؛ «الباب اللي بيجيك منه الريح سده واستريح»… إلخ. عليك يا عزيزي أن تضع تلك الحكم الخالدة موضع التنفيذ الفعلي، وأن ترددها سرًا وعلانية كل يوم كأذكار للوقاية قبل النوم وعند الاستيقاظ، وأن تشهرها في وجه من يحاول تحريضك وتوريطك فيما لا تحمد عقباه. وتذكر دائمًا الحكمة الذهبية القائلة: «خروف سعيد خير من أسد ميت»!
رابعًا: من النصائح الجديرة بالأخذ بعين الاعتبار في سياق الحديث عن سبل الارتياح من وخز الضمير، وجوب التكالب على متع الدنيا وملذاتها ومسراتها. إذ عليك أن تعيش يومك وكأنك ستموت غدًا، فتغوص حتى أذنيك فيما استطعت من أشكال المتع الحسية. فكل واشرب أطيب أصناف الأطعمة والأشربة والحشيش، وصاحب أجمل النساء، والبس أفخر الثياب، واسكن أرقى البيوت، واركب أحدث السيارات، ولا تترك مدينة تعتب عليك. ضع تحقيق تلك المتع نصب عينيك، ولا تسل عن الوسيلة، فالغاية تبررها. اكذب وانصب واسرق ودلس واختلس، دون أن تنسى أن تنافق علية القوم باحتراف وإبداع، فهذا سيجعلهم يحمونك ويسهلون أمورك، فوجودهم لا يكون ولا يستقر إلا بمثلك!
تلك كانت بعض النصائح المخلصة لمن أراد الشفاء من داء العيش بضمير، فإذا ما أخذت بها يا صديقي، فسوف يصاب ضميرك المتربص لإزعاجك بالتقزم والانكماش وهشاشة العظام، ولن يجد الفرصة أو الوقت أو الطاقة ولو للتململ والتنغيص عليك، وستنعم بحياة سعيدة هانئة منشكحة منشرحة رائقة، ولن تتوقف عن الغناء مع عدوية وعياش: وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست