كيف يتشكل الوعي؟ كيف نشكل صورة عن أنفسنا؟ وكيف نحكم عليها؟ وما هي هذه التوليفة التي تشكلنا؟ لا شك أنّ عوامل التربية البيئة والفطرة التي وجدنا عليها هي من تصنع هذه التوليفة تبدأ هذه الفطرة بالذوبان تحت صهر التربية الوالدية وكما علمنا حديث المصطفى عليه الصلاة السلام (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.

إذًا التربية والبيئة تصنع أفكارنا ووعينا، أولًا فكرتنا عن أنفسنا ووعينا بدواخلنا، ثانيًا فكرتنا عن البيئة والمحيط من حولنا لو رجعنا إلى البدايات، نحن متشابهون ولأكثر مما نعتقد، متشابهون في خلقتنا وفي فطرتنا، لكنها يد التربية الوالدية والبيئة التي تكسبنا لاحقًا ما يعرف باسم الشخصية: شخصيتنا هي توليفة من مهارات وصفات نكتسبها مع مرور الوقت وتكرار العادة فتصبح جزءًا منّا، هذا يجعلنا نعرف ونتيقن أن باستطاعتنا أن نتغير ونغير الكثير من الصفات غير المرغوبه فينا، وذلك عبر العمل عليها في إطار الزمن وتحويلها إلى سلوكيات وعادات، فحتى يحل الإيجابي محل السلبي عليك أن تمنحه الوقت وتدرب نفسك عليه بالتكرار.

الإنسان فينا يحتاج لرعاية نفسية تمامًا كاحتياجه للرعاية الجسدية، وتمامًا كما نهتم ونرعى الجسد ونسد احتياجاته علينا أن نهتم ونرعى النفس أيضًا، ونسد احتياجاتها، أي نقص في سد الاحتياجات النّفسية أو خلل فيها يظهر لاحقًا على شكل اعتلال أو اضطراب في شخصياتنا، إذًا الرعاية التي يقوم بها الوالدان أو المربون لا تكفي إذا كانت رعاية جسدية فقط، فالرعاية الجسدية يقابلها التربية النفسية أيضًا للشخص، هكذا يتشكل ميزان بكفتين متعادلتين ومتزنتين حتى نحصل على توازن نفسي وجسدي. وهكذا في أولى مراحل التنشئة نبدأ في تكوين صورة عن أنفسنا هذه الصورة قد تكون إيجابية وحقيقية وصورة للفطرة السليمة وللفضيلة والخير ويتعزز ذلك بالتربية الوالدية وقد تنشأ صورة معتلة نشبهها بالصورة المشروخة أو المرآة التي تراكمت عليها الأوساخ فأظهرت من يقف عليها على غير حقيقته، فاقتنع أن هذه هي صورته وتشوهت لديه فكرته عن نفسه فهو يرى نفسه على غير حقيقتها (تشوه في إدراكه)، فبالتالي يتشوه لديه السلوك تبعًا لفكرته عن نفسه، ولا يحاول أن يصحح هذه الصورة الخطأ أو أن يمسح ضبابيتها على الأقل، ويستمر في طمسها حتى لا يعود يرى أثرًا لمعنى إيجابي في نفسه، وهذا مخالف للواقع الحقيقي الذي يقبع خلف تلك المرآة التي نصبناها لأنفسنا لتحجب عنا الرؤية الحقيقية لجوانب الخير والفضيلة والقوة والعظمة والمقدرة والذكاء والتي هي جزء من تركيبتنا وخلقتنا البشرية.

الوعي هو جزء مهم من الحياة والوعي الذاتي أو الادراك أو التفكير هو ما يميز الإنسان عن الحيوان والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي كرمه الله بالتفكير والتفكير هنا هو العقل هو الإدراك والوعي الداخلي، وهذا إذا عرفنا أنَّ الوعي هو معرفة الإنسان واستجابته للمؤثرات الداخلية والخارجية، فالنبات والحيوان لديه هذه الاستجابة، ولكنها تعمل بخط واحد واتجاه واحد هو الاستجابة للمؤثرات الخارجية، وبكيفية واحدة، وبنسق لا تحيد عنه في وعيها لهذه الاستجابات لأنها محكومة بالغرائز والطبائع، لكنّ الإنسان مختلف عنها في ذلك؛ فهو لديه معمل داخلي يحلل ويفسر يدرك ويستجيب، وبهذا فعقله بمثابة مصنع.

حين يترك الإنسان نفسه للظروف تسيره، وللبيئة تحكمه، فهو بذلك يهدر إنسانيته وتميزه عن غيره من المخلوقات، ويعطل المعمل الداخلي الذي ربما سيتراكم عليه الغبار والصدأ من قلة الاستخدام فقد عطل صاحبه مهمته، ولم يعمل على تحريكه بأن يقدم له مدخلات جديدة تعطيه إدراكًا ووعيًا مستمرًا يتلاءم وتطوره وظروفه وإمكاناته، فكلما كان الإنسان أكثر وعيًا بذاته، وكلما عمل على إعمال فكره يرتقي في سلم إنسانيته، وكلما استغل الفرد قدراته العقليه في عمليات التفكير الذاتي السليم أنشأ وعيًا باتجاه ذاته، وباتجاه الكون، ولهذا كان الأنبياء أكثر وأعلى البشر منزلة لاستخداهم العقل والتفكير والتأمل، يليهم في ذلك العلماء، وفي هذا الاستغلال الأمثل لما يميزنا عن غيرنا.

عمومًا هذا الوعي لا ينفك ذا تأثير جسدي أيضًا، فالانفعالات الفكرية والنفسية تؤثر على الجسد غالبًا إيجابا أو سلبًا، لذا فإن معرفة إلى أين يسير بنا وعينا هو أمر هام أيضًا، فحين نطور تلك الاستجابات والقدرات الموجودة في أجسادنا بحكم فطرتنا البشرية، وعندما نستغل العقل والوعي في ذلك فينبغي أن ندرك إلى أيّ مدى، وبأيّ شكل سنفعل ذلك.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد