انتشر اصطلاح “نظرية المؤامرة” في المجتمعات الغربية، بدأ في بدايات القرن العشرين بشكل خاص عندما استخدمته إحدى الصحف “the American historical review” المتحدثة باسم جمعية الزمالة التاريخية الأمريكية وكان هدفها إعادة تعريف القارئ بفترات متعددة في التاريخ المحلي والعالمي والتي وُجد حولها اختلاف أو شكوك أو اتُهِم كتاب التاريخ فيها بالتقصير أو تبديل الوقائع أو عرضها جزئيا.
ثم برزت تلك الأطروحة بقوة مع السيتينيات وتحديدا بعد اغتيال الرئيس الأمريكي چون كينيدي والذي فجر غموضه موجة عاتية من التساؤلات عن من له المصلحة في موت الرئيس وإن كان الهدف منه إيقافه عن إحداث تغييرات تتعارض مع أچندة جهة ما.
نظرة عامة
المصطلح بشكل عام يعني وجود منظمة ما أو جهة معينة غاية في الضخامة والقوة والسرية تعمل بشكل سري تماما للسيطرة على مقاليد الأمور في العالم من خلال أچندة منظمة تعمل بآليات سلبية مجرّمة للوصول للهدف المطلق وهو خضوع البشرية كلها تحت سيطرتها أو ما عرف بنظام عالمي جديد new world order.
ولعل القارئ العربي اصطدم بعدة لمحات أو جوانب من تلك النظرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – تشير نظرية المؤامرة إلى أن الحادث كان عملا داخليا أمريكيا مدبرا من أجل إلصاق تهمة الإرهاب الجهادي بالمسلمين واتهامهم بتدبير الحادث المأساوي الدموي – وما ترتب عليها من غزو مقنع للشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومنها أطروحات أخرى ربطت النظرية بالكيان الصهيوني من أثرياء العالم أمثال سلالة عائلات “روتشيلد” و “روكفيللر” وغيرهم بالوقوف خلف تلك النظرية. وأطروحة الماسونيين الأحرار / فرسان المعبد والتي وجد لها الباحثون في النظرية جذورا امتدت في التاريخ منذ الحملات الصليبية على الشرق. ونجد صورة أخرى وهي الألوميناتي illuminati أو المتنورون.
وتم ربطهم جميعا بذات الخيط وهو شتات اليهود الصهاينة في العالم، وعدة جمعيات سرية أيضا مثل نوادي الروتاري وغيرها.
مجرد نظرية أم خرف وهوس؟
ودون الخوض في تفاصيل النظرية والتي لابد وأنك تعلم عنها ولو فكرة عامة، بنظرة مجردة من الآراء الشخصية أو اتباع التحليل المنطقي للنظرية برمتها وبمنطًقْة الأمور وجد الكثيرون من غير العرب والمسلمين منطقية صحة نظرية المؤامرة واعتنق عدة كتاب وباحثون النظرية أمثال ديفيد ايك والروائي دان براون وروبرت شيا وغيرهم وبحثو فيها وحاولوا ربط معظم الأحداث الضخمة في العالم كالحروب وتجارة السلاح بطرح النظرية. وتنامى عدد هائل من معتنقي النظرية حتى صارت واقعا جليّا بالنسبة للملايين.
وشاعت إيجابية النظرية في العالمين العربي والإسلامي بقوة نظرًا لملاءمتها الشديدة والمنطقية من جانبهم، نظرا لاشتعال المنطقة بالحروب وقضية الصراع العربي الإسرائيلي وجذور الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين والمنظمات الإرهابية التكفيرية، ومؤخرا موجة الثورات التي اجتاحت الدول بالمنطقة، لذا راجت النظرية بقوة في عالمنا العربي ووجد الكثيرون من معتنقيها ملايين الروابط بين مشاكل المنطقة وبين نظرية المؤامرة لعدة أسباب بسيطة دفعتهم للقول بهذا، منها العداء الأسطوري للصهيونية والعداء الثيولوجي – الديني – لليهود، ومنها أيضا الاقتصاد الراكد والفساد الشديد في طبقات الحكام ونسبة الفقر العالية، كل هذا مقارنة بأوضاع المنطقة منذ مائة عام في خضم الاستعمار العسكري، وجد توافقا وتلاؤما قويا ورواجا لاعتناق النظرية من منظور العداء للغرب.
أما معتنقو النظرية الغربية المنشأ أصلا، ظهر بينهم فيلق مناهض للنظرية وحاولو بمنطقية دحر النظرية واتهموا معتنقيها بالخرف والمرض النفسي ولكن الأكاديميين من المناهضين لها أقروا بهدوء ورزانة في نهاية الأمر أن الأطروحات مجرد نظرية، تحتمل الثبوت أو النفي، وفي إطار هذا فالنفي الكامل غير مقبول، والثبوت القاطع أيضا غير متوافر. في حين أن تلك الفئة المناهضة في عالمنا العربي رغم قلتهم جزموا بأنها تخريف كامل وصارت محض هراء و مثار سخرية لهم حتى دون ترك الأمر مطروحا للثبوت والنفي، وبكل صلف قالو إن المتحدث بها يحتاج للعلاج النفسي أو يحتاج للارتقاء بأفكاره الغوغائية غير آبهين أو مهتمين بأي مجهودات حقيقة تعمل على إثبات صحة النظرية.
مؤيد أم معارض
سواء كنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة أم لا، الغرض هنا هو التعامل مع الأمر دون تعنت، والاستناد إلى حقائق مباشرة، والبحث المدقق في أي حقيقة تمر بها حتى وإن كانت تتوافق مع رؤيتك الشخصية وقناعاتك، لأن كما ذكرنا الأمر برمته هو طرح نظري. مثله مثل أي نظرية أو باب بحثي، حتى وعلى الرغم من مدى وضوح الأمر للكثيرين ممن هم على يقين شديد أن الخراب والفقر والمرض والحروب والمجاعات في العالم العربي والإسلامي لهي حرب منظمة تهدف لمحو العرب والمسلمين من على وجه الأرض أو تحويلهم لعبيد فقرهم وحروبهم وإرهابهم وتخلفهم. لكن إذا نقلنا الصورة من اتهام قوي خيفة التحكم فينا وتدميرنا، فلنطرح أطروحة أخرى أشد أهمية للفئتين من معتنقي ورافضي النظرية.
لماذا أنت في موقع المهزوم لا تحرك ساكنا؟ لماذا لا تنهض وتعمل وتفكر وتنجز بدلا من لعب دور الضحية؟ لماذا تترك ثغرات لأعدائك – الوهميين أو الحقيقيين – لغسل أفكارك ودحر إنجازاتك؟ لماذا وافق هواك دور المتآمَر عليه ولم يوافق هواك دور النهوض؟ حدد أسباب استضعافك واعمل عليها ولو كشخص وحده، وإن أبيت أن تعترف بخطر عيوبك وأسباب تراجعك وقهرك سأنهي مقالي بها .. توقف عن اتهام الأصابع الخفية وحارب كلا من: الفقر، الجهل، الحروب، الفساد الطبقي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست